بسم الله الرحمن الرحيم
ربما تكون أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من حرب موسعة على الإرهاب بدأت أولى حلقاتها في أفغانستان، هي النموذج الأوضح والأجلى للاستراتيجية الغربية - الأمريكية الجديدة والقديمة في الوقت نفسه -، والقائمة على افتعال الأزمات، وإيجاد الصراعات في مناطق مختلفة من العالم، والسيطرة بشكل أو بآخر على مقدرات الشعوب، وكسر إرادتها.
في ظل هذا الجو المشحون بالريبة والتوجس الشديدº أصبح العرب والمسلمون في موقف لا يحسدون عليه، حتى غدت أقصى أمانيهم هي تبرئة ساحتهم من الإرهاب ليس إلا!!
وعندما يطالع العرب والمسلمون يوماً بعد يوم تلك التصريحات والتحليلات التي يقدمها المسئولون والمفكرون والكتاب في الغرب - وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية - تزداد قناعتهم أنهم هم المستهدفون دون غيرهم عبر مأساة أفغانستان.
أي إن الدعوة إلى التفرقة والاستكبار ومحاصرة العالم الإسلامي، ثم ضرب قطاع عزيز منه، تتم وراء ستار كثيف من الدخان الذي تعلوه سحابة "النصب السياسي".
وهذا الاستطلاع محاولة لوضع النقاط على الحروف، ووضع القطار على قضبانه الصحيحة، من خلال استلهام آراء نخبة من الساسة والدبلوماسيين والمحللين والخبراء وأساتذة القانون والعلماء والمفكرين:
مفهوم صراع الحضارات:
في البداية يتحدث الكاتب الإسلامي المعروف الأستاذ: فهمي هويدي عن مفهوم صراع الحضارات فيقول:
إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تعيش مرحلة الصدمة حيال أحداث 11 سبتمبر، رغم مرور عام كامل على هذه الأحداث، وما تروجه إدارة بوش الابن في هذه المرحلة هي ردات فعل متتالية ناشئة عن الصدمة الكبرى التي هزت كيان الولايات المتحدة الأمريكية، فالإدارة الأمريكية تريد أن تتخلص من كابوس سبتمبر من خلال صنع أجواء سياسية في العالم تمكنها من استعادة أسطورة سلطتها كقوة عظمى وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وما قامت به الولايات المتحدة في أفغانستان، وما تخطط للقيام به في العراق، كل ذلك يشير إلى أن أمريكا تتجه بشدة نحو الغطرسة، وفرض توجهاتها الاستراتيجية على الجميع بقوة الحديد والنار، وهذا هو ما يهمها الآن.
وكان الأهم من ذلك أن تدرس الإدارة الأمريكية جذور تلك الأحداث العاصفة، وتحلل أسبابها بعمق، والذي يدعو لبعض الارتياح أن هناك نفوراً وغضباً في كثير من العواصم الأوروبية تجاه السياسة الأمريكية، ويرى الكثيرون من المفكرين أن أحداث سبتمبر كان من المفترض أن تعيد إلى أمريكا صوابها، وتحد من جموحها، كان من المفترض أن يشعر الأمريكان أنهم يعيشون في عالم يعج بالثقافات والأفكار والتوجهات والبشر، وليس عالماً خاصاً بهم، وحكراً عليهم، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً، حيث راحت أمريكا تعمل تحت لافتة "صراع الحضارات"، واعتبرت نفسها الطرف الأرقى والأكثر تحضراً، وصاحبة الحق بالنصر والسيادة، وكأنها ألصقت ذلك العمل الإرهابي بالمسلمين لتشعل نار الحرب والعداوة.
وأنا لا أنفي وجود ذلك الصراع القديم بين الشرق والغرب عموماً، وبين الغرب ومنطقة الشرق الإسلامي خاصة، ولكن الذي أضحى بارزاً بوضوح على الساحة العالمية في الآونة الأخيرة هو تلك الازدواجية المكشوفة التي أصبحت تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك الانحياز الأعمى للمصالح الإسرائيلية على حساب الحق العربي، وصارت لافتة الإرهاب ترتفع بعنف في وجه من يطالب بحقه، أو ينادي برفع الظلم عنه، فما بالك إذا حاول الطرف المغلوب على أمره الدفاع عن نفسه ومقدساته وأرضه، فهو عرضة في هذه الحالة لحرب ضروس كي يركع ويرفع الراية البيضاء.
والولايات المتحدة تتحمل القسط الأكبر من تفاقم الأزمة وازدياد حدة العنف في منطقة الشرق الأوسط، فهي تصب الزيت على النار بانحيازها السافر لإسرائيل، وتعاميها عن الحق العربي الواضح، ثم نراها تطالب الطرف المجني عليه بالتوقف عن أعمال العنف، أي منطق معكوس هذا؟ وأي نظرية مقلوبة هذه؟
إرهاب الدولة المنظم:
ويتناول الحديث الأستاذ محمد صبيح مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية فيقول:
الانحياز الغربي لإسرائيل ليس جديداً، واتهام الفلسطينيين بالعنف والإرهاب ليس جديداً، ولكن الجديد في الموقف أن هناك مؤشرات على تدخل أمريكي سافر وعلني سواء بالضغط أو التهديد بالحرب المباشرة لتصفية ما تصفه السياسة الأمريكية بالبؤر الإرهابية، وخاصة تلك التي تقلق مضاجع الإسرائيليين، فالمساندة الأمريكية لإسرائيل لم تكن مكشوفة وصريحة إلى هذا الحد من قبل، ومن ثم فقد أصبحت الإشارة خضراء أمام إسرائيل لتفعل ما تريد بقوة الحديد والنار، وطائرات الأباتشي، وبمساندة أمريكية قوية تدعم وتساند وتسكت المعارضين للسياسة الإسرائيلية.
وأصبحت المقاومة الفلسطينية المشروعة على رأس قائمة الابتزاز والمساومة والتربص منذ أحداث سبتمبر، فإسرائيل سعت إلى ركوب موجة الإرهاب لتعيد خلط الأوراق بين المقاومة والإرهاب، ونالت الرضا من البيت الأبيض في ممارسة إرهاب الدولة ضد النساء والأطفال والشيوخ ورموز المقاومة الفلسطينية.
وتحت ستار الحرب على الإرهاب راحت إسرائيل تمارس إرهاب الدولة المنظم في المحيط الفلسطيني بمباركة أمريكية، مثلما راحت أمريكا نفسها تمارس الإرهاب على المستوى العالمي، وأصبح العالم منقسماً إلى معسكرين: معسكر تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، ومعسكر مغلوب على أمره وإرادته يناضل من أجل حريته واستقلاله، وصار هناك محور للخير وتمثله أيضاً أمريكا وحلفاؤها، ومعسكر للشر وتمثله في المقابل بعض الشعوب المضطهدة أساساً والمعتدى على حريتها واستقلالها.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت بعد سقوط حكم طالبان في أفغانستان نهاية المرحلة الأولى من الحرب الطويلة ضد الإرهاب، فإن شارون أعلن أيضا عن تلك الخطوة بعد إعادة احتلال أراضي السلطة الفلسطينية، وتصفية عدد كبير من قادة المقاومة والنضال، ليبدأ المرحلة الثانية من حربه التي يشنها تحت راية الحرب على الإرهاب، وإقامة ما يطلق عليه الجدار الواقي، والاستمرار في عملية الاغتيالات، والعقاب الجماعي، وإسرائيل تسير على خطى الولايات المتحدة، وهي تريد إبقاء مشهد النهاية مفتوحاً لتصفية المقاومة، والانفراد بالسلطة الفلسطينية.
وليس من شك في أن إسرائيل تسعى إلى توسيع نطاق صراعها مع الفلسطينيين ليشمل كامل المنطقة بهدف القضاء على ما تطلق عليه القوى الإرهابية في الشرق الأوسط، ويساعدها على ذلك بالطبع قيام الولايات المتحدة الأمريكية بشن حرب على القوى الإسلامية في العالم سواء بالتدخل العسكري المباشر، أو أسلوب الضغط والمناورات السياسية والخدع الاستخباراتية.
لافتة 11 سبتمبر!
أما فضيلة د. أحمد الطيب مفتي الديار المصرية فيؤكد أن:
حادث 11 سبتمبر تم استغلاله بصورة سيئة في قتل المسلمين في أفغانستان وفلسطين، وتحت لافتة 11 سبتمبر أعيدت ترتيبات كثيرة في وسط آسيا، وأصبح لأمريكا قواعد ومعدات عسكرية ضخمة، وتغيرت خارطة أفغانستان، وتم تشريد الآلاف، والتقط الإسرائيليون الضوء الأخضر في قتل الفلسطينيين، وتدمير البيوت، واغتيال المقاومة والشعب الفلسطيني أطفالاً ونساء وشيوخاً.
والذي حدث في أمريكا في 11 سبتمبر إرهاب لا يرضاه مسلم أو غير مسلم، والعالم الإسلامي كله أنكر ذلك، لكن استغلال الحادث في ارتكاب إرهاب أكبر ضد أبرياء لا ذنب لهم ولا جريرة هو الإرهاب بعينه، فما يحدث في فلسطين الآن هو إرهاب، وإذا كنا قد استنكرنا ما حدث في أمريكا 11 سبتمبر فإننا لا نجد أحداً يستنكر ما يقع على المسلمين من إرهاب، وأنا أرى أن عالم الألفية الثالثة أقرب إلى عالم الغاب.
وكل الذي حدث في عالم ما بعد 11 سبتمبر أن الإرهاب أصبح مرادفاً للإسلام، ومستوى التعامل في الغرب والشرق يعكس كراهية عميقة ودفينة للإسلام.
ازدواجية المعايير
ولسماحة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي كلمة في هذا الإطار حيث يقول:
"ازدواجية المعايير" هذا ما جنيناه بعد 11 سبتمبر، فأمريكا تهدد بضرب الإرهاب في أي مكان، ومن أسف أنها ترى الأماكن التي ينبع منها الإرهاب إسلامية مئة بالمئة، وكان الأجدر بها أن تتوجه صوب إسرائيل، وتوقف الجرائم البشعة التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني الأعزل بدلاً من التهديد بضرب دول عربية وإسلامية، وقد تمادت أمريكا في الكيل بمكيالين، وهذا ظلم بيِّن ومخالف لشريعة الله والعقل الإنساني السليم، فحين يطلق بوش على شارون رجل السلام، ويسمي جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين دفاعاً عن النفس، فإننا نجده يدرج المقاومة الفلسطينية المشروعة على لائحة الإرهاب.
فحتى الآن ليست هناك أدلة قطعية تجزم بأن العرب والمسلمين هم الذين اقترفوا أحداث سبتمبر، ولا شك أن ما حدث هو جريمة نكراء بكل المقاييس، فالذين قتلوا في هذا العدوان منهم المسلم والمسيحي والغربي والأوروبي والإفريقي، وجميعهم موظفون من جنسيات مختلفة يؤدون عملهم ولا ذنب لهم ولا جريرة، وإذا كان من حق الدولة التي وقع على أرضها العدوان أن تبحث عن مرتكب الواقعة، وتقدمه للعدالة كي يحاسب، فليس من حقها أن تلصق التهم بالأبرياء، ولا أن تعاقب شعباً بأكمله لمجرد الشك والشبهة، وليس من حق أمريكا أن تتهم الناس زوراً وبهتاناً بفعلة لم يقترفوها، ولا شك أن إلصاق التهمة بالعرب والمسلمين هو لون من التسرع في الحكم.
وإن ما يحدث على الصعيد العالمي الآن أمر محير ومربك، ولا شك أن وراءه مؤامرة تستهدف النيل من الإسلام والمسلمين.
سقوط الأقنعة
الكاتب والمفكر الإسلامي د. مصطفى محمود يتحدث عن سقوط الأقنعة بعد الحادي عشر من سبتمبر فيقول:
ما حدث بعد 11 سبتمبر أن الحضارة الغربية أسقطت كل الأقنعة ومزقتها بيديها فأسفرت عن وجهها الحقيقي، فهي حضارة لا تؤمن إلا بالقوة، ولا تعرف إلا صراع المخلب والناب.
تلك هي قواعد اللعبة التي تجري حولنا، وعلينا أن نتقنها ما دمنا أصبحنا طرفاً فيها، فما يحدث أمامنا أصبح شيئاً غريباً، وأصبح تهويلاً مبالغاً فيه، فاليوم نرى بداية عصر جديد تنفرد فيه أمريكا بالسيطرة على مصائر كوكب الأرض دون منازع، ونراها تدفع بالحوادث على مرادها، وتحرك مجلس الأمن، وتسوق هيئة الأمم المتحدة، وتقوم بتأديب كل من يخرج على الخط، ولن تكون أمريكا قوة محايدة أبداً، فموقعها من قضيتنا الكبرى وإسرائيل معلوم، ومساندتها للظلم الإسرائيلي بالدعم والتأييد والفيتو كلام قديم ومعاد، وإمدادها للترسانة الإسرائيلية بالأسلحة النووية والكيماوية وبأحدث معدات الحرب الحديثة حقيقة مشهورة ومعلنة.
وأعتقد أن الأيام القادمة تحمل مفاجآت عديدة، وأن خريطة القوى سوف تتغير، ربما بصعود ألمانيا واليابان، وربما كتلة الدول الآسيوية، والدول العربية لن تظل منقسمة على نفسها إلى الأبد، وبعد سنوات سوف يصبح العرب أغلبية داخل إسرائيل نفسها بدون حرب، فقط بمجرد ازدياد معدلات التناسل العربي على التناسل الإسرائيلي.
ولن تنفع إسرائيل قنابلها الذرية، لأن أي قنبلة تلقيها إسرائيل في فنجان الشرق الأوسط سوف ترتد عليها قبل غيرها بالإشعاع الذري، والغبار الذري، ولن تنفع إسرائيل صواريخها بعيدة المدى، فكل الدول العربية سوف تمتلكها وبعدد أكبر.
واجتماع كلمة العرب وحدها سيكون سلاحاً أمضى من جميع الأسلحة.
والعالم الآن الذي أصبح أحادى القطب تقف على رأسه أمريكا تلوح بعضلاتها الحديدية، هذا العملاق المنفرد بالسيطرة لا تثير قوته العسكرية اطمئناناً لأن القوة العسكرية وحدها لم تعد كافية لضمان استمرار الزعامة، ولا أدري كيف ستعود الثنائية الجدلية إلى عملها، وكيف سيحمي الله ضعفاء خلقه، ولكن سنن الكون تسير باطّراد ثابت، والله لن يغير قوانينه خوفاً من أمريكا.
إسرائيل راعية الإرهاب:
ويؤكد د. أحمد صدقي الدجاني أن ما نال المسلمين والعرب على يد الصهيونية خاصة بعد أحداث الحادي عشر هو في حد ذاته إرهاب ليس له نظير ويقول:
اليوم وبعد مرور أكثر من عام على أحداث سبتمبر 2001م تم إعلان الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، واستثمارها للحدث في إنزال أفدح العقوبات والخسائر بالعرب والمسلمين خاصة، بل والقيام بأعمال الانتقام العسكري والاقتصادي بصورة منفردة، أو من خلال توظيف قوتها الكبيرة في مجلس الأمن، وقد مست أعمال الانتقام هذه حقوقاً جوهرية للإنسان في أفغانستان والعراق وفلسطين، وذلك بالتناقض مع أصول القانون الدولي وجوهره، بما في ذلك نصوص المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما أن هذا العدوان السافر الذي تقوم به الولايات المتحدة بصورة مباشرة وغير مباشرة والذي ينال العرب القسط الأكبر منه لا يمكن تبريره قانوناً أو من خلال الأعراف والتقاليد الواجب مراعاتها في مجتمع دولي ديموقراطي ومتحضر، كما لا يمكن تبريره بأخطاء جسيمة تنسب إلى حكومات الدول العربية التي نالت القدر الأكبر من العدوان الأمريكي.
ويلفت النظر أيضاً - في هذا السياق - أنه رغم القلق الذي تبديه حكومات دول غربية أخرى في غرب وشمال أوروبا، وفي العالم ككل، وخاصة روسيا والصين مما تقوم به الولايات المتحدة الآن تحت دعوى الحرب على الإرهاب، فمن أسف أن هناك بعض الحكومات العربية لم تحتج على هذه الانتهاكات لسيادة الدول، بل لم تجرؤ على الدعوة لمناقشة هذه الانتهاكات من منظور القانون الدولي، وكأن الولايات المتحدة الأمريكية تنوي استعادة ميراث الدول الاستعمارية في العالم من جديد بعد الاستقلال السياسي لهذه الدول والأوطان.
ولعل أسوأ ما في هذا الأمر بشكل عام هو أحوال عالمنا العربي والإسلامي، فقد دخلنا نحن وأمريكا في مرحلة من انعدام الثقة وفقدان التفاهم، وأصدق مثال على ذلك هو الموقف من القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي تسعى فيه المنظمات الفلسطينية للتحرر الوطني من عسف الاحتلال الإسرائيلي، انتهى بها الأمر إلى منظمات مقيدة على كل لوائح الإرهاب الأمريكية، ويعود هذا الأمر بالدرجة الأولى إلى براعة إسرائيل التي اختارت اللحظة المناسبة كي تقدم نفسها كشريك في محاربة الإرهاب، وإلى عجزنا نحن عن تبرئة ساحتنا من تهمة رعاية الإرهاب.
ويعود كثير من الفضل في هذا إلى بعض الفضائيات العربية التي تنافست في إذاعة أشرطة رجال القاعدة في أفغانستان باعتبارها سبقاً صحفياً، ناسين مدى تأثيرها على صورتنا وعلى قضايانا الوطنية في الغرب.
هجمة غربية على الإسلام:
ويشارك د. محمد سليم العوا المفكر الإسلامي بالرأي فيقول:
هناك هجمة منظمة على الإسلام في العالم الغربي والأمريكي بوجه خاص، بإلصاق تهمة الإرهاب به، وما يصاحب ذلك من ضغوط على الحكومات العربية والإسلامية تستهدف التوجه الإسلامي العام الذي يزداد عطاؤه وبهاؤه في الأرض الإسلامية كلها، وقد تكرر الحديث من سياسيين ودبلوماسيين أمريكيين عن ضرورة إعادة النظر في مناهج التعليم في بلدان عربية وإسلامية عديدة بحيث تنقص الجرعة الحالية المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأسرية والسياسية المتعلقة بالجهاد، ومعاملة المسلمين لغير المسلمين.
وطُلب من دول أخرى تعرضت مناهج الدراسة فيها لتغييرين أساسيين في الكم والكيف معاً في مرحلتين غير بعيدتين من مراحل تطورها السياسي الداخلي، أن تعيد النظر تحديداً في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ترد ضمن الباقي من المناهج أو المبثوث منهما في مناهج القراءة والأدب لتضمن الولايات المتحدة ألا يؤدي الحديث عن معنى آية لم يحسب حسابها أو عن مناسبة حديث نبوي لم يتضمن المنهج بيان مناسبته إلى احتمال ولو كان بالغ البعد، أن ينتج عنه فكر يحاول استعادة صورة إسلامية لا ترضي الأمريكيين، وقد تبرع كثير من الكتاب والمفكرين ومنهم للأسف عرب ومسلمون بتفصيل أحوال بلادنا الإسلامية والعربية السياسية والتعليمية والثقافية والاقتصادية مقترحاً ما يجب عمله، متصوراً نتائجه، ومؤكداً أن تحقيقه هو السبيل لتحقيق أمن الولايات المتحدة والحضارة الغربية في مواجهة ما يزعمون أنه خطر الإرهاب الإسلامي المتنامي.
الإسلام يقلقهم:
ولكن هل يقلق الإسلام الغرب بمؤسساته السياسية والفكرية؟
يجيب على السؤال د. محمد السعيد إدريس رئيس مركز الدراسات الآسيوية بالأهرام فيقول:
يرى قادة أمريكا أنهم أصحاب رسالة تقود العالم نحو الحرية والرخاء على طريق الفضيلة، وفي ضوء الأحداث التي هزت أمريكا في سبتمبر بدا للكثيرين في الغرب أن هينتجتون صاحب نظرية صدام الحضارات قد تنبأ بهذه الأحداث سلفاً، الأمر الذي أعطى لنظريته بعض المصداقية.
والإسلام يقلق هنتنجتون بصفة خاصة، فلدى المسلمين على حد قوله معدلات نمو سكانية مرتفعة جداً، ويذكر أيضاً صفات أخرى مميزة للعالم الإسلامي في رأيه، منها الإرهاب" و "الأصولية" و "والهجرة" و"التمرد"، علاوة على سعي الأنظمة الإسلامية للحصول على أسلحة نووية.
وألد المنافسين للحضارة الغربية برأي هنتنجتون هم أتباع الثقافات الآسيوية والإسلامية، ويبدو أن أمريكا بعد أحداث سبتمبر راحت ترسم سياستها واستراتيجيتها نحو العالم على ضوء نظرية هنتنجتون التي تفوح منها رائحة العنصرية والتعصب والجهل، ووضعت أمريكا مفهومها الخاص للإرهاب والإرهابيين، وراحت تشكل العالم وترسم ملامحه وخطوطه على هواها أو على ما تظن أنه يضمن الأمن الأمريكي.
ولا شك أن تعقب القوة الأمريكية لمن تصفهم بالإرهابيين فيه كثير من التجاوز والقسوة، فهي لا تتورع عن شن هجوم على شعب بأكمله من أجل مطاردة شخص واحد، وأمريكا تنسى أو تتناسى أنها بأفعالها وانحيازها الأعمى لإسرائيل توجِد نوعاً من الكراهية والعنف في أوساط كثيرة ومناطق كثيرة، فهي التي تصنع الإرهاب ثم تبكي من وطأته وتشن الحرب عليه.
وعلى أمريكا - إذا كانت راغبة حقاً في وقف الإرهاب والعنف - أن تعمل على إجهاض مبررات اللجوء للإرهاب بإصلاح النظام الدولي، وإيجاد الحل العادل لمشكلات ضخمة حول العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تعاني موقفاً أمريكياً منحازاً لإسرائيل بكل ما ترتكبه من عنف ووحشية وإرهاب ضد شعب أعزل.
تهم قديمة الجذور:
ويرى د. جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية أن:
الأمر لا يتعلق بما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولكنها تهم قديمة الجذور يلصقها الغرب بنا ويضعها على عاتقنا كعرب وكمسلمين في كل مرحلة من مراحل الصراع معه، وهو تاريخ يمتد من الحروب الصليبية وحتى هذه اللحظة الراهنة.
والغرب يقوم بذلك في محاولة لحصار الثقافة العربية والإسلامية، ووسم الدين الإسلامي بالعدوانية والعنف، والغرب في ذلك لا يرى العنف الفعلي الذي ارتكبته حضارته في حق الملايين من سكان العالم، ولا يتذكر المذابح التي نصبها الرجل الأبيض في كل مكان حل به، بل إن مفكرين من أمثال صامويل هنتنجتون يسعون حثيثاً لتأصيل تلك النظرة العدائية، فهو قد وضع خطوطاً واستخرج نتائج مجانبة للحقيقة عندما توقف عند الصراع بين الحضارتين الإسلامية والغربية.
وأصبحنا كعرب وكمسلمين متهمين في نظر الغرب حتى دون أن تتاح لنا معرفة حيثيات التهم الموجهة إلينا بَلهَ الدفاع عن أنفسنا، والواضح أن الغرب يبحث عن عدو جاهز من السهل التربص به وإعلان الحرب عليه.
ولأن الصراع بين العالم الإسلامي والعرب له جذوره التاريخية منذ الحروب الصليبية، فالعدو الجاهز هو نحن دائماً، والغرب لم ينس بعد هزيمته في الحروب الصليبية، ولعل سعيه لإقامة دولة إسرائيل ودعمه المتواصل لها هو نوع من الثأر لهزيمته القديمة على نفس البقعة من الأرض العربية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد