بسم الله الرحمن الرحيم
سَيَحمَرَّ الأربعاء القادم بشتى صور الحياة، ولاسيما روافد حياة الشبان والشابات، ها هو الجاكيت قد احمَرَّ وقابله احمرار البلوزة، واحمَرَّ البنطلون وقابله مثله من بنات حواء، احمَرَّ الشراب والحزمة وحَمَّرَت شقيقة الرجل شرابها وحزمتها، اَحمَّر الشعر وحَمَّرت شعرها...
وستَحمَرَّ السيارة بصبغة حمراء عارضة، وستحمر واجهات المنازل بلمبات حمراء، وسيفرش البيت بمفارش حمراء، وستطلي شوارع المدينة بطلاء أحمر، وستجد أواني المطبخ في ذلك اليوم حمراء، وسترى الحمرة في المأكولات والمشروبات، من كعك وحلوى وبسكويت، وسيصبغ الناس أجسادهم كلها ببودرة حمراء، لا ترى الفرد منهم إلا بعبعا أحمر.
ما دلالة هذا الاحمرار؟ أثورة بلشفية شيوعية روسية استولت على العالم؟ أو حرب كونية سيشنها أعداء البشرية لتَحمَرَّ الأرض بدماء البشر؟ هذا الذي يعرفه التاريخ البشري من تعميم اللون الأحمر.
غير أن الممتثلين لهذا اللون لهم تفسير غير التفسيرين السابقين، فهم يرون في الحمرة علاقة الحب وغرس الود بين البشر، ما اغرب هذا المنهج، رفع السيف على الرقبة وإخبار الضحية بأن السيف لحبك، منطق معوج، لا يستقيم مع أدني معايير البشر، ولكن هذا هو واقع الأربعاء المشهود.
إنه يوم فلنتائن، الذي يقدسه الشباب والشابات، انه يوم 14 فبراير من كل عام، يوم يمتاز فيه اللون الأحمر عن بقية الألوان، فمن هو فلنتائن؟ وما حقيقة هذا الحب؟ وما حقيقة الذكرى التي تقام لهذا الرجل في جميع أنحاء المعمورة، بما في ذلك العالم المنتسب إلى الإسلام.
يذكر التاريخ النصراني أن فلنتائن كان داعيا من دعاة النصرانية، في زمن الإمبراطور كلوديوس الثاني الروماني، في القرن الثالث الميلادي، واصدر امرأ بمنع جنوده من الزواج، لئلا تنخفض قدراتهم القتالية، وأدرك فلنتائن معارضة هذا القرار لطبيعة البشر، فأخذ يعقد عقود الزواج للمقاتلين سراً.
واني لفي شك من هذه الرواية، لأنها لا تنسجم مع واقع دعاة التنصير، منذ صلب المسيح- حسب قولهم - حتى هذا اليوم، فإنهم يرغبون الناس في العنوسة والترهب، فكيف أصَدِّق داعية التنصير يدعو إلى نقيض مبادئه، قال - تعالى -(ثُمَّ قَفَّينَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّينَا بِعِيسَى ابنِ مَريَمَ وَآتَينَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأفَةً وَرَحمَةً وَرَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبنَاهَا عَلَيهِم إِلَّا ابتِغَاء رِضوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَينَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنهُم أَجرَهُم وَكَثِيرٌ مِّنهُم فَاسِقُونَ) (الحديد: 27).
وتروى الكنيسة رواية تختلف عن الرواية السابقة، وإن فلنتائن كان من الرجال المُفَوَّهين ذو تأثير في العامة، وكان يدعو إلى النصرانية علنا في التجمعات العامة، حاول الإمبراطور كلوديوس الوثني إقناع فلنتائن بأن يترك هذا المنهج ويتبع الوثنية، ويصبح داعية من دعاتها، فلم يرضخ لهذا الطلب، فأعدمه الإمبراطور يوم 14 فبراير عام 270 من الميلاد، فهو إذن شهيد النصرانية.
ويحاول مؤرخو عيد الحب، الجمع بين رواية عيد الحب الوثني الروماني (لوبركيليا) ذات الذئبة والكلبة والعنزة........ وإجراء عقود الزواج من فلنتائن وإعدامه من أجلها، فقد كان عيد لوبركيليا يقام يوم 15 فبراير، و تم إعدام فلنتائن يوم 14 فبراير، فربط مؤرخو عيد الحب بين الحادثتين، فجعلوا الإعدام امتدادا للوبركيليا.
بينما المحيون لذكرى عيد الحب ينسبونه إلى فلنتائن فحسب، فهو منبع الحب والغرام، والمُوَصِّل الحقيقي بين السالب والموجب.
والذي يظهر لي من تتبع تاريخ فلنتائن، ودراسة حياته من مختلف الوجوه، أن الرجل كان غراميا، لم يكن داعية النصرانية ذات يوم من الأيام، بل كان داعية مجون وهوس شهواني، فهو في التعبير الديني داعية الزنا والإنفلات الجنسي، فهو مجرم في نظر كل دين يدعو إلى الفضيلة، والذي يقود كل عاقل إلى هذا الاستنتاج، أمران واضحان كوضوح الشمس.
1. الشيخوخة امتداد لمرحلة الشباب، ومرحلة شباب فلنتائن شِبه مجهولة، لكن مرحلة شيخوخته بارزة للعيان، لا ينكرها أحد من البشر، فبعد أن أودعه كلوديوس السجن اخذ يغازل ابنة رئيس السجن، ويحاول إقامة علاقات الغرام معها، وكانت أوربا آنذاك متزمتة في باب الجنس، وكانت الكنيسة تدعو إلى الترفع عن ممارسته حتى في شكله الحلال.
فاجتمع على فلنتائن غضبان، غضب الإمبراطور، وغضب رئيس السجن ثَأراً لعرضه، وما المانع أن يكون غضب الإمبراطور جاء من منطلق أن فلنتائن كان من دعاة الرذيلة، ويؤيد ذلك أن الرجل كان يجمع الشبان والشابات داخل بيته، كما ذكرته الروايات الفردية المؤرخة للعهد الروماني.
2. قدس الغرب ذكر فلنتائن، فكثر الزنا وانتهكت الأعراض باسم عيد الحب، (يوم فلنتائن) حتى اضطرت كنيسة البابا الكاثوليكية إلى التدخل، فثار رجال الدين الكاثوليك في معقلهم في إيطاليا، فتم منعه وإبطاله، وتلك دلالة أكيدة أن الرجل لم يكن من دعاة الفضيلة، وإنما كان من دعاة الرذيلة، وضمته الكنيسة إلى مشاهير القديسين لكثرة أتباعه، من المتفلتين جنسيا، ليزداد سواد أتباعها.
بعد هذا السرد التاريخي الطويل أعود بك إلى صلب القضية، ما الحكم الشرعي والفطري في الاحتفال بهذا العيد؟
لقد اجمع علماء الإسلام القدامى والمعاصرون على تحريم الاحتفال به، والمشاركة فيه، او مد يد العون اليه، بناء على الأدلة التالية: -
1. انه عيد الرذيلة والانفلات من الفضيلة، وكل ما يقود إلى ذلك فهو محرم في شرع الله، قال - تعالى -(وَلاَ تَقرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (الإسراء: 32). والاحتفال بعيد الحب جزء من التقرب إلى الزنا، فهو إذن محرم بنص القرآن الكريم.
2. التشبه بالكفار منهي عنه شرعا في كل روافد الحياة الخاصة بهم، فقد صح من قوله - صلى الله عليه وسلم - (من تشبه بقوم فهو منهم) وعيد الحب كما سبق ذكره جزء من حياة الغرب الخاصة، لإشباع السعار الجنسي المحرم، والمحتفل به يصدق عليه النص النبوي الشريف، فليَختر المسلم لنفسه مكان الاقتداء والتشبه.
3. صح من قوله - صلى الله عليه وسلم - (من تشبه بقوم حُشر معهم) فمن أحب من المسلمين أن يحشر مع النصارى الكافرين، فليشاركهم في عيد الزنا ومقدماته.
4. من المعروف في تاريخ البشر أن المصطلحات والشعارات تحمل خلفيات معينة، فكل امة تتبني مصطلحاً لابد أن تأخذ من خلفياته الحسنة والسيئة، لذلك لم يعم الإسلام أرجاء المعمورة إلا بمصطلحاته، وما حملته من خلفيات شرعية، فليبحث الممتثل لعيد الحب الخلفيات التي سينقاد لها.
5. أعياد المسلمين محصورة في عيد الجمعة الأسبوعي، وعيد الفطر وعيد الأضحى السنويان، وما سوى ذلك من الأعياد فهي أعياد بدعية محرمة، (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
6. في الاحتفال بعيد الحب موالاة لمن ثَلَّثَ الإله وجعل لله ولداً، وموالاة الكافرين محرمة شرعا، قال - تعالى - : (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ, وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51).
7. المُهَنِئ بهذا العيد والمُهدِي فيه والبائع لأدواته: - من وردود وألبسة حمراء مشارك في الإثم والعدوان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (كما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم بهم في ذلك، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك، لأن في ذلك إعانة على المنكر) اقتضاء الصراط المستقيم 2/519.
ويقول ابن القيم - رحمه الله - (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالإنفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول عيد مبارك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سَلِم قائلُه من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مَقتا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه) أحكام أهل الذمة 1/ 241.
8. كل بيت دخله عيد الحب بأي لون من ألوانه فهو بيت فيه ضعف عقدي واضح، وصمام الأمان فيه غير متين، فليبدأ بتقويته، والحَجر على ما يوهن هذا الصمام، ووضع الحجر بجوار الحجر يكون الجدار، ووضع الجدار بجوار الجدار يكون الغرفة ووضع الغرفة بجوار الغرفة يكون البيت، ووضع البيت بجوار البيت يكون الحي، ووضع الحي بجوار الحي يكون المدينة، والعكس بالعكس.
وهكذا ستتسرب عادات الكفار وتدخل إلي حياة المسلمين رويدا رويدا، فعيد الحب، ثم المشاركة في احتفال كرسمس، ثم إهداء قلادة الصليب إلي الصديق النصراني، ثم المشاركة معه في الذهاب إلي الكنيسة.......، فمن أراد عِلِيَّة الإسلام فليبدأ بتقوية معتقده، ثم معتقد أهله، ثم ينتقل بعد ذلك إلى جيرانه وأقربائه، حتى يعم الخير، فلنبدأ بتحصين المجتمعات الإسلامية من هذه الأوبئة الدخيلة، فيصدق فينا قول الحق تبارك - تعالى - : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ) (العنكبوت: 69).
أسأل الله أن يعيد شباب الإسلام وشاباته إلى حقائق هذا الدين، والابتعاد عن كل تقليد دخيل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد