بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنقل لكم مبحثاً من رسالة الأخ الشيخ بدر العتيبي والتي بعنوان(رسالتي إلى بعض المحبين من أهل إخواننا في مدينة الدوادمي)
وفي خاتمة الرسالة قلت: أمّا المسألة الثانية وهي مسألة اللعب بالكرة: فالكلام عليها يكون بالجواب على سؤالين:
الأول: ما حكم اللعب بها؟
الثاني: وهل هي من المسائل التي يهجر المخالف فيها؟.
أمّا حكم اللعب بالكرة، فهو من اللهو بلا شك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا بما يحل لنا أن نلهوا به فقال ((كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلاّ رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنه من الحق)) وفي رواية ((وتعليم السباحة)) رواه أحمد وأهل السنن من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -.
قال شيخنا ـ حمود التويجري - رحمه الله - : فدل هذا الحديث الصحيح على أن اللعب بالكرة من الضلال لقول الله - تعالى - :{فماذا بعد الحق إلاّ الضلال}.
وقد توسع شيخ مشايخنا مفتي الديار السعودية في وقته الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ - رحمهم الله - في الإجابة على حكم الرياضة عامة وحكم اللعب بكرة القدم خاصة فقال ما صورته من مجموع الفتاوى (8/144ـ120): ((... أمّا السؤال عن حكم الرياضة في الإسلام فلا شكّ في جواز أو استحباب ما كان منها بريئاً هادفاً مما فيه التدريب على الجهاد وتنشيط للأبدان وقلع للأمراض وتقوية للأرواح، فلقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سابق بالأقدام وسابق بين الإبل، وسابق بين الخيل، وحضر نضال السهام، وصار مع إحدى الطائفتين، وركب الخيل مسرجة ومعراة، وصارع ركانة وصرعه، وقد بسط الإمام ابن القيم - رحمه الله - بحث هذا في كتابه ((الفروسية)) كما أشار - رحمه الله - في كتاب ((زاد المعاد)) إلى أن ركوب الخيل ورمي النشاب والمصارعة والمسابقة بالأقدام كل ذلك رياضة للبدن قالعة للأمراض المزمنة: كالاستسقاء، و القولنج.
ونص شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على حكم الشرع في الكرة نفسها فقال في باب السبق في مختصر فتاواه: ((ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال يستعان بها على الكرّ و الفرّ والدخول والخروج ونحوه في الجهاد، وغرض الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو حسن، وأن كان في ذلك مضرة بالخيل أو الرجال فإنه ينهى عنه)).
وبمناسبة الحديث عن الألعاب الرياضية وتعريجنا على اللعب بالكرة وإيرادنا ما ذكره الشيخ من النهي عن اللعب بها إذا كان فيه مضرة بالخيل والرجال يحسن أن نغتنم هذه الفرصة لنقول بأن اللعب بالكرة الآن يصاحبه من الأمور المنكرة ما يقضي بالنهي عن لعبها، هذه الأمور نلخصها فيما يلي... )) انتهى بنصّه.
ثم ذكرها الشيخ محمد واختصارها:
أولاً: أنهم يلعبونه وقت الصلاة مما يؤدي إلى ضياعها أو التأخر عنها، قلت: ويقاس على من يلعبها في وقت الصلاة من تسببت في تضييعه لها كمن يسهر ليلعب بها.
ثانياً: أن فيها مدعاة إلى التفرق والتحزب و منافرة القلوب، وهذا عكس ما يدعو إليه الإسلام.
ثالثاً: أن فيها مخاطر وإصابات بالغة قد تميت أحياناً، وهذا مما يؤكد منعها.
رابعاً: انتفاء القصد التي أبيحت الرياضة من أجله فيها، فلا تمت إلى التقوي للجهاد بأي صلة وإن كان فيها بعض الفائدة إلا أنها لا تخلوا من المحاذير السابقة الذكر.
وقال في فتوىً أخرى له (صحيفة: 119) من الجزء المذكور: ((الجواب: الحمد لله: اللعب بالكرة على الصفة الخاصة المنظمة هذا التنظيم الخاص بجعل اللاعبين فريقين ويجعل عوضٍ, أو لا يجعل لا ينبغي لاشتماله على الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وقد يشتمل مع ذلك على أكل المال بالباطل، فيلحق بالميسر الذي هو القمار، فيشبه اللعب بالشطرنج من بعض الوجوه، أمّا الشخص والشخصان يدحوان الكرة ويلعبان بها اللعب الغير منظم فهذا لا بأس به لعدم اشتماله على المحذور، والله أعلم)) اهـ.
ويرى شيخنا شيخ الإسلام ابن باز ـ رحمه الله ـ جوازها إذا اجتنبت المحاذير المذكورة سابقاً مع عدم كشف العورة سمعته منه غير مرّة.
أمّا شيخنا حمود التويجري - يرحمه الله - فقد شددّ الحكم فيها على الصورة الموجودة الآن وحرمها من سبعة أوجه وهي على وجه الاختصار:
الأول: أن فيها تشبه بالكفار، لأنها على هذه الصورة من عاداتهم.
الثاني: أن فيها صدٌ عن ذكر الله.
الثالث: أنها مشتملة على المضرّة.
الرابع: أن اللعب بها من الأشر والمرح، ومقابلة نعم الله بضد الشكر.
الخامس: أنه يكثر بين اللاعبين الوقاحة والبذاءة وسلاطة اللسان من السب ونحوه.
السادس: أن فيها كشف للعورات، وهذا محرم.
السابع: أنها من اللهو الباطل.
ثم وجّه الشيخ - رحمه الله - كلام شيخ الإسلام بن تيمية السابق، بأن هذا على صورة ما في عصره، وأن القصد هو التعود على مهارات الجهاد أمّا إن كان على ماهية ما في عصرنا أو مجرد اللهو فهي من المحرمات، ثم بحث الشيخ ـ - رحمه الله - ـ هذه المسألة والرياضة عموماً، بمبحثٍ, نفيس في كتابه القيم: ((الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين))، الصفحات (224 ـ 244)، فراجعوه لزاماً، وإن لم يكن عندكم الكتاب لندرته فأعلموني كي أصور لكم ما كتبه الشيخ - رحمه الله -
إذا تبين كل ما تقدّم، فلاشك أن الواجب على طالب العلم أن يكون أولى من يتجنبها من غيره لأن وقته أثمن من الذهب والفضة فكيف يضيعه في لعب الكرة!!، هذا إن جعلناها من اللهو المباح الخالي من المحاذير كيف وبعض أهل العلم قد حرّم اللعب بها!!.
وبعد ذلك يأتي الكلام على السؤال الثاني وهو: ما هو الموقف من المخالف للصواب في هذه المسألة؟.
فيقال: أنه لاشك أن هذه المسألة من مسائل الفقه التي يحصل فيها الاختلاف، ويتسع فيها النظر ومثل ذلك لا يجوز أن يكون مدعاة إلى المفارقة والهجر وقطع الصلة، فقد حصل بين بعض السلف خلاف في مسائل أعظم من هذه ومع ذلك لم تنقطع بينهم حقوق الإسلام من السلام والمحادثة والزيارة والعيادة وإجابة الدعوة والبشاشة في الوجه والدعاء للآخر، بل بعض مسائل الأصول من مسائل الاعتقاد لا يجوز أن يهجر فيها المخالف إذا قويت فيها الحجة وكثر الخلاف كما حصل لعائشة - رضي الله عنها - عندما خالفت ابن عباس - رضي الله عنه - في أن محمداً رأى ربه ليلة المعراج، ومع ذلك لم يُبدّع أحد قال بقولها أو بقول ابن عباس من كلا الطرفين، وهكذا مسألة الإقعاد على العرش ومسألة فناء النار، وهي من مسائل الاعتقاد، فكيف بما دونها من المسائل!!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته إلى أهل البحرين في الفتاوى (24/173) وهي تصلح أن تكون رسالة إلى أهل الدوادمي!!: ((وأمّا الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط، ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيٍ, تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوّة... )).
وفي الختام إخواني اسأل الله أن يجمع قلوبكم على الحق وأن يفقهكم في دينه وأن يجعلكم من أنصاره، الذابين عنه مكيدة كل كائد، وأن لا يُشمت بكم مريد حسود أو مبتدع لدود، والله يرعاكم ويسدد على الهدى خطاكم، والسلام عليكم يعود كما بدأ ورحمة الله وبركاته.
كتب ذلك أخوكم الفقير إلى عفو ربه العليّ بدر بن علي العتيبي تجاوز الله عنه وغفر الله له.
وذلك ضحى يوم الأحد اليوم الثلاثين من شهر رمضان المبارك لعام تسعة عشر وأربعمائة وألف.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد