بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأيام والليالي والشهور والساعات جعلها الله للناس منها ما هو فاضل جاءت النصوص بتأكيده ومنها ما صنعه البشر وخصوه بفضائل لا تثبت له واعتاد بعض المسلمين في الأزمنة المتأخرة في أنحاء من العالم الإسلامي وغيره أن يقيموا احتفالات دينية تخليداً لليلة الإسراء والمعراج, ودرجت عدد من الإذاعات والفضائيات على نقل تلك الاحتفالات نقلاً مباشراً، حتى ظن الناس مشروعيتها، للوقوف على ما يحدث في هذا الشهر وما جاء في أيامه ولياليه نسلط الضوء بصحبة عدد من أهل العلم وطلابه.
بداية هل صحيح أن شهر رجب يفرد بعبادة معينة أو بخصوصية وهل يُفردُ أيضاً بزيارة المسجد النبوي فيه؟
أجاب الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء بقوله شهر رجب كغيره من الشهور، لا يخصص بعبادة دون غيره من الشهور لأنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تخصيصه لا بصلاة ولا صيام ولا بعمرة ولا بذبيحة ولا غير ذلك، وإنما كانت هذه الأمور تفعل في الجاهليَّة فأبطلها الإسلام فشهر رجب كغيره من الشهور، لم يثبت فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تخصيصه بشيء من العبادات فمن أحدث فيه عبادة من العبادات وخصه بها فإنه يكون مبتدعاً لأنه أحدث في الدين ما ليس منه، والعبادات توقيفية لا يقدم على شيء منها إلا إذا كان له دليل من الكتاب والسنة، ولم يرد في شهر رجب بخصوصيته دليل يُعتمد عليه، وكل ما ورد فيه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل كان الصحابة -رضوان الله عليهم- ينهون عن ذلك ويُحذَّرون من صيام شيء من رجب خاصة. أما الإنسان الذي له صلاة مستمر عليها، وله صيام مستمر عليه فهذا لا مانع من استمراره في رجب كغيره، ويدخل تبعاً.
من جانبه قال فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد أن شهر رجب شهرٌ محرم، الذنب فيه أضعاف، وأكثر وأسوأ من الذنب في غيره من الأشهر غير الحرم، ولا شك أن الذنوب تعظم في الأزمنة الفاضلة والأمكنة الفاضلة، والناس عددٌ منهم بدلاً من أن يمسكوا عن ظلم أنفسهم في رجب، فإنهم يظلمون أنفسهم بأشد أنواع الظلم، أو من أشدها وهي البدعة التي هي أشد ذنبٍ, بعد الشرك بالله، فيحولون شهر رجب إلى شهر بدعة.
عبادات الناس في رجب:
ويعدد الشيخ المنجد ما يفعله الناس في رجب فيقول يجعلون فيه صلاة الرغائب التي هي أول ليلة جمعة من شهر رجب، فيصلونها على كيفيةٍ, معينة وهي بدعةٌ عند العلماء، ويجعلونه صياماً، والإكثار من الصيام إنما يكون في شعبان والمحرم، والشهر الوحيد الذي يصام كله هو رمضان، ويعتقدون أن عمرة رجب أفضل من غيرها، والمفروض أن الإنسان يعتمر في أي وقتٍ, يتيسر له، والعمرة في رمضان تعدل حجة، فاعتمر في رجب أو في غير رجب دون اعتقادٍ, لفضلٍ, معين، وقد اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أربع مرات كلهن في ذي القعدة، وبذلك جزمت عائشة وسكت ابن عمر، ويحتفلون ببدعة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين منه علماً بأن الإسراء والمعراج لم يثبت أصلاً أنه في السابع والعشرين من رجب فضلاً عن الاحتفال به. ولذلك قال شيخ الإسلام -رحمه الله- مقعداً هذه القاعدة العظيمة: الزمان ثلاثة أنواع:
أولاً: يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً، ولم يكن له ذكرٌ في السلف، ولم تحدث فيه حادثة معينة. فتعظيمه وتخصيصه بعبادة أو زينة أو احتفال بدعةٌ شنيعة، كأول خميس من رجب ليلة الجمعة التي يصلون فيها صلاةً يسمونها صلاة الرغائب، ويومٌ في وسط رجب فيه صلاة يزعمون أنها صلاة أم داود، وكل ذلك بدعةٌ منكرة، وتخصيص بعض الأيام بصيام وليلها بقيام من بين سائر الليالي والأيام لا يكون ذلك، فينبغي أن يصام منه كأي شهرٍ, آخر، مثل أيام البيض والاثنين والخميس، أو صيام يوم وإفطار يوم ونحو ذلك.
ثانياً: ما جرت فيه حادثة معينة لم تجر في غيره، ولكن هذا الجريان لهذه الحادثة لا يوجب أن تجعل موسماً، ولا تجعل عيداً ولا تُعظم، كخطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في غدير خم، أو المولد، فيوم المولد حدث فيه حدثٌ معين، وهو ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن لا اليوم ولا الحدث يوجب أن نحتفل به أو نخصصه بعبادةٍ, معينة من بين سائر أيام العام، وقد حدث للنبي -صلى الله عليه وسلم- خطبٌ وعهودٌ ووقائع ومعارك في أيام كثيرة لم يحتفل بها الصحابة، ولم يخصصوها بعبادةٍ, معينة.
ثالثاً: ما هو معظمٌ في الشريعة، كيوم عاشوراء، ويوم عرفة، والعشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وليلة الجمعة ويومها، والعشر الأُول من محرم، ونحو ذلك، فهذه يقتصر فيها على ما فعله السلف، ولا يحدث فيه أشياء جديدة، وإنما يقتصر على ما ورد عن السلف من الاجتهاد فيها بالعبادة، كالقيام، الصيام، فيما ورد فيه ذلك، والحمد لله. وهكذا تكونون أمةً وسطاً، لا إفراط ولا تفريط ولا غلو، وإنما العبادة وفق ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه و السلف من بعدهم.
وقفة مع الإسراء والمعراج:
ثم تناول فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع ليلة الإسراء والمعراج ويقول إنها من أعظم البدع انتشاراً في هذا الشهر مؤكداً أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلو منزلته عند ربه -جل وعلا-، وفيه دلالة على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه -سبحانه- على جميع خلقه، قال الله -تعالى-: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} الإسراء:1.
ويضيف الشايع أنه وقع لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في تلك الليلة من الأمور الجليلة والمعجزات العظيمة شيء كثير، مثل شق صدره -عليه الصلاة والسلام- وغسل جوفه تهيئة للرحلة في الملكوت الأعلى، ثم الإسراء به إلى المسجد الأقصى وهكذا العروج للسماء في زمن محدود، وصلاته بالأنبياء والمرسلين في بيت المقدس، ثم صعوده إلى السماوات العلى ولقائه المرسلين فيها، ثم مجاوزته السماء السابعة إلى موضع لم يبلغه أحد من الخلق، وفرض الصلوات الخمس ورؤيته الجنة، وغير ذلك مما صحت به الأحاديث، وقد أورد الحافظ ابن كثير طائفة طيبةً منها في فاتحة تفسير سورة الإسراء فلتراجع.
فالإسراء والمعراج من معجزات نبينا -صلى الله عليه وسلم- الدالة على علو منزلته وعظيم شرفه.
ومما اعتاده بعض المسلمين في الأزمنة المتأخرة في أنحاء من العالم الإسلامي وغيره أن يقيموا احتفالات دينية تخليداً لهذه المناسبة وحفاوةً بها وبنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هذا الاحتفال عندهم مؤقت بشهر رجب في 27منه. وقد درج عدد من الإذاعات والفضائيات على نقل تلك الاحتفالات نقلاً مباشراً، حتى ظن الناس مشروعيتها، مما يستلزم توضيح حقيقة ذلك.
فعند النظر في هذا: يدرك أهل العلم أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يحتفل بها، ولا صحابته ولا التابعون لهم بإحسان، ولكن جاء أقوام بعد انقضاء القرون المفضلة فأقاموا تلك الاحتفالات وتعلقوا بها، وهم بهذا بين أحد أمرين: إما أن يقولوا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم هذا الخير ولم يفعله، فعلموه هم وسبقوا إليه، وأما أن يقولوا: أن هذا الاحتفال الديني هو من صنع أناس، إذا أحسنا بهم الظن، أرادوا الخير والقربى إلى الله –تعالى-.
أما الأول فحاشاه -صلى الله عليه وسلم- أن يتأخر عن الخير، فليس ثم إلا الثاني، وحينئذ يتوجه إليهم قول الله -تعالى-: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} - ويتوجه إليهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) -متفق عليه-.
ولهذا أنكر العلماء هذه الاحتفالات وعدوها نوعاً من الابتداع في الدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد