صيام عاشوراء وأحكامه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد:

فهذه أحاديث صحيحة إن شاء الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صوم عاشوراء وهو العاشر من محرم وبعضا من فقها، رتبتها لكي يسهل الإنتفاع بها لكل من يطلع عليها أسأل الله أن ينفع بها.

 

كانت قريش تصوم عاشوراء في جاهليتها وصامه - صلى الله عليه وسلم - وتأكد صومه حين ذهب للمدينة ولما فرض رمضان ترك فرضه:

أخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه.

وأخرجه مسلم (وعنده: فلما جاء الإسلام).

والترمذي وقال: (والعمل عند أهل العلم على حديث عائشة وهو حديث صحيح لا يرون صيام يوم عاشوراء واجبا إلا من رغب في صيامه لما ذكر فيه من الفضل).

 

وأخرج مسلم عن: عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان فلما افترض رمضان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه. وفي رواية عنده: ((ومن كره فليدعه)).

 

وأخرج النسائي عن محمد بن صيفي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء أمنكم أحد أكل اليوم فقالوا منا من صام ومنا من لم يصم قال فأتموا بقية يومكم وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم.

وابن ماجة

وقد صامته اليهود بسبب أن الله نجا فيه موسى وأغرق آل فرعون وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أحق الناس به من اليهود وهو يوم صالح عظيم:

أخرج البخاري: فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ما هذا قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه.

وعند مسلم: فصامه موسى شكرا.

وأخرج البخاري: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوما يعني عاشوراء فقالوا هذا يوم عظيم وهو يوم نجى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون فصام موسى شكرا لله فقال أنا أولى بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه.

ومسلم وعنده: فسئلوا عن ذلك فقالوا هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيما له.

 

وقد كان اليهود يعظمونه ويتحلون فيه ويعدونه عيدا لهم وأمرنا بمخالفتهم فنصومه:

أخرج البخاري: عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فصوموه أنتم.

ومسلم وعنده: كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود.

وفي رواية عنده: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا

ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم.

قال النووي: قَوله: (الشَّارَة): وَهِيَ الهَيئَة الحَسَنَة وَالجَمَال، أَي

يُلبِسُونَهُنَّ لِبَاسَهُم الحَسَنَ الجَمِيلَ.

 

فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة أكد صومه بفعله له ورأى بعض العلماء أنه كان واجبا: البخاري: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال صام النبي - صلى الله عليه وسلم - عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه.

ومسلم

قلت: عبد الله هو ابن مسعود:

فقد أخرج البخاري عن: علقمة عن عبد الله قال دخل عليه الأشعث وهو يطعم فقال اليوم عاشوراء فقال كان يصام قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ترك فادن فكل

قلت: الأشعث هو ابن قيس كما ذكره ابن حجر في الفتح.

وعند مسلم: عن عبد الرحمن بن يزيد قال دخل الأشعث بن قيس على عبد الله وهو يتغدى فقال يا أبا محمد ادن إلى الغداء فقال أوليس اليوم يوم عاشوراء قال وهل تدري ما يوم عاشوراء قال وما هو قال إنما هو يوم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك.

 

البخاري: عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا ينادي في الناس يوم عاشوراء إن من أكل فليتم أو فليصم ومن لم يأكل فلا يأكل.

ومسلم وعنده: (ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل).

 

فقه الأحاديث:

قال المباركفوري: صَومَ عَاشُورَاءَ كَانَ فَرضًا ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهُ بِوُجُوبِ صَومِ رَمَضَانَ. قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتحِ: يُؤخَذُ مِن مَجمُوعِ الأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لِثُبُوتِ الأَمرِ بِصَومِهِ، ثُمَّ تَأَكَّدَ الأَمرُ بِذَلِكَ، ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأكِيدِ بِالنِّدَاءِ العَامِّ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمرِ مَن أَكَلَ بِالإِمسَاكِ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمرِ الأُمَّهَاتِ أَن لَا يُرضِعنَ فِيهِ الأَطفَالَ، وَبِقَولِ اِبنِ مَسعُودٍ, الثَّابِتِ فِي مُسلِمٍ,: لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ، مَعَ العِلمِ بِأَنَّهُ مَا تُرِكَ اِستِحبَابُهُ بَل هُوَ بَاقٍ,، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ المَترُوكَ وُجُوبُهُ. وَأَمَّا قَولُ بَعضِهِم المَترُوكُ تَأَكٌّدُ اِستِحبَابِهِ وَالبَاقِي مُطلَقُ اِستِحبَابِهِ، فَلَا يَخفَى ضَعفُهُ، بَل تَأَكٌّدُ اِستِحبَابِهِ بَاقٍ, وَلَا سِيَّمَا مَعَ اِستِمرَارِ الِاهتِمَامِ بِهِ حَتَّى فِي عَامِ وَفَاتِهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيثُ يَقُولُ: " لَئِن عِشتُ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ " ; وَلِتَرغِيبِهِ فِي صَومِهِ، " وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَأَيٌّ تَأكِيدٍ, أَبلَغُ مِن هَذَا اِنتَهَى.

 

وقد كان - عليه الصلاة والسلام - من اهتمامه به يتحراه وكان يتعهد الصحابة ويحثهم على صومه فلما فرض رمضان لم يأمر ولم ينهى:

أخرج البخاري: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان.

ومسلم وعنده: عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس - رضي الله عنهما - وسئل عن صيام يوم عاشوراء فقال ما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهرا إلا هذا الشهر يعني رمضان.

 

وفي رواية عنده: عن الحكم بن الأعرج قال انتهيت إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت له أخبرني عن صوم عاشوراء فقال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما قلت هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه قال نعم.

والترمذي

 

وأخرج مسلم: عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده.

وأحمد

 

كان الصحابة من حرصهم عليه يعودون الصبيان على صومه ويلهونهم باللعب بالعهن:

أخرج مسلم: عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار.

والبخاري

 

وبقي حكمه في الناس ليس بواجب أكد ذلك معاوية على المنبر ولم يعلم له معارض:

أخرج البخاري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - يوم عاشوراء عام حج على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر.

ومسلم.

 

يصام التاسع والعاشر مخالفة لليهود:

أخرج مسلم عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

وعند الترمذي: عن ابن عباس قال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصوم عاشوراء يوم العاشر قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح

وقال المباركفوري: (ضعيف لأنه منقطع لم يسمع الحسن من ابن عباس).

وقال الترمذي: (اختلف أهل العلم في يوم عاشوراء فقال بعضهم يوم التاسع و قال بعضهم يوم العاشر وروي عن ابن عباس أنه قال صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحق).

 

وعند ابن ماجه: عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع قال أبو علي رواه أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب زاد فيه مخافة أن يفوته عاشوراء.

 

قال النووي في شرحه على مسلم معلقا على حديث مسلم عن ابن عباس:

1- هَذَا تَصرِيح مِن اِبن عَبَّاس بِأَنَّ مَذهَبَهُ، أَنَّ عَاشُورَاء هُوَ اليَوم التَّاسِع مِن المُحَرَّم، وَيَتَأَوَّلهُ عَلَى أَنَّهُ مَأخُوذ مِن إِظمَاء الإِبِل، فَإِنَّ العَرَب تُسَمِّي اليَوم الخَامِس مِن أَيَّام الوِرد رَبعًا، وَكَذَا بَاقِي الأَيَّام عَلَى هَذِهِ النِّسبَة فَيَكُون التَّاسِعُ عَشرًا.

2- وَذَهَبَ جَمَاهِير العُلَمَاء مِن السَّلَف وَالخَلَف: إِلَى أَنَّ عَاشُورَاء هُوَ اليَوم العَاشِر مِن المُحَرَّم، وَمِمَّن قَالَ ذَلِكَ: سَعِيد بن المُسَيِّب، وَالحَسَن البَصرِيّ، وَمَالِك وَأَحمَد وَإِسحَاق، وَخَلَائِق، وَهَذَا ظَاهِر الأَحَادِيث، وَمُقتَضَى اللَّفظ.

 

قال المباركفوري: (قَالَ الزَّينُ بنُ المُنِيرِ: الأَكثَرُ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ اليَومُ العَاشِرُ مِن شَهرِ اللَّهِ المُحَرَّمِ وَهُوَ مُقتَضَى الِاشتِقَاقِ وَالتَّسمِيَةِ، وَقِيلَ هُوَ اليَومُ التَّاسِعُ).

 

3- وأمَّا تَقدِير أَخذه مِن (الإِظمَاء) فَبَعِيدٌ، ثُمَّ إِنَّ حَدِيث اِبن عَبَّاس (الآخر) يَرُدّ عليه ;أنه قَالَ: إِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُوم عَاشُورَاء فَذَكَرُوا أَنَّ اليَهُود وَالنَّصَارَى تَصُومهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ فِي العَام المُقبِل يَصُوم التَّاسِع، وَهَذَا تَصرِيح بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومهُ لَيسَ هُوَ التَّاسِع، فَتَعَيَّنَ كَونه العَاشِر.

 

4- قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصحَابه وَأَحمَد وَإِسحَاق وَآخَرُونَ: يُستَحَبّ صوم التَّاسِع وَالعَاشِر جَمِيعًا ; لِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صَامَ العَاشِر، وَنَوَى صِيَام التَّاسِع، وَقَد سَبَقَ فِي صَحِيح مُسلِم فِي كِتَاب الصَّلَاة مِن رِوَايَة أَبِي هُرَيرَة أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " أَفضَل الصِّيَام بَعد رَمَضَان شَهر اللَّه الحَرَام ".

 

5- قَالَ بَعض العُلَمَاء: وَلَعَلَّ السَّبَب فِي صَوم التَّاسِع مَعَ العَاشِر:

1- أَلَّا يَتَشَبَّهَ بِاليَهُودِ فِي إِفرَاد العَاشِر. وَفِي الحَدِيث إِشَارَة إِلَى هَذَا.

2-وَقِيلَ: لِلِاحتِيَاطِ فِي تَحصِيل عَاشُورَاء، وَالأَوَّل أَولَى، وَاَللَّهُ أَعلَمُ. (بتصرف يسير)

 

مراتب صوم عاشوراء:

قال المباركفوري: قَالَ فِي اللٌّمَعَاتِ: مَرَّاتُ صَومِ المُحَرَّمِ ثَلَاثَةٌ: الأَفضَلُ أَن يَصُومَ يَومَ العَاشِرِ وَيَومًا قَبلَهُ وَيَومًا بَعدَهُ، وَقَد جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَحمَدَ. وَثَانِيهَا: أَن يَصُومَ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، وَثَالِثُهَا: أَن يَصُومَ العَاشِرَ فَقَط. وَقَد جَاءَ فِي التَّاسِعِ وَالعَاشِرِ أَحَادِيثُ وَلِهَذَا لَم يَجعَلُوا صَومَ العَاشِرِ وَالحَادِيَ عَشَرَ مِن المَرَاتِبِ وَإِن كَانَ مُخَالَفَةُ اليَهُودِ فِي هَذِهِ أَيضًا، وَكَذَا لَا يُجزِئُ التَّاسِعُ مِن السَّنَةِ اِنتَهَى.

قلت: المرتبة الأولى حديثها عند أحمد عن ابن عباس مَرفُوعًا: صُومُوا يَومَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا اليَهُودَ وَصُومُوا قَبلَهُ يَومًا وَبَعدَهُ يَومًا. قَالَ الشَّوكَانِيٌّ: رِوَايَةُ أَحمَدَ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ مُنكَرَةٌ مِن طَرِيقِ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ, عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ رَوَاهَا عَنهُ اِبنُ أَبِي لَيلَى، قَالَ: وَقَد أَخرَجَهُ بِمِثلِهِ البَيهَقِيٌّ وَذَكَرَهُ فِي التَّلخِيصِ وَسَكَتَ عَنهُ اِنتَهَى.

 

وفي تحفة الأحوذي: قَد كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبٌّ مُوَافَقَةَ أَهلِ الكِتَابِ فِيمَا لَم يُؤمَر فِيهِ بِشَيءٍ, وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ أَهلَ الأَوثَانِ، فَلَمَّا فُتِحَت مَكَّةَ وَاشتُهِرَ أَمرُ الإِسلَامِ أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهلِ الكِتَابِ أَيضًا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، فَهَذَا مِن ذَلِكَ، فَوَافَقَهُم أَوَّلًا وَقَالَ: " نَحنُ أَحَقٌّ بِمُوسَى مِنكُم "، ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتَهُم فَأَمَرَ بِأَن يُضَافَ إِلَيهِ يَومٌ قَبلَهُ وَيَومٌ بَعدَهُ خِلَافًا لَهُم اِنتَهَى.

قَالَ الحَافِظُ: وَعَلَى هَذَا فَصِيَامُ عَاشُورَاءَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَدنَاهَا أَن يُصَامَ وَحدَهُ وَفَوقَهُ أَن يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ وَفَوقَهُ أَن يُصَامَ التَّاسِعُ وَالحَادِيَ عَشَرَ. قلت: تقدم الكلام على ضعف حديث المرتبة الأولى والله أعلم.

صيام عاشوراء يكفر السنة التي قبله:

أخرج مسلم: عن أبي قتادة رجل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال كيف تصوم فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى عمر - رضي الله عنه - غضبه قال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فجعل عمر - رضي الله عنه - يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه فقال عمر يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله قال لا صام ولا أفطر أو قال لم يصم ولم يفطر قال كيف من يصوم يومين ويفطر يوما قال ويطيق ذلك أحد قال كيف من يصوم يوما ويفطر يوما قال ذاك صوم داود - عليه السلام - قال كيف من يصوم يوما ويفطر يومين قال وددت أني طوقت ذلك ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.

والترمذي وقال: (لا نعلم في شيء من الروايات أنه قال صيام يوم عاشوراء كفارة سنة إلا في حديث أبي قتادة وبحديث أبي قتادة يقول أحمد وإسحق). وقَالَ الحَافِظُ فِي الفَتحِ: رَوَى مُسلِمٌ مِن حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرفُوعًا " إِنَّ صَومَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً وَإِنَّ صِيَامَ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَينِ " وَظَاهِرٌ أَنَّ صِيَامَ عَرَفَةَ أَفضَلُ مِن صِيَامِ عَاشُورَاءَ، وَقَد قِيلَ فِي الحِكمَةِ في ذَلِكَ أَنَّ يَومَ عَاشُورَاءَ مَنسُوبَةٌ إِلَى مُوسَى - عليه السلام -، وَيَومَ عَرَفَةَ مَنسُوبٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلِذَلِكَ كَانَ أَفضَلَ اِنتَهَى وَاَللَّهُ - تعالى -أَعلَمُ. التحفة

والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply