كيف نودع العام الهجري 1427 ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

 

قبل أيام، ودّع الكثيرون العام الميلادي 2006، وقد شهدنا في محطات التلفزة والصّحف المطبوعة الكثير من الاحتفالات التي صاحبت هذا الوداع. الصفة المشتركة بين كلّ تلك الفعاليات هيَ الصّخب والجنون والفرح الذي تُرجم بأشكال عدة اختلفت من منطقة لأخرى.. والمتأمّل أكثر في تلك الملامح يشاهد أنّ مفهومهم هُو..الاحتفال بالعام الجديد ونبذ ما فات من دون الالتفات إليه.

 

قد يكون نصف مفهومهم صحيح ونصفه لا! أن تتقدم في حياتك وتمضي، هُو مهارة تُصقل في شخصيتك مع الأيام، وأداة لابُدّ منها للتقدّم، والأكيد أنها ضرورية جداً لاستمرار العطاء والابتكار والنّماء في الحياة. أمّا الجزء الآخر فهُوَ بناء حاجز شاهق بين آخر يومٍ, في العام الماضي، لضمان عدم الرجوع لهُ.

 

منذُ أن كنّا صغاراً وكلّ من حولنا يخبرنا أنه يجب أن نتعلّم من أخطائنا، كبرنا ووجدنا المكتبات تعجّ بكتب من هذا النّوع، حيثُ أنّ في هي هذا الأمر تقوية للشخصية، وإعطائها وعي أكبر في إكمال الطريق للمستقبل. أن تلتفت وراءك يعني أن تطيل النّظر في أفعالك وتصرفاتك وتقيّمها وترسم حدودها. كلّ هذهِ الأمور وغيرها تقودنا إلى شئ واحد وأن نركز اهتمامنا عليه، وهوَ كيف سنستقبل 1428هـ ونودّع 1427هـ.

 

المختلف فينا نحنُ المسلمون أننا نودع الأعوام قبل أن نستقبل الجديدة، المختلف أننا نقف كثيراً في الفاصل الزمنيّ بين السنتين.. نقف ونتأمل ونركّز وندقق كثيراً.. كثيراً. المختلف أنّ لدينا مفهوماً فكرياً نستطيع اتباعه في كلّ مره نشهد هذهِ اللحظة، ونتريّث كثيراً قبل أن نخطو على أعتاب السنة الجديدة. مفهومنا هُو محاسبة النفس.

 

أن تغمض عينيك وتفكّر، أو ربما تمسك قلماً وورقة، وتدوّن كل الأمور الواجب تدوينها هُو الموضوع، أمّا لبّه فهو التأمل في قائمتك التي انتهيت بها، وتُحاسب نفسك كثيراً ومطولاً قبل أن تطويها. يقول الماوردي: "أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودا أمضـاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموما استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في الـمستقبل" يقول ابن القيم - رحمه الله -: "المحاسبة أن يميز العبد بين ما له وما عليه فيستصحب ما له ويؤدي ما عليهº لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود".

 

محاسبة النفس تربّي ذلك الإحساس بالوعي.. الذي تحتاجه القلوب لتومض في هذا الغمام وتُخبرك بأنّ ما تفعله أو بصدد فعله يجب أن تفكر فيه قبلاً، أن تكون مسؤولاً عن تصرفاتك.. ومدركاً لها. هي ذلك الإحساس بان تكون شاهداً على عيوبك وندباتك، فتصبّ نفسك في قالب الواقع من دون رتوش ولا تزيين. هيَ تلك التي في غيابها نذيرُ هلاك وانغماسُ في الذُنوب.

 

وفي هذهِ الحياة، التي نغرق في تفاصيل موجها، تارة في اليمين وتارة في الشمال قد ينسى الإنسان أن يُسائل نفسه ويعاتبها، وقد قال ابن القيم - رحمه الله - في ذلك:

 

والنفس كالطفل إن تهمله شب على*** حب الرضـاع وإن تفطمه ينفطـم

فاحـذر هواها وحـاذر أن توليـه إن***   الهـوى ما تولى يعم أو يصـم

وراعها وهي في الأعمـال سائمة*** وإن هي استحلت المرعى فلا تسم

كـم حسـنت لـذة للمـرء قاتلـة*** من حيث لم يدر أن السم في الدسم

وخالف النفس والشيطان واعصهما*** وإن هما محضـاك النصـح فاتهم

 

وأمنياتي لكم وللأمة الإسلامية بسنة جديدة مثمرة وغنيّة بالخطوات الإيجابية، كل عام وأنتم بخير.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply