هل أديت الحق الأعظم ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله عظيم الشأن، مسير الأكوان، ومقلب الأزمان، ومنزل القرآن، وخالق الإنسان أحمده جل في علاه وأشكره على نعم عظيمة متتابعة عجزت عن حمدها وشكرها الألسن والأبدان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الواحد الديان وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله سيد الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما تعاقب النيِّران وما خفق بحب الإله جنان. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وهذا ربكم يحذركم فأصغوا لتحذير ربكم بقلوبكم قبل آذانكم يقول العظيم جلت قدرته: {يَاأَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلٌّ مُرضِعَةٍ, عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلٌّ ذَاتِ حَملٍ, حَملَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}(الحج: 2).

 

عباد الله: هاهو عامنا الهجري واقف على أعتاب الوداع عام كامل من عمرنا انقضى فياليت شعري على أي حال انقضى؟.

عام كامل كم أنعم الكريم فيه علينا من النعم وكم صعد فيه منا للعظيم من تقصير وغفلة وذنوب عظام؟.

أيها الأحبة في الله: تعالوا لنتفكر سوياً في عامنا الماضي: هل تأملت أخي في نعمة القدرة على المشي فكم خطوة خطوتها في العام الماضي، وغيرك كثير لا يستطيعون؟. إنها نعمة من ربك إن سلبها منك-لا قدر الله- لا يستطيع الكون أجمع أن يعيدوها إليك فهل أديت حق ربك فيها؟. كم مرة حركت فيها يدك في العام الماضي لترفع بها لقمة الطعام إلى فيك لتغسل بها بدنك لتحمل بها ولدك لتقضي بها حاجتك، وغيرك كثير لا يستطيعون؟.

إنها نعمة من ربك إن سلبها منك-لا قدر الله- لا يستطيع الكون أجمع أن يعيدوها إليك فهل أديت حق ربك فيها؟.

كم كلمة نطق بها لسانك في العام الماضي عبرت فيها عن مشاعرك ودافعت بها عن حقوقك، وغيرك كثير لا ينطقون؟.

إنها نعمة من ربك إن سلبها منك-لا قدر الله- لا يستطيع الكون أجمع أن يعيدوها إليك فهل أديت حق ربك فيها؟.

كم صوت سمعته أذنك في العام الماضي وغيرك كثير لا يسمعون؟.

إنها نعمة من ربك إن سلبها منك-لا قدر الله- لا يستطيع الكون أجمع أن يعيدوها إليك فهل أديت حق ربك فيها؟.

كم صورة أبصرتها بعينك في العام الماضي وكثير غيرك لا يبصرون؟.

إنها نعمة من ربك إن سلبها منك-لا قدر الله- لا يستطيع الكون أجمع أن يعيدوها إليك فهل أديت حق ربك فيها؟.

كم استعملت عقلك في أفكار العام الماضي وغيرك كثير فقد عقله فهو مجنون أو ابتلي بتخلف وغيره فهم على التفكير لا يقدرون؟.

إنها نعمة من ربك إن سلبها منك-لا قدر الله- لا يستطيع الكون أجمع أن يعيدوها إليك فهل أديت حق ربك فيها؟.

كم خرجت من بيتك في العام الماضي وأنت آمن على نفسك وأهلك ومالك وغيرك كثير لايأمنون؟.

إنها نعمة من ربك إن سلبها منك-لا قدر الله- لا يستطيع الكون أجمع أن يعيدوها إليك فهل أديت حق ربك فيها؟.

كم تلذذت بأطايب الطعام والشراب واللباس في العام الماضي وغيرك كثير مرضى لا يستطيعون أو فقراء لا يجدون؟.

إنها نعمة من ربك إن سلبها منك-لا قدر الله- لا يستطيع الكون أجمع أن يعيدوها إليك فهل أديت حق ربك فيها؟

كم وفقت للصلاة والصيام والتقوى وغيرك كثير غافلون. كم..وكم..وصدق الله إذ يقول: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزقًا لَكُم وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلكَ لِتَجرِيَ فِي البَحرِ بِأَمرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمسَ وَالقَمَرَ دَائِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَآَتَاكُم مِن كُلِّ مَا سَأَلتُمُوهُ وَإِن تَعُدٌّوا نِعمَةَ اللَّهِ لَا تُحصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(إبراهيم: 34).

فقولوا أحبتي لكل غافل لاه ساه، قولوا لكل من يستعمل نعم الله عليه في معصية الجبار ياأخانا.. ياأخانا.. أفق وانتبه ولا يغرنك أنك مقيم على حالك ذلك أعواماً ولم نزل بك بلاء ولا ضر، فما يدريك متى تنزل نقمة الله بك إن أنت اخترت طريق مبارزة الله باستخدام نعمه في معصيته فإن أشد ما تكون أن تنزل بك العقوبة وأنت على حال كبر في السن وضعف في الجسد وحاجة للناس فلا تجد حولك من يعينك، وأشد من ذلك أن تؤخر العقوبة لك إلى يوم القيامة أما سمعت قول الجبار إذ يقول: {وَلَا تَحسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ, تَشخَصُ فِيهِ الأَبصَارُ مُهطِعِينَ مُقنِعِي رُءُوسِهِم لَا يَرتَدٌّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَوَاءٌٌ}(إبراهيم: 43). يا أخانا.. يا أخانا إن ربنا قد وعد وعداً وربنا لا يخلف الميعاد بقوله: {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبٌّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم: 7).

 

فيا أخانا.. يا أخانا إني أرجوك.. ثم أرجوك أن تكون مع الشاكرين لتفوز بوعد ربك بالزيادة، إني أرجوك.. ثم أرجوك أن تعتبر بمن خالف ربه وهلك قبلك بدلاً من أن يعتبر بك غيرك لا قدر الله، فهل أرى منك استجابة قريبة؟.

إني لأرجو الله أن يأخذ بأيدينا جميعاً لنكون من عباده الشاكرين. أيها الأحبة في الله هناك من يظن أنه قد شكر ربه بأعمال يسيره وفقه الله لها، فنقول له أنتبه أخي من مداخل الشيطان فهذا نبيك وقدوتك - صلى الله عليه وسلم - أَعلَمُ الخَلقِ بالخَالِقِ يَذكُرُ عنه المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه فيقول: (إِن كَانَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَو سَاقَاهُ فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: ((أَفَلَا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا))(البخاري، الجمعة، ح(106)).

ياقوم.. ياقوم والله ثم والله ثم والله لن نستطيع أن نشكر الله حق شكره كيف وشكره يحتاج للشكر: إذا كان شكري نعمةَ اللهِ نِعمَةً.. عليَّ له في مثلها يجبُ الشكرُ.. فكيف وقوعُ الشكرِ إلا بفضلهِ.. وإن طالتِ الأيامُ واتصل العمرُ.. إذا مسَّ بالسراء عم سرورُها.. وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ.. وما منهما إلا له فيه منَّةٌ.. تضيق بها الأوهامُ والبر والبحر. فلا معين لنا على ذلك إلا الله واستمع معي أخي لخير الورى - صلى الله عليه وسلم - وهو يغرس في أصحابه ذلك أخرج النسائي عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ, قَالَ أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ((إِنِّي لَأُحِبٌّكَ يَا مُعَاذُ))فَقُلتُ وَأَنَا أُحِبٌّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((فَلَا تَدَع أَن تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ, رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ))(النسائي، السهو، ح(1286)). {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ, فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضٌّرٌّ فَإِلَيهِ تَجأَرُونَ}(النحل: 53).

 

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه إن مُتعِنَا بالنعم أعواماً فلا يعني هذا أن لنا عند الله عهداً أن لا يسلبها منا إن عصيناه فهذا ربنا ينذرنا بقوله: {وَلَقَد مَكَّنَّاهُم فِيمَا إِن مَكَّنَّاكُم فِيهِ وَجَعَلنَا لَهُم سَمعًا وَأَبصَارًا وَأَفئِدَةً فَمَا أَغنَى عَنهُم سَمعُهُم وَلَا أَبصَارُهُم وَلَا أَفئِدَتُهُم مِن شَيءٍ, إِذ كَانُوا يَجحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَا كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُونَ وَلَقَد أَهلَكنَا مَا حَولَكُم مِنَ القُرَى وَصَرَّفنَا الآَيَاتِ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ}(الأحقاف: 27).

أحبتي في الله إنها دعوة لنفسي ولكم ولأمة الإسلام أجمعين أن نتفكر في نعم الله علينا وفي تقصيرنا في جنب اللهº علَّ الجواد الكريم أن يولد في قلوبنا حياءً منه يدفعنا للاستغفار لتقصيرنا في جنبه في عامنا الماضي فنختم عامنا بتوبة واستغفار والأعمال بالخواتيم، ونستقبل عامنا القادم وكلنا عزم على بذل ما في وسعنا لشكر نعم الله العظيمة علينا، لنتواصى أحبتي على هذا المبدأ العظيم: التفكر في نعم الله وفي تقصيرنا في أداء حق الله علينا. ليكن سؤالنا الدائم هل أدينا حق الله؟. في أسرنا وفي أعمالنا وفي حينا وفي أُمَّتِنَا فهو الباعث على سلوك طريق السعادة والرضوان.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply