المنكرات أسباب العقوبات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ملخص الخطبة:

1- الاعتبار بالآيات الكونية. 2- الحكمة من الكوارث الكونية. 3- ما يقوله المغفلون عن الكوارث الكونية. 4- الله - جل جلاله - عزيز ذو انتقام. 5- المعاصي والمنكرات سبب العذاب والعقوبات. 6- دعوة إلى التوبة. 7- التذكير بالموت. 8- العذاب إذا حلّ عمّ. 9- الاستمرار في الدعوة.

 

الخطبة الأولى:

أيها الناس:

إن في المشاهدة والمعاينة لعبرة لمعتبرين، وذكرى للذاكرين، إن مشاهدة ومعاينة آيات الله الكونية العظيمة المخيفة لتغني عن وعظ الواعظين، وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناصح.

إن هذه الآيات الكونية العظيمة المهيلة رسول من رب العالمين، يحذّر الناس من غضب الله - تعالى-، وينذرهم بسخطه، إنها تنبيء بغضب الرب، وتنادي بسخطه - نسأل الله السلامة والعافية -.

إن هذه الزلازل المخيفة التي تصيب بلادنا وديارنا من حين لآخر في هذه السنوات الأخيرة لتدعو كل مؤمن صادق في إيمانه أن يقف وقفة طويلة يحاسب فيها نفسه، ويراجع فيها أعماله، ويدقق فيها النظر فيما بينه وبين الله - تعالى-، وفي الذين بينه وبين عباد الله - تعالى-.

ولا تحسبوا - يا عباد الله - أن هذه الفتن والزلازل، وهذه البلابل والقلاقل، لا تحسبوا أنها تقع سدى، ولا تظنوا أنها ظواهر طبيعية عاديّة كما يقوله المغفّلون المغرورون المخدوعون الذين لُبّس عليهم بظاهر من العلوم وهم عن الآخرة غافلون، الذين أمنوا مكر الله، وزعموا رضاه، ألم يسمعوا إلى قول الجبّار - عز وجل -: (( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ))، أولم يسمعوا إلى قوله سبحانه: (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير )).

فلأؤلئك الذين لُبّس عليهم وغرّر بهم نقول: اتقوا الله - تعالى- حق التقوى، اتقوا الله وأسلموا له، ولا تنصبوا العداء والحرب بينكم وبين الله - عز وجل - فإن الله سبحانه عزيز ذو انتقام.

إنه - سبحانه - قوي عزيز.

إنه - سبحانه - فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.

إنه - سبحانه - شديد المحال.

إنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.

إنه هو الرزاق ذو القوة المتين.

إنه - سبحانه وتعالى -: (( أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشّى فبأي آلاء ربك تتمارى )).

هذا هو ربكم وإلهكم الذي تريدون أن تناصبوه العداء، وهو - سبحانه - أرحم بكم من الأم بولدها، فكم من حكمة منه لم تعها قلوبكم؟ وكم من موعظة منه عميت عنها أعينكم وصمّت آذانكم؟ وكم من نعمة منه لم تشكرها ألسنتكم ولا أفئدتكم؟ ألا فاعلموا أن الله لن يؤخّر عنكم العقوبة والعذاب، وقد عجِلتم إليه بالذنوب والمعاصي، أم تظنّون أن لكم براءةً في الزبر.

كيف يرضى الله على قوم جاهروا بالسوء والفجور، وتفاخروا بشرب المسكرات والخمور، وتنافسوا في التبرّج والسفور، والصادق المصدوق يقول: (إن أمتي يشربون الخمر في آخر الزمان يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف).

كيف يرضى الله على قوم تركوا سنّة نبيه، وسنة أمهات المؤمنين، واتبعوا سنن أعداء الدين من اليهود والنصارى والمشركين، اتبعوها ذراعاً بذراع، وشبراً بشبر، وحذو القذة بالقذة، حتى وجد في شباب المسلمين اليوم من يوفّر لحيته على صورة معيّنة لا لأمر إلا لأن فلاناً من المغنين أو الممثلين أو اللاعبين ممن لا خلاق لهم في الآخرة وفّرها على ذلك الشكل، فيا للهوان ويا للانهزام.

كيف يرضى الله على قوم إذا ذكرت الخرافات البالية قالوا: هذه ثقافة شعبنا، وإذا ذكرت العادات الفاسدة قالوا: هذه تقاليد مجتمعنا، وإذا ذكرت الأفكار الوافدة قالوا: هذه تحضّر وتقدّم أسيادنا، يعظمون التقاليد وإن كانت شركاً، والعادات وإن كانت فسقاً، وما عليه الكفار وإن كان جهلاً وسخفاً.

وأما إذا تعلّق الأمر بالشعائر الدينية الشرعية، والسنن النبوية السنيةº سلّوا سيوف الجدال واللجاج، وأطلقوا الألسنة الحداد، فقالوا: دعونا من التشدد والتنطح، وذرونا نساير ركب التقدّم والتحضّر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، اتقوا الله وتوبوا إليه، أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون.

شباب الإسلام: ارجعوا إلى ربكم، واعتصموا بحبله المتين، وتوبوا إليه توبة نصوحاً، فإن أبواب التوبة مفتوحة، وإن الله يفرح بتوبة عبده وعودته إلى طاعته، خاطبوا عقولكم، انظروا في أمركم، تفكروا في مآلكم، فكمن من شباب مات وهو طري؟ وكم من شاب باغته الموت في شبابه، فذهب إلى ربه بلا زاد ولا متاع، أسأل الله لي ولكم العافية.

فاعتبروا يا أولي الأبصار، اعتبروا يا أولي الألباب، ومن لم يتّعظ بالموت فلا واعظ له، واعلموا أن الدنيا دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دار جزاء وبقاء، وأن الله - تعالى- لن يجمع لعبد أمنين ولا خوفين، فمن خافه في الدنيا أمّنه في الآخرة، ومن أمنه في الدنيا أخافه في الآخرة - نسأل الله تعالى الأمن التام والهداية -.

عباد الله: ارجعوا إلى دينكم، تعرّفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، اصدقوا الله يصدقكم، واذكروه يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأدّوا إليه حقّه يوفّيكم حقكم فإن الله أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأجود الأجودين.

ألم تسمعوا إلى قول الله - تعالى-: (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون))، أو لم تسمعوا إلى خبر الله - عز وجل -: (( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرّف الآيات لقوم يشكرون )) ومن أصدق من الله حديثاً.

واعلموا يا عباد الله: أن عذاب الله إذا حلّ بقوم عمّهم  فهو لا يصيب ناساً دون آخرين، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم).

وسألته عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا ظهر الخبث).

فيا أيها الآباء، ويا أيتها الأمهات، ويا من له سلطان على غيره: مروا أبناءكم وبناتكم، وإخوانكم وأخواتكم، وأصدقائكم وصديقاتكم، مروهم بطاعة الله، وانهوهم عن معصيته، مروهم بالصلاة، لا أقول: مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وإنما أقول: مروهم بالصلاة فقد آن الأوان.

أما أنتم أيها الدعاة إلى اللهº أيها الشباب الملتزم بدين الله، أيها المرشدون، أيها المصلحون، أيها المربّونº لا تقنطوا من رحمة الله، لا يحملنكم انتشار الفساد على ترك الدعوة والنصح والإصلاح، ادعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تيأسوا، وأحسنوا الظن بالله، فإنه ناصر دينه ولو كره المشركون، اجتهدوا في جبر ما انكسر، وتقويه ما ضعف، وإصلاح ما فسد من عقائد الناس وعباداتهم وأخلاقهم وعاداتهم، فإن ذلك من أحسن الأقوال وأفضل الأعمال، (( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply