صرخة في طريق المجد

10.8k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

جُرحٌ مضى وهناكَ جُرحٌ بادي *** ومصائبٌ جلت عن التّعدادِ

في كلّ ناحية وكل ثَنيّةٍ, *** جُرحٌ يَصيحُ بأمتي ويُنادي

حتى متى فرعَونُ يقهرُ عزتي *** وإلى متى هَامَانُ ينهبُ زادي؟

وإلى متى سيظلّ يُقلقُ راحتى *** كسرى، وقيصرُ يسترقّ بلادي؟

ما في الممالك والمدائن سالمٌ *** من سوط جبار وصولة عَادي

كم تَستَغيثُ وتستجيرُ وما ترى *** إلا جماداً، أو شبيه جَمَادِ!

****

أبناءُ جلدتنا وفي نظراتهم *** حقدُ الصليب وخسّةُ الموسادِ

فتحوا لأهل الشّرّ كلَ مُغَلّقٍ, *** وغَدَوا لأهل الخير بالمرصادِ

نصبوا العداءَ فليسَ يُغلقُ منبرٌ *** إلا ويُفتَحُ للفساد نوادي

والكفر يرتَعُ في الممالك آمناً *** وشريعة الرحمن في الأصفَادِ

وأئمةُ الإصلاح في أوطاننا *** ملؤا السّجُونَ بتهمة الإفسادِ

والقُدسُ مثخنةً تئنّ وفي رُبى *** مدريدَ مدوا للسلام أيَادي

في ما مضى كنا نراهُ خيانةً *** واليومَ نركُضُ خلفَهُ ونُنادي

بالأمس طارقُ جَاءَهَا مُتوشحاً *** سيفاً ليرفعَ رايةَ الأمجادِ

ماذا يظنّ ويُرتَجَى من معشَرٍ, *** خانوا كتائبَ طارق بن زيادِ

رباهُ جئتُكَ لا لغيركَ طالباً *** ولغير بابكَ ما أنختُ جَوَادي

****

ألمي يطول فَأمّتي في حيرةٍ, *** من فُرقَة العُلماء والعُبّادِ

الحقّ بينَ تَخَاصم وتَقَهقُر *** والكُفر بينَ تضافرٍ, وتمادي

زُرعَ الخلافُ بأرضها حتى غدَت *** مزَقاً من الأضغان والأحقادِ

تغزى فتُهرَعُ ويحَ عُمري للعدا *** كفريسة هُرعت إلى الصيادِ

والفقرُ يفتكُ بالبلاد ومَالُها *** يُجبَى لأهل الكُفر والإلحادِ

إني لأعجبُ كيفَ تُنصَرُ أمةٌ *** عَبَثاً بغير شريعة وجهادِ

ما دُمتِ مُعرِضَةً وسيفُك مغمدٌ *** فالمَجدُ في واد، وأنتِ بوادِ

****

أنا مسلمٌ يا قوم تجري في دمي *** شيَمُ الأباةِ ونَخوَةُ الأجدادِ

قد راعَ تكبيري كَنائسُ قيصَرٍ, *** وارتَاعَ كسرى من صَهيل جيَادي

نفسي عليّ عزيزةٌ وكرامتي *** لا تُشتَرى بالوَعد والإبعَادِ

والقلبُ مني باليقين قد ارتوى *** ثقةٍ, فلستُ أشُكّ في الميعادِ

والله لا النمرودُ يوهنُ همتي *** أبداً ولا فرعَونُ ذو الأوتَادِ

أنا لستُ أخشى حربَهُم وسياطَهُم *** كلا ولا أخشى من الجَلادِ

إن مادَ جسمي للسياط وللأذى *** فالقلبُ مني ليسَ بالمَيّادِ

إن آثروا سجني فسجني خَلوةٌ *** وسياحتى في النفي والإبعادِ

أو سرّهُم قتلي فلستُ بجازع *** فالموت غايةُ مطلبي ومُرادي

عَجبوا، وما عجبوا لشيء مثلما *** عَجبوا لطول تصبّري وعنَادي

ضدان ما اجتمعا لطالب عزةٍ, *** شَرَفُ النفوس وراحةُ الأجسادِ

****

يا قوم قد بانَ الطريقُ فهل تُرى *** أزفَ الرحيل إلى ذُرى أمجادي

سيروا على سنن الأبَاة وشمّروا *** حذراً، فما في الدرب غيرُ قتادِِ

أدوا الأمانة قبل ألا تملكُوا *** إلا البُكاءَ وحُرقَةَ الأكبَادِِ

إني أرى أيامكم قد أصبَحَت *** حُبلى، وأرقُبُ ساعَة الميلادِ

وتوغلوا في كل درب نافع *** لا تتركوا الميدان للأوغادِِ

كم منهل عذب، وكم من مورد *** للخير يشكوا قلةَ الوُرّادِِ

ربوا النفوسَ على الثّبَات سجيةً *** عندَ الحَوادث فالخُطوبُ غوادي

وتريثوا فالنصر ليسَ بخُطبة *** تُلقى وليسَ بوفرة الأعدادِِ

ما حاجة الأمجاد إلا وقفةٌ *** في الحادثات كوقفة المقدادِِ

كم راية بالأمس أوقدَ نارُها *** لم يبقَ منها اليومَ غيرُ رمادِ

هي رايةٌ للحقّ إلا أنها *** رُفعت بغير بصيرة ورشادِ

ما قلة الأعداد نشكوا إنما *** تشكو الكتائبُ قلة الإعدادِ

محَنُ الزمان تَمَيزُ إن هي أقبلت *** بينَ الأسُود وصُورة الآسادِ

وتَسُفُ ريحُ الجدّ كلّ مُخلخلٍ, *** في الدرب ليس بثابت الأوتادِ

حتى إذا زكت النفوسُ وهُيئت *** للنصر جاء النصرُ كالمُعتادِ

تأتي البشائرُ بعدَ طول مشقةٍ, *** كالغيث بعدَ البرق والإرعادِ


أضف تعليق