الإعصار الاستشهادي هل يعصف بالإرهاب الشاروني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

منذ الثامن والعشرين من مارس (آذار) 2002م شرعت القوات اليهودية الشارونية بتنفيذ مخطط واسع لإعادة اجتياح الضفة الغربية وغزة، مدناً وقرى ومزارع وممتلكات، ونريد في هذه الدراسة المقتضبة تسليط الأضواء على هذه الهجمة الشرسة، وسبر أغوار خلفياتها، واستشراف نتائج مآلاتها.

 

الآمال الشارونية:

إن الآمال الشارونية هي حصيلة ثلاثة مركبات:

 

 التكوين الشخصي:

إن الدارس لشخصية شارون يتضح له أن هذا البدن الممتلئ يضم بين دفتيه شخصية متعجرفة متكبرة مستعلية قد أعماها ذلك عن تلمس الحقائق، وإدراك مكونات الواقعº مما دفعها إلى اتباع أسلوب حرق المراحل بغية الوصول إلى الهدف النهائي بأسرع وقت ومن أقصر طريق، لذلك تراه امتطى صهوة الغاية تسوِّغ الواسطةº فصال من فوقها وجال، ومع أنه شديد الاندفاع نحو تحقيق مآربه فإن ذلك لم يكن على حساب مراوغاته المخادعة، وأساليبه الدنيئة، وقلبه للحقائق، وتلاعبه بالألفاظ، وهو في كل ذلك مقبل غير مدبر، لا يكل ولا يمل، دؤوب على تحقيق باطله، مكار في وضعه خططه، داهية في ترويض مناوئيه، أقرب ما يكون في كل ذلك من شخصية اليهودي المشهور حيي بن أخطب الذي ضربت عنقه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خندق الموت الذي احتفره النبي - صلى الله عليه وسلم - في سوق المدينةº حيث امتلأ بالرؤوس المتطايرة من فوق أعناقها من يهود بني قريظة الذين نقضوا عهدهم معه في أحلك ظرف وأدقه، يبتغون طعن المسلمين في خاصرتهم ليتمكن منهم أعداؤهم من قريش وغطفان والأحابيش.

 

تشابهت الشخصيتانº فهل تتشابه النهايتان؟!!

وقد ذكرت صحيفة "صنداي إكسبرس" أن أفرام هاليفي رئيس الموساد تقلقه كراهية شارون الحادة لعرفات، وأنها شخصية متهورة للغاية بحيث لا تتيح الفرصة للتفكير الهادئ، وأن حدة توجهات شارون بدأت تشوش على قدرته لإصدار أحكام واضحة في هذه الأوقات الخطيرة، وأنه يعاني عمى لا يجعله يشعر بعمق المشاعر في أوروبا بسبب ما يقدم عليه من أفعال، وأنه يعاني توترات عقلية متزايدة، ولديه تقلبات خطيرة في المزاج، وأنه يكاد لا ينام، ولا يأكل بطريقة منتظمة، وتنتابه حالات من الإزعاجº فهو يتصرف كقائد دبابة وليس كسياسي(1).

 

الرصيد التاريخي:

إن القاسم المشترك لجميع سني عمر هذا السفاح هو ولوغه في الدم، واستمتاعه بالقتل، وعشقه للتدمير، وحرصه الشديد على ذكر اسمه مع كل مجزرة تخليداً لذكراه العفنة، ولذا فإن مآثره لا تخرج عن هذا الإطار، وهو فخور بكل ذلك، فِرِحٌ بتاريخه الذي مر عليه لغاية الآن أربع وسبعون سنة ممتلئة بكل ما يجلب الخزي والعار، ويضاعف الذم والشنار بما اختزن فيها من المساوئ والآثام، وبما احتمل وزره من الضحايا والآلام.

إن الكتلة اللحمية لشارون هي سليلة عصابة الهاغاناه الإجرامية الإرهابية الوحشية حيث انضم إليها عندما كان عمره سبعة عشر عاماً، وقد تلقى دروس الهمجية والافتراس من أساتذته الأبالسة، ومن أشهرهم بن غوريون، وشــامير، ورابين، وهو من الذين ولغوا في دماء المسلمين في مذبحتي دير ياسين واللــد عــام 1948م في فلسطين، وفي مذبحتي صبرا وشاتيلا عام 1982م في لبنان، وهو الذي شكل "الوحدة 101" وأسماها "الشياطين"، واختار بنفسه جميع أفرادها ممن عرفوا بالسوابق واللصوصية والقتلº حيث قام هذا الوغد باستخدام هذه الوحدة الفاسدة المفسدة بارتكاب خمس مجازر بشرية بين عام 1953م و 1956م كانت مذبحة "قبية" من أشهرها!!

إن آمال شارون هي امتداد لهذا الرصيد الإجرامي، لذا فإن كل ما ينتظر منه لن يكون سوى إفرازات سامة من هذا المختزن التاريخي.

 

توظيف النبوءات:

يؤمن شارون بأن دولة اليهود ينبغي أن تمتد من الفرات إلى النيل، ونظراً إلى أن هذا التطلع مبني على نبوءات توراتية (لا يهم بالنسبة له أن تكون حقيقية أو مزيفة)º فإن برامجه السياسية وممارساته التنفيذية كلها تنطلق من هذا التصور، وبحسب تطور الأحداث فإنه بعد أن درس الحقوق في الجامعة العبرية في القدس انضم إلى الماباي ثم الحزب الليبرالي ثم استقر به المطاف في تكتل الليكود المتطرف، وذلك منذ حوالي ربع قرن، إن تكتل الليكود يتسابق في تطرفه مع الأحزاب اليمينية، ويتسابق في مراوغاته السياسية مع حزب العمل، غير أن جميع هؤلاء تضمهم بوتقة واحدة هي استغلال النبوءات بحق أو بباطل للوصول إلى تحقيق حلم إسرائيل الكبرى.

هــذه هي المركبات الثلاثة (التكوين الشخصي، الرصيد التاريخي، توظيف النبوءات) التي تصيغ الآمال الشارونية، وهي في جوهرها نفس المركبات التي تصيغ وتصبغ أي حكومة يهودية بغض النظر عن من هو رئيس وزرائها، بــل إن هذا الحكم يوشك أن يمتد أيضاً ليطول كل يهودي في الأرض المحتلة أو خارجها (ولا عبرة بالأقلية المخالفة)، ومن أدلتنا على ذلك التاريخ الأسود لحزب العمل المنافس لتكتل الليكود، وكان قد حكم الدولة اليهودية لعقود، فإذا كانت المركبات الثلاثة المذكورة تصنع الآمـال الشارونية فما هو مخطط تحقيق تلك الآمال؟!

 

المخطط الشاروني:

إن الخطوط العريضة للمخطط الشاروني حسب تتابعها الزمني هي كالآتي:

1 - تجاوز اتفاقيات أوسلو واعتبارها شيئاً من الماضي.

2 - إيقاف الانتفاضة الفلسطينية باستخدام جميع الوسائل.

3 - هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه.

4 - إيجاد وضع سكاني في الضفة الغربية وغزة يصب في النهاية في تعزيز وتكثيف الوجود اليهودي فيهما، ويتم ذلك عـن طريق:

أ - بلورة سلطة فلسطينية تخدم المخطط اليهودي بوضوح.

ب - إيجاد ظروف مبرمجة مرحلياً لإجبار سكان الضفة الغربية وغزة (أو أغلبهم) على الهجرة إلى الأردن ومصر وغيرهما من الدول العربية والأجنبية.

ج - التوسع في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية وغزة وزيادة عدد المهاجرين بشكل مكثف.

5 - تحطيم القوى العسكرية في المحيط الجغرافي لدولة اليهود، ويشمل ذلك كلاً من سوريا ولبنان والعراق وإيران والسعودية، كما يشمل مصر والأردن لاحقاً (بعد إلغاء إتفاقيات السلام).

6 - بلع أراض جديدة وضمها إلى الدولة اليهودية، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: شرق الأردن، جنوب لبنان، جنوب سوريا، صحراء سيناء.

7 - توقيع اتفاقيات تطبيع مع الدول العربية والإسلامية.

تلك أهم الخطوط العريضة في المخطط الشاروني، وهو مخطط يعبر عن الآمال العريضة للصهيونية اليهوديةº وعلى ذلك فإن مناط تحقيقه لا يرتبط بالوجود الشخصي لشارون بقدر ما يرتبط بالوجود المؤسسي (سياسياً واقتصادياً وعسكرياً) المتبني لهذا المخطط فكراً وممارسة.

 

إن هذا المخطط يحتوي ضمناً أربع قضايا رئيسة:

1 - الحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة.  

2 - إقفال ملف عودة المهاجرين الفلسطينيين.  

3 - القدس كلها عاصمة لإسرائيل.  

4 - اعتبار الوجود السكاني الحالي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، واتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، حالة مؤقتة أملتها الظروف وسيتجاوزها المخطط الشاروني.

فما هي المرتكزات التي ينطلق منها تنفيذ هذا المخطط؟

 

المرتكزات الشارونية:

إن المخطط الشاروني الذي ذكرت خطوطه العريضة لا يتحرك من فراغ، بل يستند إلى دعائم قوية من أهمها ما يلي:

 

أولاً: الدعم الأمريكي المطلق:

لقد وفرت الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة رئيسها بوش جميع أنواع الدعم لشارون ليمضي قدماً في تنفيذ مخططاته، إن الدعم المذكور يتألف من خمسة عناصر:

1 - الدعم الاقتصادي وحجمه مفتوح، ومن أراد التفصيل فليطلع على التقرير الذي أعده أعضاء ولجنة الكونغرس "خدمة الأبحاث النيابية" CRS، بعنوان: "المساعدات الخارجية الأمريكية لإسرائيل - قسم العلاقات الخارجية والدفاع والتجارة -".

2 - الدعم العسكريº حيث إن ما تقوم به الدولة اليهودية الآن من أعمال الإجرام يتم معظمه بالسلاح الأمريكي الحديث جداً وذي التقنية العالية، وخاصة طائراتF-16 وهوليكوبترات أباتشي.

3 - الدعم السياسيº حيث تقوم الولايات المتحدة باستعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن إزاء أي قــرار فيــه إدانــة للأعمال الوحشية لـدولة اليهود، كما أنها تقوم بالضغـط الســياسي على مختلف دول العالــم للوقـــوف مع اليهود في إجرامهم وإفسادهم، إن الإدارة السياسية الحالية للولايات المتحدة قد وضعــت كل ثقلها في دعم المخطط الشاروني، إلى الدرجة التي جعلت الرئيس الأمريكي بوش يقدم الغطاء السياسي لممارسات الدولة اليهودية الحاليةº وذلك بتصريحه أنه يتفهم ما تقوم به الدولة اليهودية، وأن ما تفعله لا يتجاوز الدفاع عن النفس، متجاهلاً تماماً الحقائق الكبرى والتي من أهمها أن اليهود هم المعتدون مرتين: الأولى عام 1948م، والثانية عام 1976م، وأن الفلسطينيين لم يفعلوا أكثر من محاولة الدفاع عن أنفسهم، فالإدارة الأمريكية تمارس دور قلب الحقائق، ونشر الزيف، وافتراء البهتان، وتحمل دول العالم على تصديق هذه السلسلة المتوالية من الأكاذيب المحضة والدجل السياسي المغرض، وتقوم وزارة خارجيتها ممثلة بوزير الخارجية كولن باول بالاتصال بزعماء العالم، وبتنشيط سفرائها في مختلف الدول لجعلها منخرطة في الركب الأمريكي، خدمة لإسرائيل، وقد بلغ الصلف الأمريكي والعجرفة أن السفير الأمريكي في البحرين المدعو رونالد نيومان طلب من الحاضرين الوقوف دقيقة حداداً على القتلى الإسرائيليين، وذلك في حفل دعي إليه شاركت فيه 25 مدرسة حكومية وخاصة في يوم الأربعاء الموافق 3 إبريل 2002م.

4 - الدعم الإعلامي: إن الإعلام الأمريكي يقوم بدور دنيء في التغطية الإعلامية للأحداث، حيث يمارس الكذب على نطاق واسع جداً، ويظهر المعتدي الغاشم -وهم اليهود - بمظهر الحمل الوديع الذي انقض عليه الذئب المفترس - وهم الفلسطينيون -.

إن هذا الإعلام المضلل يعمل بشكل متناغم جداً من التوجه السياسي الأمريكيº حيث جعل من نفسه بوقاً للعهر اليهودي، مما جعل شارون يجلس مرتاحاً يمط ذراعيه ويمد رجليه!!

إن ما تفعله القوات اليهودية الآن من قتل للرجال والنساء والأطفال والعجزة والمسنين والمعوقين والمسجونين، ومن بقر للبطون، وتمثيل بالجثث، وهدم للمنازل، وتجريف للأراضي والمزروعات، وتدمير للمستشفيات على من فيها، وقصف للمساجد ولكافة المنشآت والمراكز الأمنية الفلسطينية، وحصار للمدن والقرى، وقطع للكهرباء والماء والغذاء وكافة الخدمات الإنسانية، وانتهاك للأعراض، ونهب للممتلكات، ومصادرة لسيارات الإسعاف بعد قتل الأطباء والممرضين الذين فيها، وعدم سماحها بإسعاف المصابين وتركهم ينزفون حتى الموت، وعدم السماح للفلسطينيين لدفن قتلاهم في المقابر، وسلسلة الإعدامات والقتل بدم بارد، لمجرد حب القتل لا أكثر، إن هذا الذي فعله اليهود في فلسطين مستخدمين أعتى أنواع الأسلحة من طائرات وصواريخ ودبابات وقنابل عنقودية، وسواها كثير، أقول: إن كل هذا الإجرام لم يحظ بأية إدانة من الإعلام الأمريكي الذي رضي لنفسه أن يكون في أحضان اليهود، بل إن بوش قد جعل من نفسه أداة إعلامية رئاسية ليدعي بملء فيه أن كل تلك الوحشية ما هي إلا للدفاع عن النفس.

5 - الدعم اللاهوتي: نعم لقد حظيت الدولة اليهودية بالدعم الكنسي الأمريكي! وصال وجال رجال الكنيسة ليروجوا مقولة إن دعم إسرائيل والوقوف معها هو المعجل لعودة المسيح، ومن أبرز هؤلاء القس جيري فولويلº حيث يعتبر أن "إعادة تأسيس إسرائيل عند المسيحيين الأصوليين هو إيفاء بالنبوءات"، والقس بات روبرتسون الذي يركز في برامجه على أن "إعادة مولد إسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ"، والقس جورج أوتيس الذي يقول: "... ونعتقد أن اليهود في أي مكان ما زالوا هم شعب الله المختار، وأن الله يبارك من يباركهم.. "، والأصولي النصراني مايك إيفانز الذي يقول: "ونحن نؤمن بأنه يتوجب على أمريكا الوقوف بجانب إسرائيل، وكلمة الله تعترف بالقدس، وعلينا واجب الاعتراف بكلمة الله"، هذا سوى الدور اللاهوتي الذي تقوم به جماعات الضغط النصرانية الأصولية، من أمثال: "السفارة المسيحية الدولية"، و"المائدة المستديرة الدينية"، و"مؤتمر القيادة المسيحية الوطنية لأجل إسرائيل" وهو تجمع صهيوني نصراني أسسه فرانكلين ليتبل، و"مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" وغيرها من مجموعات الضغط الذين تعج بهم الساحة الأمريكية.

إن هذه العناصر الخمس والتي تبين الدعم المطلق للدولة اليهودية، تمثل قدرة اليهود على تحويل الرياح لصالحهمº وذلك من خلال المثابرة والجد والتخطيط والمتابعة، وهم بهذا يكونون قد قلبوا الصفحة التاريخية التي أراد تثبيتها الزعيم الأمريكي السابق بنجامين فرانكلين - أحد واضعي دستور عام 1789م - عندما حذر من اليهود ومن سطوتهم وذلك في وثيقة أودعها في معهد فرانكلين بفلادلفياº حيث قال مخاطباً الشعب الأمريكي: "أيها السادة! في كل أرض حل بها اليهود أطاحوا بالمستوى الخلقي، وأفسدوا الذمة التجارية فيها" إلى أن قال: "إذا لم يبعد هؤلاء من الولايات المتحدة بنص دستوري فإن سيلهم سيتدفق إلى الولايات المتحدة في غضون مئة سنة، إلى حد يقدرون معه على أن يحكموا شعبنا ويدمروه، ويغيروا شكل الحكم الذي بذلنا في سبيله دماءنا، وضحينا بأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا الفردية، ولن تمضي مئتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام اليهود على حين يظل اليهود في البيوتات المالية، يفركون أيديهم مغتصبين!! ".

وقريب من هذا الكلام ذكره "جورج واشنطن" الرئيس الأول للولايات المتحدة (1789م ـ 1797م) حيث قال عن اليهود: "إنهم يعملون ضدنا بشكل أكثر فعالية مما تفعله جيوش العدو، وهم أخطر منه مئة مرة على حرياتنا وقضيتنا العظيمة ال

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply