كل مونديال و أنتم بخير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الإنسان لا يستغرب كثيراً عندما يتذكر إن اغتيال ولي عهد النمسا في سراييفو كان سبباً في نشوب الحرب الكونية الأولى.. و قد يتعجب كثيراً حين يؤدي حادث تفجير طائرة أو مبنى في مكان ما لتقلبات اقتصادية عالمية، من قبيل ارتفاع تذاكر الطيران بسبب ارتفاع تكاليف التأمين.. و لكنك تستغرب كثيراً حينما تسمع إن مباريات كأس العالم يمكن ستؤثر على الانتخابات البرلمانية!!..

و قد تقل درجة الاستغراب إذا كان هذا الحدث في ألمانيا الدولة المضيفة لمونديال هذا العام.. و لكن أن يكون هذا الأمر في دولة عربية خليجية، لا يشارك فريقها حتى في التصفيات!.. فإن هذا هو الجنون نفسه!!.

(مرشحو مجلس الأمة في حيرة.. حمى كأس العالم تجتاح الكويت وتلقي بظلالها على الحملات الانتخابية) هذا خبر حمله أحد المواقع الخبرية على شبكة الانترنت!!.. و يبرر الموقع حيرة للمرشحين المحترمين بأن: موعد انتخابات مجلس الأمة الكويتي التي تبدأ في 29 يونيو الجاري تتزامن مع مبرايات كأس العالم التي ستجري في الفترة من 9يونيو الجاري حتى 9 يوليو المقبل!. حيث أنه سيكون من الصعب على أي مرشح أن يغامر بافتتاح مقره الانتخابي أو أقامة ندوة هامة له في يوم تقام فيه مباراة للبرازيل المرشح الأبرز للفوز بالبطولة أو المانيا الدولة المستضيفة لأنه بذلك يضع نفسه في منافسة غير محسومة النتائج. و عليه يقدم الموقع نصيحته لكل المرشحين بضرورة قراءة برنامج مباريات كأس العالم ومن ثم تحديد الأيام الأنسب لندواتهم بناء على هذا البرنامج.

و الحقيقة المؤسفة أن ما يقدمه هذا الموقع من نصيحة للمرشحين ليس بعيداً عن الواقع، بل هو عين ما سيحدث إذا حاول أحد هؤلاء النواب أن يتحلى بالعقل و الموضوعية أكثر من اللازم و يتصور أن الجماهير على درجة من الوعي بحيث لا يلهيها هذا (لعب) الكرة عن مصيرها السياسي.. و عليه أن يتحمل وحده نتائج عدم واقعيته..

إن ما يجري في العالم كل حان موعد مونديال جديد هو عبارة عن هوس مرضي مريع، و لست أكون مبالغاً إذا سمعنا عن عطلات لكأس العالم تقرها برلمانات العالم العربي لتسمح لتتيح الفرصة للجمهور الكروي بمتابعة هذا (الحدث الأهم) في العام.. تتراجع كل قضايا الأمة و جراحاتها أمام قفزات الكرة الذهبية في المونديال الذي غالباً ما يكون نصيبنا منه هو حظ النظارة من التصفيق و الصياح.. و ستكون فرصة لغالب الناس في عالمنا المنكوب ليريحوا أعصابهم من مشاهد الدماء المتدفقة، و السيارات المتفجرة و الجثث المتفحمة، و القنابل التي تهتك جدر البيوت في هدءة الليل، تلك التي تنقلها الشاشات البلورية كل يوم من بغداد أو القدس أو كابول و مقديشو، أو أرتال الجنود البيض التي تتدفق كل يوم إلى بقعة جديدة من عالمنا الإسلامي: بدءأ بأفغانستان فالعراق فالسودان و القائمة تتأتي..

و الغريب في الأمر أنك حين تنظر إلى توحد هذه الأمة و التهاب مشاعرها و تقوم و تنهض تحب أن القدس قد فتحت، أو أن راية المارينز قد سقطتت، فإذا بها تقوم وتقعد و تهيج و تصرخ من أجل رمية نارية اهتزت لها شباك المرمى.. رغم أن الرامي قد يكون واحداً من أبناء أمة دفعت بعساكرها لتجتاح ديارنا!!.. الكثيرون قبل بداية المونديال بدؤا في تحديد ولاءاتهم الكروية، فهذا يشجع البرازيل، و ذلك يشجع ألمانيا، و آخر يشجع انجلترا، و نادراً ما يكون أحدهم معنياً بتشجيع السعودية أو المغرب أو واحدة من المنتخبات التي خرجت من العالم الإسلامي، ليعصف في التصفيات الأولى..

كأس العالم أصبح موسماً للكسب التجاري، ليس في ألمانيا التي تزينت أرضها و ملاهييها و مطاعمها لاستقبال القادمين من كل العالم، و نقل المباريات لهم و هم يتناولون أشهى الوجبات، بل حتى في العالم الإسلامي، حتى في بلادنا البائسة التي لا أحسبها تحلم في المستقبل القريب بالتفكير في ولوج هذه القمة.. ففي هذه الأيام يتسابق الصبية إلى بيع الأوراق التي تحمل جداول مباريات كأس العالم، و يقبل الناس بنهم على شرائها، مؤسسات الدولة نفسها دخلت في هذا السباق المحموم، فقد أعلن التلفزيون القومي أنه الوكيل الحصري لأندية المشاهدة لكأس العالم هذا العام.. و هذه تقليعة جديدة أن تقام أندية مشاهدة لمتابعة مباريات كأس العالم يقوم الراغبون بإدارة مثل هذه الأنشطة المربحة بالتسجيل و طلب الخدمة من التلفزيون دفع الرسوم المقررة ليتم منحهم التصديق، و إلا عرضوا أنفسهم لمحاكم و مساءلة قانونية لا قبل لهم بتوابعها..

إن الفتيان في بلادنا يحفظون أسماء لاعبي الكرة الغربيين أكثر ما يحفظون أسماء سور القرآن.. أو حتى أسماء الله الحسنى.. أنت نفسك يا من تحسب نفسك أرفع درجة من الخوض في هذه التفاهات.. ستجد رأسك محشوة بالقسر و الإكراه بأسماء هؤلاء اللعيبة، و فرقهم، و نتائج المباريات...الخ فما من مجمع تحل فيه إلا و يدور النقاش فيه حول المباريات، و ستجد من دائماً يتطوع مجاناً لتثقيفك كروياً علّه ينال الأجر و الثواب.. و كل مونديال و أنتم بخير.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply