بسم الله الرحمن الرحيم
أقسم الله - عز وجل - بالوقت ((الزمن)) في أكثر من موضع في القرآن الكريم مما يؤكد ما للوقت من أهمية عظمى في الإسلام يحاسب عليها الإنسان يوم الحساب، هل ضيعه في أعمال غير مجدية ــ غير نافعة ــ أم استخدمه في الأعمال الصالحة ــ.
وتعتمد فاعلية الرئيس ــ المدير ــ على مدى قدرته على توزيع أعماله على الوقت المتاح له وعدم تضييع ذلك في أعمال غير مجدية ولا تحقق الهدف المطلوب.
المقصود بالوقت:
يعرف الفيروز آبادي (ت 817 هـ) مصطلح الوقت باعتباره: ((المقدار من الدهر)) ص 208.
وهو بهذا يشير إلى أن الوقت هو الكم المقتطع من الزمن سواء كان هذا الكم قصيراً أو طويلاً.
وتقسيم الوقت وتوزيعه بما يسمح الاستفادة منه يمثل أحد اهتمامات الإدارة الحديثة المعاصرة وبما يعرف الآن بمفهوم إدارة الوقت، وفي هذا يشير الحميدي (1414 هـ) إلى أن إدارة الوقت تعني:
((ضبطه وتنظيمه واستثماره فيما يعود بالفائدة على الفرد والمجتمع سواء من ذلك وقت العمل والدراسة الذي يمثل التزاماً بين الفرد وبين الجهة التي يعمل فيها أو المدرسة والجامعة التي يدرس فيها، أو الوقت المتبقي بعد ذلك الوقت الخاص بالفرد ذاته، وكلا النوعين مترابطان: وقت العمل والوقت الحاضر ويؤثر كل منهما على الآخر.
فالاستخدام الأمثل للوقت الخاص يكون ذا تأثير إيجابي معين يعود على وقت العمل بالنسبة للموظف أو صاحب العمل أو الدراسة بالنسبة للطالب، والاستخدام السيئ للوقت الخاص أيضاً سوف يعود سلبياً على وقت العمل ووقت الدراسة، والفارق بين إدارة الوقت في العمل وإدارة الأوقات الأخرى، أن المدير لوقت العمل تتعدى إدارته لوقته إلى إدارة الآخرين الذين يعملون تحت إشرافه، في حين إدارة الأوقات الأخرى تكون إدارة ذاتية تخص الشخص نفسه وهو المسئول عنه والمتحمل لنتائجها))ص4.
أدلة من القرآن الكريم على أهمية الوقت:
من هذه الأدلة ما أقسم بها الله - سبحانه وتعالى - بالزمن:
1 ــ فقال - تعالى -: (والعصر إن الإنسان لفي خُسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) سورة العصر 1 ــ 3 وفي هذه السورة العظيمة أقسم الله - سبحانه وتعالى - بالعصر وهو الدهر والزمن والوقت، وقد ذكر القرطبي (ت 671 هـ) في تفسيره لهذه السورة: ((أي عصر أقسم الله به - عز وجل -، لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها، وما فيها من الأدلة على المصانع وجواب القسم إن الإنسان لفي خسر أي غبن)))جـ 20 ص 122).
ومن ذلك تتضح أهمية الوقت حيث بيّن الله - سبحانه وتعالى - أن من لم يعمل الصالحات من الأعمال المفروضة عليه فهو في خسران عظيم.
2 ــ قال - تعالى -: (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير) سورة فاطر 37. وقد علق على هذه الآية خلدون الأحدب (1407 هـ): ((لقد كانت أعماركم التي وهبناكم بين أيديكم تكفي لمن أراد أن يتذكر ويتفكر ويعمل صالحاً))ص 25.
ومن هذا المنهج القرآني الكريم يمكن أن نستخلص أهمية الوقت للإنسان المسلم حيث ألقى عليه هذا المنهج مسئولية استغلال الوقت الاستغلال الأمثل الذي يحقق مرضاة الله - تعالى - وفائدة الإنسان، فالوقت عنصر هام يجب على الفرد أن يتنبه إلى الاستفادة منه سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة المسلمة.
أدلة من السنة النبوية الشريفة في أهمية الوقت:
1 ــ عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما عمل به؟ وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟)) رواه الترمذي (جامع الأصول جـ 10، ص 436).
2 ــ عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)) رواه البخاري، (جـ 7، ص 218).
3 ــ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) رواه الحاكم في المستدرك، (جـ 4، ص 306).
4 ــ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)) مسند الإمام أحمد (جـ 3، ص 191).
وتؤكد السنة النبوية الشريفة على أهمية أن يتنبه الإنسان على استغلال الوقت في مراحل حياته المختلفة بداية من الصغر وحتى يتقدم به السن، كما تتسع هذه الأهمية لتشمل أهمية استفادة الفرد ليس فقط من وقت العمل بل أيضاً من وقت الفراغ بعد الانتهاء من العمل.
تطبيق مفهوم أهمية الوقت في صدر الإسلام:
ذكر الطبري في ــ الجامع الكبير ــ (ت 310 هـ): ((عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غداً، فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها، فقال عمارة: فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي))، (جـ 1، ص 1274).
وذكر ابن عبد البر في ــ جامع بيان العلم ــ (ت 463 هـ): ((عن نعيم بن حماد قال: قيل لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إن شاء الله))، (جـ 1، ص 96).
وذكر ابن قيم الجوزية (ت 597 هـ): (وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة فموت هذا خير له من حياته))، ص 184.
وعلى ذلك فإن المعنى الذي يذهب إليه ابن القيم أن الوقت بالنسبة للإنسان عنصر هام إذا لم يكن محسوباً له بخير فهو محسوب عليه بشر.
يورد هناد بن السري في ــ الزهد ــ (د. ت) عن الإمام الحسن البصري: ((إياك والتسويف، فإنك بيومك، ولست بغدك، قال: فإن يكن غد لك، فكس (الفطانه والعقل) فيه كما كست في اليوم، وإلا يكن الغد لك، لن تندم على ما فرطت في اليوم)) الجزء الأول، ص 289.
إدارة الوقت:
يشير الحميدي (1414 هـ):
((إلى زيادة الاهتمام بموضوع إدارة الوقت في علم الإدارة المعاصرة، وأن إدارة الوقت أصبحت من الموضوعات التي يتناولها علماء الإدارة في أبحاثهم وكتاباتهم المتنوعة، كما يشير وتر (wetter) إلى وظائف الإدارة التقليدية من تخطيط وتنظيم وتدريب وتنسيق وتوجيه وإشراف ورقابة ومتابعة باعتبارها سلسلة يجب أن تنفذ من خلال دورة زمنية محسوبة بدقة تتضمن سرعة الإدارة وفاعليته. كما تناول آخرون ــ درويش، والحمامي ــ مفهوم الترويح وأوقات الفراغ ودور المؤسسات التربوية في استغلالهم والاستفادة منتهم)). ص 5.
أهمية الوقت للإدارة التربوية:
تتضح أهمية الوقت للإدارة التربوية المدرسية من قدرة العاملين على تحقيق الاستفادة المثلى من الوقت المتاح للعمل المدرسي، والاستفادة من هذا الوقت في تنفيذ المنهج المدرسي بكل أنشطته المختلفة في الوقت المحدد له.
كذلك تتضح هذه الأهمية في استغلال جميع العاملين بالمدرسة والطلاب الدارسين بها للوقت المتاح فيما يفيد الجميع ويحقق الأهداف المدرسية التي وجدت من أجلها المدرسة، ولا تقتصر أهمية الوقت على الاستفادة من المدرسة خلال وقت الدوام الرسمي بل تمتد لتشمل قدرة الإدارة المدرسية فيما يتعلق بوقت الفراغ الذي يمكن أن يستغل لصالح الأنشطة الترفيهية والأنشطة المجتمعية المفيدة لكل من الطالب والبيئة التي يعيش بها.
وتتمثل أيضاً أهمية استغلال الوقت أمام الإدارة المدرسية باعتباره نموذجاً تعليمياً تقدمه للنشء الصغير كمثال يحتذى من قبل الطالب في الاستفادة من الوقت في حياته الشخصية.
تطبيق مفهوم أهمية الوقت:
أساليب تطبيق مفهوم أهمية الوقت كما يراها الباحث ما يلي:
1 ــ احترام الوقت والقدرة على تثمينه.
2 ــ التبكير في الحضور للمدرسة والخروج بعد مغادرة جميع العاملين بالمدرسة.
3 ــ الاستفادة من وقت الدوام المدرسي وذلك بوضع جدول زمني لأعمال المدرسة اليومية والأسبوعية والشهرية ونهاية الفصل الدراسي.
4 ـ إنجاز الأعمال الأكثر أهمية أولاً حسب قاعدة: الأهم فالمهم.
5 ــ وضع جدول زمني لخطة العمل يساعد في تنفيذها بالشكل المطلوب.
6 ــ تقسيم المعلم للمنهج المدرسي وأنشطته المصاحبة زمنياً على مدى شهور السنة الدراسية.
7 ــ حث المعلمين على توزيع أنشطة الدرس على زمن الحصة.
8 ــ تحديد أوقات زمنية للاجتماعات المدرسية المختلفة.
9 ــ وضع جدول أعمال يعرض على الأعضاء قبل الاجتماع بفترة زمنية مناسبة.
10 ــ تقسيم العمل اليومي للإدارة المدرسية بما يكفل التوزيع الصحيح للوقت المتاح أما واجبات الإدارة المدرسية بحيث لا يطغى جانب على الآخر.
11 ــ جدولة المواعيد التي تتعلق بالمقابلات الخاصة واستقبال الضيوف في أثناء اليوم المدرسي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد