نهج البردة ( 2 )

7.1k
6 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

حتى بلغتَ سماءً لايُطارُ لها *** على جَناحٍ,، ولا يُسعَى على قَدمِ

وقيل: كلٌّ نبيٍّ, عند رتبتِه *** ويا محمدُ، هذا العرشُ فاستلمِ

خطَطت للدين والدنيا علومَهما *** يا قارئَ اللوح، بل يا لامِسَ القَلمِ

أَحطتَ بينهما بالسرِّ، وانكشفت *** لك الخزائنُ من عِلم، ومن حِكمِ

وضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ من مِنَنٍ, *** بلا عِدادٍ,، وما طُوِّقتَ من نِعمِ

سل عصبةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ, سائمةً *** لولا مطاردةُ المختار لم تُسمِ

هل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ، أَم سمِعوا *** همسَ التسابيحِ والقرآن من أَمَمِ?

وهل تمثّل نسجُ العنكبوتِ لهم *** كالغابِ، والحائماتُ الزٌّغبُ كالرخمِ?

فأَدبروا، ووجوهُ الأَرضِ تلعنُهم *** كباطلٍ, من جلالِ الحق منهزِمِ

لولا يدُ اللهِ بالجارَينِ ما سلِما *** وعينُه حولَ ركنِ الدين; لم يقمِ

توارَيا بجَناح اللهِ، واستترَا *** ومن يضُمٌّ جناحُ الله لا يُضَمِ

يا أَحمدَ الخيرِ، لي جاهٌ بتسمِيَتي *** وكيف لا يتسامى بالرسولِ سمِي?

المادحون وأَربابُ الهوى تَبَعٌ *** لصاحبِ البُردةِ الفيحاءِ ذي القَدَمِ

مديحُه فيك حبُّ خالصٌ وهوًى *** وصادقُ الحبِّ يُملي صادقَ الكلمِ

الله يشهدُ أَني لا أُعارضُه *** من ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ?

وإِنَّما أَنا بعض الغابطين، ومَن *** يغبِط وليَّك لا يُذمَم، ولا يُلَمِ

هذا مقامٌ من الرحمنِ مُقتَبسٌ *** تَرمي مَهابتُه سَحبانَ بالبَكمِ

البدرُ دونكَ في حُسنٍ, وفي شَرفٍ, *** والبحرُ دونك في خيرٍ, وفي كرمِ

شُمٌّ الجبالِ إِذا طاولتَها انخفضت *** والأَنجُمُ الزٌّهرُ ما واسمتَها تسِمِ

والليثُ دونك بأسًا عند وثبتِه *** إِذا مشيتَ إِلى شاكي السلاح كَمِي

تهفو إِليكَ - وإِن أَدميتَ حبَّتَها *** في الحربِ - أَفئدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ

محبةُ اللهِ أَلقاها، وهيبتُه *** على ابن آمنةٍ, في كلِّ مُصطَدَمِ

كأَن وجهَك تحت النَّقع بدرُ دُجًى *** يضيءُ مُلتَثِمًا، أَو غيرَ مُلتثِمِ

بدرٌ تطلَّعَ في بدرٍ,، فغُرَّتُه *** كغُرَّةِ النصر، تجلو داجيَ الظلَمِ

ذُكِرت باليُتم في القرآن تكرمةً *** وقيمةُ اللؤلؤ المكنونِ في اليُتمِ

اللهُ قسّمَ بين الناسِ رزقَهُمُ *** وأَنت خُيِّرتَ في الأَرزاق والقِسمِ

إِن قلتَ في الأَمرِ: "لا"، أَو قلتَ فيه: "نعم" *** فخيرَةُ اللهِ في "لا" منك أَو "نعمِ"

أَخوك عيسى دَعَا ميتًا، فقام لهُ *** وأَنت أَحييتَ أَجيالاً مِن الرِّممِ

والجهل موتٌ، فإِن أُوتيتَ مُعجِزةً *** فابعث من الجهل، أَو فابعث من الرَّجَمِ

قالوا: غَزَوتَ، ورسلُ اللهِ ما بُعثوا *** لقتل نفس، ولا جاءُوا لسفكِ دمِ

جهلٌ، وتضليلُ أَحلامٍ,، وسفسطةٌ *** فتحتَ بالسيفِ بعد الفتح بالقلمِ

لما أَتى لكَ عفوًا كلٌّ ذي حَسَبٍ, *** تكفَّلَ السيفُ بالجهالِ والعَمَمِ

والشرٌّ إِن تَلقَهُ بالخيرِ ضِقتَ به *** ذَرعًا، وإِن تَلقَهُ بالشرِّ يَنحسِمِ

سَل المسيحيّةَ الغراءَ: كم شرِبت *** بالصّاب من شَهوات الظالم الغَلِمِ

طريدةُ الشركِ، يؤذيها، ويوسعُها *** في كلِّ حينٍ, قتالاً ساطعَ الحَدَمِ

لولا حُماةٌ لها هبٌّوا لنصرَتِها *** بالسيف; ما انتفعت بالرفق والرٌّحَمِ

لولا مكانٌ لعيسى عند مُرسِلهِ *** وحُرمَةٌ وجبت للروح في القِدَمِ

لَسُمِّرَ البدَنُ الطٌّهرُ الشريفُ على *** لَوحَين، لم يخشَ مؤذيه، ولم يَجمِِ

جلَّ المسيحُ، وذاقَ الصَّلبَ شانِئهُ *** إِن العقابَ بقدرِ الذنبِ والجُرُمِ

أَخُو النبي، وروحُ اللهِ في نُزُل *** فُوقَ السماءِ ودون العرشِ مُحترَمِ

علَّمتَهم كلَّ شيءٍ, يجهلون به *** حتى القتالَ وما فيه من الذِّمَمِ

دعوتَهم لِجِهَادٍ, فيه سؤددُهُم *** والحربُ أُسٌّ نظامِ الكونِ والأُممِ

لولاه لم نر للدولاتِ في زمن *** ما طالَ من عمد، أَو قَرَّ من دُهُمِ

تلك الشواهِدُ تَترَى كلَّ آونةٍ, *** في الأَعصُر الغُرِّ، لا في الأَعصُر الدٌّهُمِ

بالأَمس مالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ *** لولا القذائفُ لم تثلَم، ولم تصمِ

أَشياعُ عيسى أَعَدٌّوا كلَّ قاصمةٍ, *** ولم نُعِدّ سِوى حالاتِ مُنقصِمِ

مهما دُعِيتَ إِلى الهيجَاءِ قُمتَ لها *** ترمي بأُسدٍ,، ويرمي اللهُ بالرٌّجُمِ

على لِوَائِكَ منهم كلٌّ مُنتقِمٍ, *** لله، مُستقتِلٍ, في اللهِ، مُعتزِمِ

مُسبِّح للقاءِ اللهِ، مُضطرِمٍ, *** شوقاً، على سابحٍ, كالبرقِ مضطرِمِ

لو صادفَ الدَّهرَ يَبغِي نقلةً، *** فرمى بعزمِهِ في رحالِ الدهرِ لم يَرِمِ

بيضٌ، مَفاليلُ من فعلِ الحروبِ بهم *** من أَسيُفِ اللهِ، لا الهندِية الخُذُمِ

كم في الترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ, *** من ماتَ بالعهدِ، أَو من مات بالقسَمِ

لولا مواهبُ في بعضِ الأَنام لما *** تفاوت الناسُ في الأَقدار والقِيَمِ

شريعةٌ لك فجرت العقولَ بها *** عن زاخِرٍ, بصنوفِ العلم ملتطِمِ

يلوحُ حولَ سنا التوحيدِ جوهرُها *** كالحلي للسيف أَو كالوشي للعَلمِ

غرّاءُ، حامت عليها أَنفسٌ، ونُهًى *** ومن يَجد سَلسَلاً من حكمةٍ, يَحُمِ

نورُ السبيل يساس العالَمون بها *** تكفَّلت بشباب الدهرِ والهَرَمِ

يجري الزمّانُ وأَحكامُ الزمانِ على *** حُكم لها، نافِذٍ, في الخلق، مُرتَسِمِ

لمَّا اعتلَت دولةُ الإِسلامِ واتسَعت *** مشت ممالِكُهُ في نورِها التَّممِ

وعلَّمت أُمةً بالقفر نازلةً *** رعيَ القياصرِ بعد الشَّاءِ والنَّعَمِ

كم شَيَّد المصلِحُون العاملون بها *** في الشرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ

للعِلم، والعدلِ، والتمدينِ ما عزموا *** من الأُمور، وما شدٌّوا من الحُزُمِ

سرعان ما فتحوا الدنيا لِملَّتِهم *** وأَنهلوا الناسَ من سَلسالها الشَّبِمِ

ساروا عليها هُداةَ الناس، فَهي بهم *** إِلى الفلاحِ طريقٌ واضحُ العَظَمِ

لا يهدِمُ الدَّهرُ رُكنًا شاد عدلُهُمُ *** وحائط البغي إِن تلمسهُ ينهدِمِ

نالوا السعادةَ في الدَّارين، واجتمعوا *** على عميم من الرضوان مقتسمِ

دع عنك روما، وآثِينا، وما حَوَتا *** كلٌّ اليواقيت في بغدادَ والتٌّوَمِ

وخلِّ كِسرى، وإِيوانًا يدِلٌّ به *** هوى على أَثَرِ النيران والأيُمِ

واترُك رعمسيسَ، إِن الملكَ مَظهرهُ *** في نهضة العدل، لا في نهضة الهرَمِ

دارُ الشرائع روما كلّما ذُكرَت *** دارُ السلام لها أَلقت يدَ السَّلَمِ

ما ضارَعَتها بيانًا عند مُلتَأَم *** ولا حَكَتها قضاءً عند مُختصَمِ

ولا احتوت في طِرازٍ, مِن قياصِرها *** على رشيدٍ,، ومأمونٍ,، ومُعتصِمِ

من الذين إِذا سارت كتائبُهم *** تصرّفوا بحدود الأَرض والتخُمِ

ويجلسونَ إِلى علمٍ, ومَعرفةٍ, *** فلا يُدانَون في عقل ولا فَهَمِ

يُطأطئُ العلماءُ الهامَ إِن نَبَسُوا *** من هيبةِ العلم، لا من هيبة الحُكُمِ

ويُمطِرون، فما بالأَرضِ من مَحَلٍ, *** ولا بمن بات فوق الأَرضِ من عُدُمِ

خلائفُ الله جلٌّوا عن موازنةٍ, *** فلا تقيسنّ أَملاكَ الورى بهمِ

مَن في البرية كالفاروق مَعدَلَةً? *** وكابن عبد العزيز الخاشعِ الحشمِ?

وكالإِمام إِذا ما فَضَّ مزدحمًا *** بمدمع في مآقي القوم مزدحمِ

الزاخر العذب في علم وفي أَدبٍ, *** والناصر النَّدب في حرب وفي سلمِ?

أَو كابن عفّانَ والقرآنُ في يدِهِ *** يحنو عليه كما تحنو على الفُطُمِ

ويجمع الآي ترتيبًا وينظمُها *** عقدًا بجيد الليالي غير منفصِمِ?

جُرحان في كبدِ الإِسلام ما التأَما *** جُرحُ الشهيد، وجرحٌ بالكتاب دمي

وما بلاءُ أَبي بكر بمتَّهم *** بعد الجلائل في الأَفعال والخِدمِ

بالحزم والعزم حاطَ الدين في محنٍ, *** أَضلَّت الحلم من كهلٍ, ومحتلمِ

وحِدنَ بالراشد الفاروق عن رشدٍ, *** في الموت، وهو يقينٌ غير منبَهمِ

يجادِلُ القومَ مُستَلاًّ مهنَّدَه *** في أَعظم الرسلِ قدرًا، كيف لم يدمِ?

لا تعذلوه إِذا طاف الذهولُ به *** مات الحبيبُ، فضلَّ الصَّبٌّ عن رَغَمِ

يا ربِّ صَلِّ وسلِّم ما أَردتَ على *** نزيل عرشِك خيرِ الرسل كلِّهمِ

مُحيي الليالي صلاةً، لا يقطِّعُها *** إِلاَّ بدمع من الإِشفاق مُنسجمِ

مسبِّحًا لك جُنحَ الليل، محتملاً *** ضُرًّا من السٌّهد، أَو ضُرًّا من الورَمِ

رضيَّة نفسُه، لا تشتكي سأمًا *** وما مع الحبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ

وصلِّ ربِّي على آلٍ, لهُ نُخَبٍ, *** جعلتَ فيهم لواءَ البيتِ والحرمِ

بيضُ الوجوه، ووجهُ الدهر ذو حَلَكٍ, *** شُمٌّ الأُنوف، وأَنفُ الحادثات حمي

وأَهد خيرَ صلاةٍ, منك أَربعةً *** في الصحب، صُحبتُهم مَرعيَّةُ الحُرَمِ

الراكبين إِذا نادى النبيٌّ بهم *** ما هال من جَلَلٍ,، واشتد من عَمَمِ

الصابرين ونفسُ الأَرض واجفةٌ *** الضاحكين إِلى الأَخطار والقُحَمِ

يا ربِّ، هبت شعوبٌ من منيّتها *** واستيقظت أُمَمٌ من رقدة العدمِ

سعدٌ، ونحسٌ، ومُلكٌ أَنت مالِكه *** تُديلُ مِن نِعَم فيه، ومِن نِقَمِ

رأَى قضاؤك فينا رأيَ حكمتِه *** أَكرِم بوجهك من قاضٍ, ومنتقمِ

فالطُف لأَجلِ رسولِ العالمين بنا *** ولا تزد قومَه خسفًا، ولا تُسمِ

يا ربِّ، أَحسنت بَدءَ المسلمين به *** فتمِّم الفضلَ، وامنح حُسنَ مُختَتَمِ


أضف تعليق