أبتاه مرَّ على الفراق شهورُ *** وكأنها - واحسرتاه - دهورُ
ما كنت أدري ما الحنين وما الجفا؟ *** كلا... ولا الآمال كيفَ تغورُ؟
ما كنت أدري ما الهموم تحزٌّ في *** نفسي... ولا الأهوال كيف تُغيرُ؟
أُلبستُ أكفانَ الوفاة.. وطالما *** زانَ (المدلّلَ) سُندُسٌ وحريرُ
وهجرتُ بيتي والسرير مودّعاً *** فالقبر بيتٌ - ها هنا - وسريرُ
ما كنتُ أحسب أنني - في لحظة *** - سأغيب... يجذبني الشذا والنور
أبتي أتذكر كيف فاجأنا النوى؟ *** لم يأتنا نبأ ولا تحذيرُ...!
كُنّا نسيرُ معاً... وكفٌّك أمسكت *** كفّي... ويغمرنا رضاً وسرورُ
أنا ذاهب أبتاع بعض حوائجي *** هيّا أبي... إن الطريقَ يسيرُ
ما كنتُ أحسب أنني في خطوتي *** أدنو إلى ظلّ الردى... وأسيرُ
نمشي... ويغشانا أمان خادع *** أَوَ لَيَس صانعَ أمننا بلفورُ؟
أوليس إسرائيل تحرس شعبنا *** ولذا أتانا كلبها المسعورُ
لمّا رآنا أعزَلَين أصابه *** هَوَسُ البطولةِ... واعتراه غرورُ
لو كان في كفِّ (الصغير) مسدّسٌ *** لرأيت كيف يطأطئُ المغرورُ!
رشّاشه والحقد طافا حولنا *** كالذئب يختلس الخُطا... ويدورُ
ولحظتَ - يا أبتي - بأنَّ مُرادَهُ *** قتلي... كأني خصمُهُ المشهورُ!
فرميتَ نفسك كي تردَّ رصاصه *** ورصاصُهُ من حولنا منثورُ
وجعلتَ جسمك فدية لتصونني *** هيهات أن يتأخّر المقدورُ!
وصرختَ تنذره... وتُنكر فعلَهُ *** عَبَثاً... فلم يتوقّفِ الخنزيرُ
بل ظلَّ ينهمر الرصاصُ ممزِّقاً *** أجسادنا... ودمُ الجراح غزير
وتباعدت عني المشاهدُ... واختفى *** ضوءُ النهار... وخيَّمَ الديجور
أبتاه لستُ على وفاتي نادماً *** فلديَّ من جود الإله كثيرُ
أنا نادمٌ إذ لم أُعدَّ عزيمتي *** حتى يراني (العلجُ) كيف أثورُ!
لم أتَّخذ عَزفَ الرصاص هوايةً *** ليرى اليهودُ الأرضَ كيف تمورُ!
لم أتخذ أهلَ الجهاد صَحابةً *** يا ليتني في زحفهم محشورُ
ما هزَّ إسرائيلَ أو حلفاءَها *** إلا الفداءُ الحقٌّ والتكبيرُ
ولقد رَكنَّا للرعاية... إنما *** نام الرٌّعاة فعربد الموتورُ
أمّاه لا تبكي عليَّ.. وكبِّري *** فَرَحاً... فإني ها هنا مسرورُ
أرواحنا بحواصل الطير التي *** ما بين أفنان الجنان تطيرُ
فتطوف ما بين الزهور بنشوةٍ, *** وكأننا بين الزهورِ زهورُ
مضتِ المصائبُ والهمومُ *** فهاهنا رَوحٌ وريحانٌ لنا وعبيرُ
وأنا الشفيع – بإذن ربي – عندما *** ألقاكما... فإذا الحساب يسيرُ
مني لأترابي السلام... فحبٌّهم *** - رغم الردى - في خاطري محفورُ
ووصيَّتي للثائرين... فإنني *** كَلِفٌ بحبِّ الثائرين.. غيورُ
لا تسمعوا لمخذّلين... فإنهم *** في وجه ثورتنا الوضيء بُثورُ
إن السلام خديعة وضلالة *** كيف السلام وحقٌّنا مهدورُ؟
كيف السلام وشعبنا متشرِّد؟ *** كيف السلام وقُدسُنا مأسور؟
ومآذن الأقصى تئنٌّ وتشتكي *** كي لا يصيب (المسجد) التدمير
لا طِبَّ إلا السيفُ يُطفئ حقدَهم *** فدواؤهم صمصامة وقبورُ
فيهودُ خيبرَ أصبحوا خبراً *** فقد عرف الدواءَ مجرِّبٌ وخبيرُ
وبنو قُريظةَ قُرِّضوا بسيوفنا *** والقَينقاعُ ترحَّلوا... ونضيرُ
الجَهدُ في تَرك الجهاد وليس في *** تركِ الجهاد سلامة وسرورُ
من كان يرجو أن يعيش بعزَّة *** فإلى السلاح.. خذوا السلاحَ وثوروا
من مات فاز بجنّةٍ, عُلويَّةٍ, *** أو عاش بَعدُ... فإنه منصورُ