سَهِرتُ و مَاليَ لا أسهرُ؟ *** ومن مُقلتيَّ جرَت أنهُرُ
وفي ناظريَّ صُدُودُ الحبيبِ *** وفي مَسمَعَيَّ شَجَىً أكبرُ
أبغدادُ واصطفّتِ الذّكرياتُ *** وريحُ العَبيرِ بدا يُنشَرُ
وطَافَت تباريحُ عهدٍ, مضى *** أكلُّ عهُودِ الهوَى تقصُرُ؟
سقى اللهُ عهدَ الهَوَى كلّما *** سما عزةً مجدك المبهـرُ
أبغدادُ كنتِ مَزارَ القلُوبِ *** وكنتِ رُبى الحَقِّ إذ تُزهِرُ
وكنتِ أغاريدَ أيامِنـا *** وكنتِ الهوَى والهوَى يأسِرُ
وتَاهَت ببَابِكِ حرفِي الحزينُ *** فما تحتويكِ هنا الأسطُرُ
أبغدادُ ذا شَاطئُ الذّكرياتِ *** وبحرٌ بلُؤلُؤِكِ يزخَرُ
سَلَبتِ من القلب تيجَانَهُ *** وإنّ الوفَاءَ له قَيصرُ
وتـَـاهَت من الشّعرِ ألحانُهُ *** وألحَانُ شعرِكِ كم تُسكِرُ
أبغدادُ أين جُيُوشُ الرّشيـدِ؟ *** وأين الأسُوُدُ ألا تزأرُ؟
وأين ابن حنبلَ يروي الحَديثَ؟ *** وأين الرَّصَافةُ لا تُذكَرُ؟
وأينَ عُيونُ المها؟ ما لها *** ببؤسٍ, تُجيبُ ولا تَسحَرُ
وأين الرّبابُ على رافِدَيك؟ *** وأينَ رِداءُ النّدَى الأخضرُ؟
أبغدادُ هذي جيُوشُ الصَّلِيبِ *** تُبينُ لِحِقدٍ, ولا تَستُرُ
وتبغي بأرضِك في كُلِّ سَاحٍ, *** فتَقتُلُ هَذَا وذَا تأسرُ
أبغدادُ يا عِزَّة المؤمنينَ *** ويا مَوطِنَ الفَخرِ إذ يُذكَرُ
نراكِ تُذيقينَهم عَلقَماً *** وعِرقُ الإبَا نازِفٌ أحمرُ
تزُفِّينَ من فَلَذَاتِ الكُبُودِ *** لِيُمحَى زمَانُ الرّدى الأغبَرُ
ويُسرَجُ نحوَ طَريقِ الصٌّمُودِ *** أصِيلُ الخُطَى سَابِحٌ أشقَرُ
فنشهدُ أنوارَ فجرٍ, قريبٍ, *** يَمنٌّ به القَاهرُ الأَكبَرُ