رسالة من محمد الدرة إلى والديه

4.5k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

أبتاه مرَّ على الفراق شهورُ *** وكأنها - واحسرتاه - دهورُ

ما كنت أدري ما الحنين وما الجفا؟ *** كلا... ولا الآمال كيفَ تغورُ؟

ما كنت أدري ما الهموم تحزٌّ في *** نفسي... ولا الأهوال كيف تُغيرُ؟

أُلبستُ أكفانَ الوفاة.. وطالما *** زانَ (المدلّلَ) سُندُسٌ وحريرُ

وهجرتُ بيتي والسرير مودّعاً *** فالقبر بيتٌ - ها هنا - وسريرُ

ما كنتُ أحسب أنني - في لحظة *** - سأغيب... يجذبني الشذا والنور

أبتي أتذكر كيف فاجأنا النوى؟ *** لم يأتنا نبأ ولا تحذيرُ...!

كُنّا نسيرُ معاً... وكفٌّك أمسكت *** كفّي... ويغمرنا رضاً وسرورُ

أنا ذاهب أبتاع بعض حوائجي *** هيّا أبي... إن الطريقَ يسيرُ

ما كنتُ أحسب أنني في خطوتي *** أدنو إلى ظلّ الردى... وأسيرُ

نمشي... ويغشانا أمان خادع *** أَوَ لَيَس صانعَ أمننا بلفورُ؟

أوليس إسرائيل تحرس شعبنا *** ولذا أتانا كلبها المسعورُ

لمّا رآنا أعزَلَين أصابه *** هَوَسُ البطولةِ... واعتراه غرورُ

لو كان في كفِّ (الصغير) مسدّسٌ *** لرأيت كيف يطأطئُ المغرورُ!

رشّاشه والحقد طافا حولنا *** كالذئب يختلس الخُطا... ويدورُ

ولحظتَ - يا أبتي - بأنَّ مُرادَهُ *** قتلي... كأني خصمُهُ المشهورُ!

فرميتَ نفسك كي تردَّ رصاصه *** ورصاصُهُ من حولنا منثورُ

وجعلتَ جسمك فدية لتصونني *** هيهات أن يتأخّر المقدورُ!

وصرختَ تنذره... وتُنكر فعلَهُ *** عَبَثاً... فلم يتوقّفِ الخنزيرُ

بل ظلَّ ينهمر الرصاصُ ممزِّقاً *** أجسادنا... ودمُ الجراح غزير

وتباعدت عني المشاهدُ... واختفى *** ضوءُ النهار... وخيَّمَ الديجور

أبتاه لستُ على وفاتي نادماً *** فلديَّ من جود الإله كثيرُ

أنا نادمٌ إذ لم أُعدَّ عزيمتي *** حتى يراني (العلجُ) كيف أثورُ!

لم أتَّخذ عَزفَ الرصاص هوايةً *** ليرى اليهودُ الأرضَ كيف تمورُ!

لم أتخذ أهلَ الجهاد صَحابةً *** يا ليتني في زحفهم محشورُ

ما هزَّ إسرائيلَ أو حلفاءَها *** إلا الفداءُ الحقٌّ والتكبيرُ

ولقد رَكنَّا للرعاية... إنما *** نام الرٌّعاة فعربد الموتورُ

أمّاه لا تبكي عليَّ.. وكبِّري *** فَرَحاً... فإني ها هنا مسرورُ

أرواحنا بحواصل الطير التي *** ما بين أفنان الجنان تطيرُ

فتطوف ما بين الزهور بنشوةٍ, *** وكأننا بين الزهورِ زهورُ

مضتِ المصائبُ والهمومُ *** فهاهنا رَوحٌ وريحانٌ لنا وعبيرُ

وأنا الشفيع – بإذن ربي – عندما *** ألقاكما... فإذا الحساب يسيرُ

مني لأترابي السلام... فحبٌّهم *** - رغم الردى - في خاطري محفورُ

ووصيَّتي للثائرين... فإنني *** كَلِفٌ بحبِّ الثائرين.. غيورُ

لا تسمعوا لمخذّلين... فإنهم *** في وجه ثورتنا الوضيء بُثورُ

إن السلام خديعة وضلالة *** كيف السلام وحقٌّنا مهدورُ؟

كيف السلام وشعبنا متشرِّد؟ *** كيف السلام وقُدسُنا مأسور؟

ومآذن الأقصى تئنٌّ وتشتكي *** كي لا يصيب (المسجد) التدمير

لا طِبَّ إلا السيفُ يُطفئ حقدَهم *** فدواؤهم صمصامة وقبورُ

فيهودُ خيبرَ أصبحوا خبراً *** فقد عرف الدواءَ مجرِّبٌ وخبيرُ

وبنو قُريظةَ قُرِّضوا بسيوفنا *** والقَينقاعُ ترحَّلوا... ونضيرُ

الجَهدُ في تَرك الجهاد وليس في *** تركِ الجهاد سلامة وسرورُ

من كان يرجو أن يعيش بعزَّة *** فإلى السلاح.. خذوا السلاحَ وثوروا

من مات فاز بجنّةٍ, عُلويَّةٍ, *** أو عاش بَعدُ... فإنه منصورُ


أضف تعليق