محاربة الإرهاب بالمفهوم الأمريكي تعادل.. احتكار القوة

بسم الله الرحمن الرحيم

فلسطين المحتلة:

 (الولايات المتحدة هي الضامن للنظام الدولي، لذلك يجب أن نتصرف باستقلالية في حالة وقوع كارثة تتطلب رد فعل سريعاً، أو عندما يصعب تجميع موقف عالمي موحد) (وثيقة من البنتاجون بإدارة بول وولفويتز(نائب وزير الدفاع الأمريكي الحالي وهو يهودي أمريكي).

البنية العقلية الأمريكية يطغى عليها منطقان: الأول منطق القوة واعتبارها كمفهوم مستقل قيمة بحد ذاتها بل هي لب منظومة القيم في الثقافة الأمريكية. 

والثاني: منطق أو لغة المصالح المجردة من أية أبعاد أخلاقية. والتمثيل المبسط لهذه الحقيقة الماثلة صورة الكاوبوي الأمريكي الذي يشهر مسدسه ويطلق النار ويقتل ببساطة متناهية من أجل بضعة دولارات.

أما الكاوبوي الأمريكي السياسي فهو في سياسته الخارجية ترجمة ميدانية كربونية وحرفية للحقيقة المذكورة آنفاً. والتاريخ السياسي الأمريكي عبارة عن سجل إجرامي من المذابح ضد العنصر البشري بكافة أعراقه ومعتقداته، فباكورة هذا التاريخ بدأت بالمجازر القاسية ضد قبائل الهنود الحمر مروراً بالقصف الهمجي للمدن الفيتنامية وإمطار البشر العزل ومواشيهم ومزارعهم بالمواد الكيماوية السامة وكذلك الدسائس الاستخباراتية الأمريكية في أندونيسيا التي قتل بسببها مئات الآلاف من الأبرياء في عهد سوكارنو وامتداداً لكوريا الجنوبية وحتى مؤامرات المخابرات الأمريكية في أمريكا اللاتينية التي راح ضحيتها ملايين البشر , وفي محطة ليست بعيدة زمنياً عشرات القرى الأفغانية التي اختفت عن الخارطة بأطفالها ونسائها من جراء بارود الحرية الأمريكية. ومن يرغب الاقتراب من هذه الصورة المفزعة للضمير الإنساني فليطالع كتاب (الغزو مستمر) للكاتب الأمريكي اليهودي (نعوم تشومسكي)، الذي يشير إلى أن ضحايا السياسة الأمريكية قد بلغوا عشرات الملايين من البشر.

 كل هذه المذابح البشرية الرهيبة تدرج بكل بساطة في وكالة الأمن القومي الأمريكي على أنها أحداث جرت بحجج تحت عناوين مزركشة مثل.. حماية الأمن القومي الأمريكي.. الدفاع عن المصالح الحيوية الأمريكية.

أما المثال الأبرز للنموذج اللأخلاقي للسياسة الأمريكية والمفرغ من أية أبعاد أخلاقية فلا شك أنه في الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص الملف الفلسطيني. فالعدالة الأمريكية وبلا حدود جعلت من المقاوم الفلسطيني صاحب الحق المدافع عن أرضه والمقتلع من جذوره إرهابي يستحق المطاردة الدولية، أما الجزار المعروف على مستوى دولي بفظاظته فهو رجل سلام وحمامة وديعه تحمل بمنقارها غصن الزينون.. ولكن على الطريقة الأمريكية. وتركت لهذا المقاول الأمني – شارون-  في سياق الحملة المزعومة لمكافحة الإرهاب أن يضرب بقسوة غير مسبوقة مثلما جرى في مخيم جنين وحي القصبة بنابلس ورام الله لدرجة أن الجيش الصهيوني دفن الأبرياء العزل وهم أحياء. والأدهى من ذلك أن العدالة الأمريكية عطلت مجرد إرسال لجنة تقصي حقائق مهمتها لن تتعدى مقابلة ذوي الضحايا ومشاهدة مسرح الجريمة.

جنكيز خان الأمريكي – بوش - المتدثر بعباءة الديمقراطية يعلن بكل فظاظة في حملته المزعومة ضد الإرهاب .. من لا يقف معنا فهو ضدنا.. وبسبب فائض القوة الذي يمتلكه وخضوع الأطراف لهذا التهديد من القطب الأوحد فالمعادلة تعني أن الخطاب الأمريكي ما هو إلا إرهاب دولي – إمبراطوري- لتخويف كافة ولايات العالم التابعة للتاج الأمريكي. وفي خطاب حالة الاتحاد قبل عدة أشهر حدد بلهجة الوصي الدولي دول محور الشر وفق المقاس الأمريكي ودون مناقشة حتى حلفائه.  وبطبيعة الحال فدول محور الشر هذه ستقع تحت وطأة رحى الطاحونة الأمريكية الثقيلة وجريمتها فقط أنها تنتج أسلحة دمار شامل.. وكأن المنطق الأمريكي يقول: ليس من حق الضعفاء أن يصبحوا أقوياء. وموازين توزيع القوة يجب أن تنتظم وفق خارطة المصالح الأمريكية. وبالتالي فالمعادلة الأمريكية تقرر التالي: أمريكا هي الأقوى وثقافتها هي الأسمى وبآليات العولمة سيجري تسويقها عالمياً .. والحلفاء هم نادي الأقوياء من الدرجة الثانية.. والأصدقاء.. الدول لتابعة التي تدور في الفلك الأمريكي.. أما محور الشر فهم مناهضو السياسة الأمريكية.

رغم هذه العنجهية الأمريكية يدعي بوش في أحد تصريحاته الأخيرة أن قلبه يتقطع لمستقبل أطفال فلسطين ومستقبلهم.. وحاجتهم للغذاء والدراسة.. وهو برؤيته الإنتاجية الاستهلاكية هذه يقزم قضية فلسطين من حالة تحرر وطني إلى مسألة تحسين مستوى المعيشة. ويصف عرفات عندما مال قليلاً باتجاه التعاطف مع المقاومة وغض الطرف عنها بأنه زعيم خان آمال شعبه وتبعاً لذلك فأجهزة الاستخبارات لسلطة الانتداب (الأمريكي) تدرس الآن تشكيل سلطة فلسطينية جديدة وفق المقاس الأمريكي.. وبالسنتمتر، وكأننا شعب قاصر سياسياً وغير ناضج لكي يشكل نظامه السياسي بنفسه.

أمريكا..تريد أن تقنعنا بسبب مصالحها مع الصهاينة أن جهادنا ومقاومتنا إرهاب يجب أن يتوقف.. واستشهاديونا انتحاريون .. محبطون.. وعلى الجميع في المنطقة أن يصنعوا لهم أفقاً سياسياً ويعملوا على تحسين معيشتهم  حتى يمتنعوا عن الانتحار..

هكذا بكل صفاقة تريد أمريكا أن تعلمنا.. ما هي مصالحنا.. وكيف نحققها؟ وتتطوع غير مشكورة لتفقهنا كيف نتعاطى مع منظومة قيمنا.

لكن ليس الغريب أن تفعل أمريكا ذلك.. فهي متسقة بهذا الفعل مع نفسها وتاريخها المزدحم بالتناقض والمجازر، ولو فعلت غيره لخرجت من جلدها.. الغريب والمحزن بدرجة أكبر أن يقتنع بعضنا بطروحاتها ويتماهى في سياستها، والأدهى أن البعض يتعاقد معها في مقاولات أمنية بالباطن لتحقيق مآربها!!