وقفة للمحاسبة مع نهاية العام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد: 

أخي المسلم الحبيب: هل خلوت بنفسك يوماً فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟.. وهل حاولت يوماً أن تعد سيئاتك كما تعد حسناتك؟.. بل هل تأملت يوماً طاعاتك التي تفتخر بذكرها؟!.. فإن وجدت أن كثيراً منها مشوباً بالرياء والسمعة وحظوظ النفس فكيف تصبر على هذه الحال، وطريقك محفوف بالمكارة والأخطار؟! وكيف القدوم على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار؟ قال الله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اتقو الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) [الحشر:18،19]. وقال - تعالى -: (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) [الزمر:54]. 

وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). 

عبادة وخشية.. وقد مدح الله - تعالى - أهل طاعته بقوله: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين هم بآيات ربهم يؤمنون، والذين هم بربهم لا يشركون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) [المؤمنون:57 - 61). وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال:(لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات) [الترمذي وابن ماجه واحمد]. 

أخي المسلم: هكذا كان سلفنا الكرام، يتقربون إلى الله بالطاعات، ويسارعون إليه بأنواع القربات، ويحاسبون أنفسهم على الزلات، ثم يخافون ألا يتقبل الله أعمالهم.

فهذا الصديق - رضي الله عنه -: كان يبكي كثيراً، ويقول: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وقال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد. 

وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: قرأ سورة الطور حتى بلغ قوله - تعالى -: (إن عذاب ربك لواقع) [الطور:7]. فبكى واشتد في بكاؤه حتى مرض وعادوه، وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه فيبقى في البيت أياماً يعاد يحسبونه مريضاً، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء!!. وقال له ابن عباس - رضي الله عنه - ما: مصر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح وفعل، فقال عمر: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر!!. 

وهذا عثمان بن عفان - ذو النورين رضي الله عنه -: كان إذا وقف على القبر بكى حتى تبلل لحيته، وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير!!.

وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: كان كثير البكاء والخوف، والمحاسبة لنفسه، وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى، قال: فأما طول الأمل فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply