بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر لعبة كرة القدم من أشهر الألعاب الرياضية ولغتها مفهومة من أغلبية شعوب العالم وأحداثها مؤثرة جدا في عواطف جماهيرها، وقد مرت تلك الرياضة بعده تطورات هائلة إلى أن وصلت إلى ما عليها من متعة وتكتيك حديث ودراسة.
ولم تكن في بدايتها سوى لعبة شرسة ومكملا للياقة البدنية والعسكرية، ولم يكن بها أي نوع من الفن أو الروح الرياضية، وقد أجمع المؤرخون على أنها كانت تمارس بشبه قريب من اللعبة الحالية بين صفوف الجيوش الصينية والرومانية، والهجوم والدفاع مكملا أساسيا لتدريباتهم العسكرية.
وبعد انتقال اللعبة إلى الشعب الإنجليزي الذي أعاد صقلها وتغيير وجهها، أخذت تمارس بين القرى أو المدن المتقاربة من دون أي قوانين ولا وقت محدد والهدف المنشود هو أن يدخل الفريق الكرة وسط مدينة فريق الخصم حتى يكون فائزا غازيا ومنتصرا في المباراة أو المعركة بالأصح، وكانت المباراة تستمر أياما وأسابيع وشهورا حتى يصل أحد الطرفين إلى هدفه، وكثيراً ما كانت تقع الحوادث ويذهب ضحيتها الكثير أثناء المباريات مما حمل الحكومة إلى إصدار قوانين تحرم لعب كرة القدم .
وقد دارت في إنجلترا عدة مناقشات حامية بين العلماء والمؤرخين حول إيجاد صورة واضحة حول لعبة كرة القدم، وهل هذه اللعبة ترجع إلى عصر معين أم أنها شائعة بحد كبير حيث لا يمكن تحديد عصر بدايتها مهما بذل من جهد في سبيل ذلك؟
لتبدأ البحوث بدوران حول الآراء التاريخية في هذا الشأن وكان منها:
أن لعبة كرة القدم وجدت في القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد كأسلوب تدريب عسكري في الصين وعلى وجه التحديد في الفترة ما بين سنة 206 ق.م وسنة 25 ميلادية، كما ورد في أحد مصادر التاريخ الصيني، وكانت اللعبة تذكر باسم (تسو ـ تشو) الكلمه الأولى تعني ركل والثانية تعني الكرة وكل ما عرف من تفاصيل أنها كانت تتألف من قائمين عظيمين يزيد ارتفاعهما عن ثلاثين قدماً مغلفة بالحرائر المزركشة، وبينهما شبكة من الخيوط الحريرية يتوسطها ثقب مستدير بمساحه قدم واحد، وكان مرمى الهدف يوضع أمام الإمبراطور في الحفلات العامة، ويتبارى الماهرون من الجنود في ضرب الكرة المصنوعة من الجلد المغطى بالشعر كي تمر من هذا الثقب، ولم تكن الكرة بالقوة والشدة التي هي عليها الآن بل منفوخة بالهواء بحيز كبير منها، وكان يصرف للفائز منهم كجائزة كمية من الفواكه والنبيذ والزهور والقبعات، وقد وصفت مهارة المتنافسين في بعض حركات حمل الكرة وتحريكها بين أعضاء جسمهم، بأنها نوع من الفراسة.
وقال مؤرخ آخر إن لعبة كرة القدم عرفت باليابان وكانت تسمى باسم كيماري منذ أربعة عشر قرناً، وكانت تلعب في ملعب مساحته مئة وأربعون مترا مربعاً، من دون أي تفاصيل أخرى.
وفي إيطاليا عرفت لعبة كرة القديم قديما باسم كالشيو، وكانت تلعب في فلورنسا مرتين في السنة، الأولى في أول يوم أحد من شهر مايو والثانية في اليوم الرابع والعشرين من يونيو بمناسبة عيد سان جون.
وكانت المنافسة تقام بين فريقين، الأول ابيض باسم بيانكي، والثاني أحمر باسم روسي، ويضم كل فريق واحداً وعشرين لاعباً يلعبون في ملعب خشن مغطى بالرمال، ومرماه عبارة عن عرض الملعب كله، وإلى اليوم ما زالت هاتان المباراتان تقامان في الموعد نفسه كذكرى للماضي.
وقال مؤرخون إن لليونان قديماً لعبة كرة تسمى إبيسكيروس، وكانت لدى الرومان لعبة أخرى تلعب تسمى هارباستوم، وإن الأخيرين جاؤوا بها إلى الجزر البريطانية حين احتلوها، وأن الرومان لعبوا هذه الكرة ونقلوها لكل بلد احتلوه أثناء غزواتهم من بينها مصر.
لم تعجب هذه الآراء المؤرخين البريطانيين وتصدوا لها بادعائهم أن لعبة كرة القدم من اختراعهم وحدهم، واستدلوا على ذلك بواقعة تاريخية عند احتلال الدانماركيين إنجلترا في الفترة ما بين سنة 1016م إلى سنة 1042م حين حاربوهم الإنجليز بمعركة كان من أثرها أن الجنود الانجليز قطعوا رأس القائد الدانماركي وداسوه بأقدامهم وأخذوا يضربونه ويركلونه بأقدامهم مثل الكرة، ليكون بعد ذلك تقليداً قومياً يدل على الثأر والانتقام، ومع ظهور بعض الأطفال يتقاذفون بين أقدامهم جسماً كروياً من جلد البقر نشأت فكرة الكرة واللعب بها بين الأقدام، لتتحول مع الأيام إلى لعبة كرة القدم.
واعتبر المؤرخون الإنجليز أن فجر ظهور اللعبة واكتشافها هو سنة 1050م إلى سنه 1075م، وكانوا يسمونها (ركل الرأس الدانماركي) ثم سميت بعد ذلك بكرة القدم، وكانوا يكتبونها Fut balle)) ولم تخصص لهذه اللعبة ميادين خاصة ولا قوانين.
وذكر التاريخ أن الملك هنري الثاني حرم لعبها سنه 1154م إلى سنة 1189م عندما توفي، لتبقى مجرد ذكرى لأربع مئة سنة، بعدها جاء عهد الملك جيمس الأول الذي شجع اللعبة وأشرف عليها بعد أن كانت مختفية طيلة أربعة قرون وبذلك بدأت اللعبة نحو التقدم والتشريع والتخطيط..
ونذكر أن مؤرخاً إنجليزياً اختصر الطريق وقال بصراحة مريحة: من يدري من هو أول لاعب لكرة القدم؟ لعله جدنا آدم الذي لعب بما يشبه كرة القدم مع جدتنا حواء من باب التسلية، ولعل النمرود الذي كان مغرماً بالصيد والقنص لعبها بجسم مستدير يشبه الكرة يتدحرج على الأرض مع فرقة الصيد، يجب على الإنسان إذا احتار في بحثه أن يلجأ للطبيعة ليريح نفسه من عناء البحث، فطبيعة الصبية والأطفال في كل عصر أن يتسلقوا الأشجار ويتقاذفوا الثمار ويلعبوا بها، إذاً يجب أن ننسب لعبة كرة القدم إلى الإنجليز لأنهم تسلموها فكرة مجردة من كل حيوية، وقد ثبت في كل المراجع أنهم تولوها بالتشريع والتهذيب والتقنين وتحملوا في سبيلها تضحيات عظيمة.
ويرجع التاريخ ليحدثنا أن بعض ملوك انجلترا قد عادوا بعد ذلك وأوقفوا لعب كرة القدم رسمياً وذلك عام 1314م حين تولى إدوارد الثاني الحكم، وفي عام 1349م أوقف لعبها إدوارد الثالث، ثم في سنة 1389م أوقفها ريتشارد الثاني، وعاد القادة في إسكوتلندا فحرموها أيضاً عام 1457م ثم في عام 1491م، وكان هؤلاء الملوك يتعمدون في منعها من باب أنها لعبة ناعمة تعيق التدريب العسكري ومن شأنها أن تعطل وتضعف التدريب على النشاب.
ومن الطرائف التي ذكرت في تاريخ كرة القدم، أن بعض الصبية كان يختفي أثناء المباريات ويسرق الكرة، وسرعان ما تبدأ مبارة أخرى بالكرة نفسها في مكان آخر فيذهب لاعبو المباراة الأولى ويشتركون في نزاع على الكرة مع لاعبي المباراة الثانية، ويكثر الشجار والشحناء بينهم، وقد ينتهي ذلك بمن يسرق الكرة من جديد ويقيم بها مباراة ثالثة، وكل هذه الأمور دعت إلى كثرة الشكاوى من لعب الكرة.
ومن الحوادث الطريفة الأخرى أن السير توماس تورنتون ذكر حادثة في أحد محاضراته وقعت مع أهالي مدينة دندي الإسكوتلنديه قائلا: إن لعبة كرة القدم ما زالت محرمة قانونياً في إسكوتلندا، فقد صدر مرسوم ملكي بتحريمها من الملك جيمس الثاني ملك اسكوتلندا في عام 1458م، وقد ألغى الملك جيمس الثالث هذا المرسوم، إلا أن المراجع الإسكوتلندية ذكرت بعد ذلك أنه في أبريل عام 1497م دفع وزير مالية الملك جيمس الرابع لخزانة الدولة غرامة مالية ترجع لمخالفة الملك نفسه والده بلعب الكرة شخصيا.
وفي عام 1711م بدأت لعبة كرة القدم تتطور وتتحاشى الإضرار بالناس، وبدأ المثقفون والنبلاء يظهرون في الملاعب تدريجياً، وبدأ أنصار اللعبة البحث عن القوانين والتشريعات التي تواجه قرارات الحرمان والمطاردة من جديد.
وكبداية للتنظيم ذكر أنه في سنة 1800م تقرر مساواة عدد لاعبي الفريقن وتم تحديد حجم المرمى مبدئياً بطول يتراوح بين قدمين وثلاث أقدام، في خطوة كبيرة نحو تحسين القوانين فيما ينصب بمصلحة اللاعبين والجمهور.
وأيضا مما ذكر من حوادث طريفة، أن مباراة أقيمت سنة 1815على القواعد والنظم سالفة الذكر كبداية للتنظيم، وكانت بين فريقي وولتر سكوت والإيرل أوف هوفريارد، وقد ذهب الفريقان إلى أرض الملعب بصحبة فرق موسيقية والناس حولهم مجتمعون كأنهم يسيرون إلى ميدان قتال، وكان وولتر سكوت يمتطي جواد وهو يحمل سلة بها كرة اللعب، وبعد حضور دوق بوكلوتش أخذ الكرة بنفسه من السلة ورماها في منتصف الملعب معلنا بداية المباراة.
وفي عام 1904م تأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم وأصبح معترفاً به كهيئة تشريعية عليا يشرف على شؤون اللعبة، ويتلقى الاقتراحات والتعديلات، ويعقد اجتماعات سنوية للنظر فيما يصله من مقترحات، ثم يخطر الاتحادات الأهلية بهذه التعديلات الجديدة التي يتفق على إدخالها في القانون بغرض حماية اللاعب والهيئات .
هذه هي بعض التطورات التي مرت على لعبة كرة القدم وهي كافية جداً لإثبات أن لعبة كرة القدم قد تطورت من الخشونة والهجومية إلى الفن ودراسة ومن جمود في اللعب إلى حركة وتكتيك، وكان ذلك نتيجة الجهود وتعاون جميع الدول المحبة للرياضة والسلام وما بذلته كل دولة على حدة من تضحيات لرفاهية شعبها إلى أن ظهرت لعبة كرة القدم بصورتها المشرفة التي تطالعنا حالياً وتزيدنا تعلقاً بها وبلاعبيها وإدارتها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد