يوم عاشوراء


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 من الأيام الفاصلة، فصل الله فيه بين الحق والباطل بين الإيمان والكفر، إنه يوم نصر الله فيه أهل الإيمان ودمر أهل الكفر والعصيان، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه. رواه البخاري

وفي رواية مسلم "هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا لله - تعالى -فنحن نصومه" وفي رواية للبخاري "ونحن نصومه تعظيما له" ورواه الإمام أحمد بزيادة: "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكرا" وفي رواية للبخاري أيضا: "فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا ".

صيام يوم عاشوراء في الجاهلية:

وصيام عاشوراء كان معروفا حتى على أيّام الجاهلية قبل البعثة النبويّة، فقد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه"..قال القرطبي: لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم - عليه السلام -.وقد ثبت أيضا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدّم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتّخاذه عيدا، كما جاء في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا يلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فصوموه أنتم.رواه البخاري

وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود، حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام. انتهى ملخّصا من كلام الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري شرح صحيح البخاري.

 

فضل صيام عاشوراء:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان. رواه البخاري ومعنى "يتحرى" أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم.

وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

 

استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء:

روى عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم.

قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام العاشر، ونوى صيام التاسع.

وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب.

الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء

 

قال النووي - رحمه الله -: ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجها: أحدها: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر، وهو مروي عن ابن عباس.

الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده، ذكرهما الخطابي وآخرون.

الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال، ووقوع غلط فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر. انتهى.

وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة، مثل قوله في عاشوراء: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع"

وقد رجح ابن حجر أن مراده مخالفة اليهود والنصارى وقال: وبه يشعر بعض روايات مسلم.

حكم إفراد عاشوراء بالصيام

قال شيخ الإسلام: صيام يوم عاشوراء كفارة سنة ويكره إفراده بالصوم. وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: وعاشوراء لا بأس بإفراده

يصام يوم عاشوراء ولو كان يوم سبت أو جمعة

قال الطحاوي - رحمه الله -: وقد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صوم عاشوراء وحض عليه، ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه، ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه.

وقال البهوتي - رحمه الله -: ويكره تعمد إفراد يوم ا لسبت بصوم، لحديث عبد الله بن بشر عن أخته: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم وقال على شرط البخاري، ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم إلا أن يوافق يوم الجمعة أو السبت عادة، كأن وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء وكان عادته صومهما فلا كراهة، لأن العادة لها تأثير في ذلك.

ما العمل إذا اشتبه أول الشهر؟

قال الإمام أحمد: فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر.

فمن لم يعرف دخول هلال محرّم وأراد الاحتياط للعاشر بنى على إكمال ذي الحجة ثلاثين - كما هي القاعدة - ثم صام التاسع والعاشر، ومن أراد الاحتياط للتاسع أيضا صام الثامن والتاسع والعاشر (فلو كان ذو الحجة ناقصا يكون قد أصاب تاسوعاء وعاشوراء يقينا). وحيث أنّ صيام عاشوراء مستحبّ ليس بواجب فلا يُؤمر النّاس بتحرّي هلال شهر محرم كما يؤمرون بتحرّي هلال رمضان وشوال.

 

صيام عاشوراء ماذا يكفر؟

قال الإمام النووي - رحمه الله -: يكفر كل الذنوب الصغائر وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر.

ثم قال - رحمه الله -: صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت

به حسنات ورفعت له به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر، رجونا أن تخفف من الكبائر.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وتكفير الطهارة والصلاة وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصغائر فقط.

عدم الاغترار بثواب الصيام

يغتر بعض المغرورين بالاعتماد على مثل صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر.

 

قال ابن القيم: لم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر، ومن المغرورين من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه، لأنه لا يحاسب نفسه على سيئاته ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مائة مرة، ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم، ويتكلم بما لا يرضاه الله طول النهار، فهذا أبدا يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذابين والنمامين، إلى غير ذلك من آفات اللسان وذلك محض غرور.

 

صيام عاشوراء لمن عليه قضاء من رمضان:

اختلف الفقهاء في حكم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان، فذهب الحنفية إلى جواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة، لكون القضاء لا يجب على الفور.

وذهب المالكية والشافعية إلى الجواز مع الكراهة لما يلزم من تأخير الواجب.

وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان، وعدم صحة التطوع حيئنذ ولو اتسع الوقت للقضاء، ولا بد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه.

فعلى المسلم أن يبادر إلى القضاء بعد رمضان ليتمكن من صيام عرفة وعاشوراء دون حرج، ولو صام عرفة وعاشوراء بنية القضاء من الليل أجزأه ذلك في قضاء الفريضة، وفضل الله عظيم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply