جُرحٌ مضى وهناكَ جُرحٌ بادي *** ومصائبٌ جلت عن التّعدادِ
في كلّ ناحية وكل ثَنيّةٍ, *** جُرحٌ يَصيحُ بأمتي ويُنادي
حتى متى فرعَونُ يقهرُ عزتي *** وإلى متى هَامَانُ ينهبُ زادي؟
وإلى متى سيظلّ يُقلقُ راحتى *** كسرى، وقيصرُ يسترقّ بلادي؟
ما في الممالك والمدائن سالمٌ *** من سوط جبار وصولة عَادي
كم تَستَغيثُ وتستجيرُ وما ترى *** إلا جماداً، أو شبيه جَمَادِ!
****
أبناءُ جلدتنا وفي نظراتهم *** حقدُ الصليب وخسّةُ الموسادِ
فتحوا لأهل الشّرّ كلَ مُغَلّقٍ, *** وغَدَوا لأهل الخير بالمرصادِ
نصبوا العداءَ فليسَ يُغلقُ منبرٌ *** إلا ويُفتَحُ للفساد نوادي
والكفر يرتَعُ في الممالك آمناً *** وشريعة الرحمن في الأصفَادِ
وأئمةُ الإصلاح في أوطاننا *** ملؤا السّجُونَ بتهمة الإفسادِ
والقُدسُ مثخنةً تئنّ وفي رُبى *** مدريدَ مدوا للسلام أيَادي
في ما مضى كنا نراهُ خيانةً *** واليومَ نركُضُ خلفَهُ ونُنادي
بالأمس طارقُ جَاءَهَا مُتوشحاً *** سيفاً ليرفعَ رايةَ الأمجادِ
ماذا يظنّ ويُرتَجَى من معشَرٍ, *** خانوا كتائبَ طارق بن زيادِ
رباهُ جئتُكَ لا لغيركَ طالباً *** ولغير بابكَ ما أنختُ جَوَادي
****
ألمي يطول فَأمّتي في حيرةٍ, *** من فُرقَة العُلماء والعُبّادِ
الحقّ بينَ تَخَاصم وتَقَهقُر *** والكُفر بينَ تضافرٍ, وتمادي
زُرعَ الخلافُ بأرضها حتى غدَت *** مزَقاً من الأضغان والأحقادِ
تغزى فتُهرَعُ ويحَ عُمري للعدا *** كفريسة هُرعت إلى الصيادِ
والفقرُ يفتكُ بالبلاد ومَالُها *** يُجبَى لأهل الكُفر والإلحادِ
إني لأعجبُ كيفَ تُنصَرُ أمةٌ *** عَبَثاً بغير شريعة وجهادِ
ما دُمتِ مُعرِضَةً وسيفُك مغمدٌ *** فالمَجدُ في واد، وأنتِ بوادِ
****
أنا مسلمٌ يا قوم تجري في دمي *** شيَمُ الأباةِ ونَخوَةُ الأجدادِ
قد راعَ تكبيري كَنائسُ قيصَرٍ, *** وارتَاعَ كسرى من صَهيل جيَادي
نفسي عليّ عزيزةٌ وكرامتي *** لا تُشتَرى بالوَعد والإبعَادِ
والقلبُ مني باليقين قد ارتوى *** ثقةٍ, فلستُ أشُكّ في الميعادِ
والله لا النمرودُ يوهنُ همتي *** أبداً ولا فرعَونُ ذو الأوتَادِ
أنا لستُ أخشى حربَهُم وسياطَهُم *** كلا ولا أخشى من الجَلادِ
إن مادَ جسمي للسياط وللأذى *** فالقلبُ مني ليسَ بالمَيّادِ
إن آثروا سجني فسجني خَلوةٌ *** وسياحتى في النفي والإبعادِ
أو سرّهُم قتلي فلستُ بجازع *** فالموت غايةُ مطلبي ومُرادي
عَجبوا، وما عجبوا لشيء مثلما *** عَجبوا لطول تصبّري وعنَادي
ضدان ما اجتمعا لطالب عزةٍ, *** شَرَفُ النفوس وراحةُ الأجسادِ
****
يا قوم قد بانَ الطريقُ فهل تُرى *** أزفَ الرحيل إلى ذُرى أمجادي
سيروا على سنن الأبَاة وشمّروا *** حذراً، فما في الدرب غيرُ قتادِِ
أدوا الأمانة قبل ألا تملكُوا *** إلا البُكاءَ وحُرقَةَ الأكبَادِِ
إني أرى أيامكم قد أصبَحَت *** حُبلى، وأرقُبُ ساعَة الميلادِ
وتوغلوا في كل درب نافع *** لا تتركوا الميدان للأوغادِِ
كم منهل عذب، وكم من مورد *** للخير يشكوا قلةَ الوُرّادِِ
ربوا النفوسَ على الثّبَات سجيةً *** عندَ الحَوادث فالخُطوبُ غوادي
وتريثوا فالنصر ليسَ بخُطبة *** تُلقى وليسَ بوفرة الأعدادِِ
ما حاجة الأمجاد إلا وقفةٌ *** في الحادثات كوقفة المقدادِِ
كم راية بالأمس أوقدَ نارُها *** لم يبقَ منها اليومَ غيرُ رمادِ
هي رايةٌ للحقّ إلا أنها *** رُفعت بغير بصيرة ورشادِ
ما قلة الأعداد نشكوا إنما *** تشكو الكتائبُ قلة الإعدادِ
محَنُ الزمان تَمَيزُ إن هي أقبلت *** بينَ الأسُود وصُورة الآسادِ
وتَسُفُ ريحُ الجدّ كلّ مُخلخلٍ, *** في الدرب ليس بثابت الأوتادِ
حتى إذا زكت النفوسُ وهُيئت *** للنصر جاء النصرُ كالمُعتادِ
تأتي البشائرُ بعدَ طول مشقةٍ, *** كالغيث بعدَ البرق والإرعادِ