بسم الله الرحمن الرحيم
من أين أبدأ؟ وإلى أين؟
وهذا الجسد الإسلامي المسجى والمقيد، أي جرح من جروحه أشد، وأي نزيف أغزر، وأيها يهدد الوجود كي أتناوله قبل الآخر؟
في البداية يا قراء منذ ما يقرب من خمسين عاماً كان قلبي يتمزق من أجل البشرية جمعاء، وكنت أبكى لمشاهد الموت والظلم والجوع الناجمة عن طغيان طاغ وتجبر متجبر، ثم استبد بي الغضب حين أدركت أن كل هذا الطغيان والتجبر لم ينتج عن طغيان الطغاة فقط، بل عن تخاذل المظلومين أيضاً.
ومرت أعوام فأدركت أن تحمل هم البشرية أكثر من طاقتي، فتقلص اهتمامي إلى العالم الإسلامي، لكنني سرعان ما نزفت الدموع دماً لعالم إسلامي رضي بالخضوع لمن يريدون به شراً وسوءاً، وخنع للتشرذم.
ولم أك أدري أن الزمن سيمر لأجدني مكان من بكيت عليهم.
واشتد غضبى على تلك الدول الإسلامية فتقلص اهتمامي إلى العالم العربي، وهالني فسق مترفيه فيه، فتقلص اهتمامي إلى وطني، فروعني أن الناس يخرجون من دين الله أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً، فتقلص اهتمامي إلى نفسي.
نفسي.. نفسي.. نفسي..
ولكن كيف أنجو بنفسي يوم الحساب الأعظم حين يسألني ربى: ماذا فعلت لقومك ولوطنك ولعالمك العربي وللمسلمين جميعاً وللبشرية كلها؟ وكيف تصرفت في الخلافة التي استخلفتك فيها؟
واكتملت الدائرة
وعادت الأمور كما بدأت، فأدركت المعنى بعد أن أدركت أن الإسلام هو الوطن، الإسلام وليست تلك الخطوط التي رسمها الصليبيون على خرائط الجغرافيا لتقسم وطننا الإسلام بل لتمزقه إلى شراذم.
وكان المعنى الشامل الجامع المانع: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
وفى لجة الآلام من أجل أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله فاجأني السؤال: هل الشيطان مؤمن؟!
إنه لم ينكر وجود الله قط، ولم ينكر أبداً أنه - سبحانه وتعالى - هو الخالق الواحد الأحد، تماماً كالكثيرين منا، بل وأكثر، فقد رأى ما لم نر، وسمع ما لم نسمع، ولكن لا الإيمان ولا الإسلام ذاك، نعم ليسا ذاك، لا ينعقدان إلا بالإيمان بالربوبية والإيمان بالألوهية والإيمان بالأسماء والصفات جميعاً، يشاركنا الشيطان في الإيمان الأول منها، لكنه أنكر - كما ينكر الحداثيون والعلمانيون - أن الرب هو الإله المألوه (أي المعبود)، و أن إيماننا لا ينعقد إلا إذا آمنا به و ألهناه (أي عبدناه كما أمرنا وبما أنزل علينا في الكتاب) وقدسنا أسماءه وصفاته.
ولكم روّعنى يا قراء أن الذين يؤمنون بالربوبية دون الألوهية هم الذين يضعون الآن للأمة مواصفات إسلامها، ويحددون لها ما يجوز وما لا يجوز طبقاً للنظام العالمي الجديد لا طبقاً للحلال والحرام.
وبلغت السيول الزبى والقلوب الحناجر، وواحد منهم يقول معبراً عن الباقين جميعاً في كلمة حق أراد بها باطلاً: أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولم يكن ذلك الشيطان المؤمن بالربوبية فقط يعنى إلا إهدار الإسلام الذي رضاه لنا الله ديناً، فلا الصلاة تهم، ولا الزكاة ولا الجهاد.. ولا.. ولا.. ولا كل ما أنزل الله بجوهره ومظهره.
وانفتح لي بصيص ضوء فأدركت لماذا ننتقل من هزيمة إلى هزيمة أنكى، ومن كارثة إلي كارثة أشد، ومن مهانة إلى مهانة أكبر، ومن مذلة إلى مذلة أكثر، و إلى أمة أمست غثاء كغثاء السيل، ففي وجود مثل هؤلاء لا يمكن أن تكون الأمور أفضل.
وما روّعنى أكثر أن الطريقة العبقرية - عبقرية الشيطان - التي طبقتها الولايات المتحدة لغزو أفغانستان قابلة للتطبيق الفوري في كل شلو - ولا أقول بلداً - من أشلاء عالمنا الإسلامي.
سرب من طائرات الـB52 و15000 عميل من التحالف الشمالي هزموا شعباً تمرس في الجهاد أكثر من أي شعب من شعوبنا.
خمسة عشر ألفاً؟ لكن أعضاء حزب التحالف الشمالي في أي شلو من أشلاء عالمنا الإسلامي أكثر من ذلك.!!.
إذ يخط يراعى هذا الكتاب يا قراء مع الحرب الصليبية الجديدة، وما الصليب فيها إلا قناعاً يستتر الشيطان خلفه - تداعي الألم كأنما استدعى تداعيات آلام أخرى تمت بصلة القربى إليه، ضياع فلسطين، 1956م وكيف لم نستوعب الدرس، 67 والهزيمة الساحقة الماحقة، 73 والنصر العسكري والهزيمة السياسية، 77 وزيارة السادات للقدس، 82 غزو لبنان، حربي الخليج الأولي والثانية، كوسوفا والبوسنة والهرسك وكشمير والفليبين كشمير وبورما.. و.. و.. و.. وأفغانستان، فكأنما تاريخنا جرح هائل، وكأنما كل الجروح مسلمة وكل المسلمين جروح.
ولم أجد يا قراء عزاء سوى عزاء وحيد، عزاء فج لم يتح له الظهور إلا فرط الألم، هذا العزاء يقول أن محطات الألم الكبرى قد تكررت بالنسبة لجيلنا كل خمسة أعوام تقريباً، وأن واحداً مثلي يطرق الآن أبواب العقد السابع من عمره، لم يبق في عمره الكثير وقد ينقذه الموت من إدراك محطة الألم القادمة.
كنت أعزى نفسي بذلك لكنني لم أهنأ حتى بهذا العزاء إذ ما لبثت النذر السود أن تجمعت فالحرب الجديدة لا زمان يحدها، ولا مكان يحددها، وهى كما قالوا حرب مستمرة تستغرق عشرة أعوام على الأقل وقد تلبث خمسين عاماً.
و أدركت.. واستدركت.. وفهمت.. وعلمت.. وجزعت.. وفزعت..
إنها ليست حرباً على فلسطين والعراق وأفغانستان، ولا هي حرب على أسامة بن لادن وطالبان، بل هي حرب على الإسلام.
تلك الحرب التي طالما حذرنا منها وطالما نبهَنا شيوخنا وعلماؤنا إليها لكن الفئة المنحرفة المستغربة في بلادنا وهى فئة خائنة كالتحالف الشمالي كانت تقابل تحذير الأمة بالتخدير.. والكذب.
حرب يقودها عباد الشيطان على عباد الرحمن.
نعم..
هي حرب على الإسلام
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد