بين الإرهاب والإيدز


بسم الله الرحمن الرحيم

 

البيان: مكافحة الإرهاب أم مكافحة الإيدز؟

أتمنى أن يطرح السؤال في استفتاء عام - أو على الأقل استطلاع رأي - على الجماهير في بلدان القارة الإفريقية، فلو عقد الاستفتاء أو الاستطلاع لكان أفضل جدوى وأكثر نفعاً من ذلك المؤتمر الذي عقد الأسبوع الماضي في الجزائر بمشاركة وزراء خارجية دول «الاتحاد الإفريقي» البالغ عددها 53 دولة تحت شعار «مناهضة الإرهاب».

أدبيات «منظمة الصحة العالمية» تفيد بأن عدد الإصابات بفيروس وباء الإيدز القاتل في العالم بلغ 45 مليون إصابة، ومن هذا الرقم الأسطوري فإن نصيب البلدان الإفريقية وحدها (جنوب الصحراء) يبلغ 35 مليوناً، وهو عدد قابل للزيادة المتسارعة الإيقاع.

ومع ذلك تستجيب الحكومة الإفريقية لنداء مشبوه من الولايات المتحدة لعقد مؤتمر على مستوى وزاري كامل للنظر في وسائل «مكافحة الإرهاب»، أي - بكلمات أخرى - الانضمام إلى الحملة الأمريكية العالمية على الإسلام والمسلمين.

فقد أصبح مطلوباً في البلدان الإفريقية أن تجعل من أراضيها جبهة حرب جديدة، وكأنه لا يكفي القارة ما يتفاعل على أراضيها من حروب أهلية، وفتن دموية - بالإضافة إلى انتشار وباء الإيدز، عدا انتشار وباء الملاريا الذي ينافس الإيدز في قتل الأفارقة بالجملة -.

دول أفريقيا جنوب الصحراء هي الأفقر في العالم بأسره، وحتى بدون الإيدز أو الملاريا فإن الناس في أفريقيا يموتون من انتشار المجاعات، وسوء التغذية، مما هبط بمتوسط العمر إلى 48 عاماً فقط.

لكن المسئول عن هذا الفقر المدقع - أو بالأحرى الإفقار - ليس الإرهاب، أو أشباهه، وإنما هو عبء مديونية خارجية تحسب بمئات المليارات من الدولارات، وتجبر الدول الإفريقية على تسليم كل عائداتها المالية السنوية إلى الدائنين للوفاء بما يسمى خدمة الديون السنوية، والدائنون هم مجموعة - أو قل عصابة - من مؤسسات مالية غربية تضم حكومات ومصارف تتقدمها كبرى المصارف الأمريكية.

هذا هو السبب الجذري لحالة الإفلاس المزمن المقيم التي تعاني منها الشعوب الأفريقية، فمع التهام المديونية الخارجية لموارد الدخل لا يبقى شيء للقطاع الإنتاجي أو القطاع الخدمي، فقطاع الزراعة أصيب بانهيار شامل، وتبعه القطاع الصناعي، وبالتالي انهار النظام التعليمي، وتوقف الصرف على القطاع الصحي، وتضاعفت معدلات هجرة أبناء الريف إلى المدن التي بدورها تتضاعف فيها معدلات البطالة.

وفي الحقيقة فإن أحد عوامل انتشار وباء الإيدز هو أولاً ضعف المناعة لدى فئات المواطنين الناتج عن انتشار سوء التغذية والجوع.

إن الولايات المتحدة منهمكة حالياً في إرسال خبراء استخباراتيين إلى الدول الإفريقية، وخبراء عسكريين للمساعدة في إنشاء وتدريب فرق خاصة على فنون «مكافحة الإرهاب»، وكان الأجدر بها قبل ذلك أو عوضاً عن ذلك أن ترسل خبراء في مكافحة الأوبئة، وخبراء في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن تتولى تمويل وإنشاء سدود ومشاريع ري، بالإضافة إلى مستشفيات وجامعات.

وعوضاً عن تبني مؤتمر «لمكافحة الإرهاب» في إفريقيا كان جديراً بالدولة العظمى التي تتباهى بأنها الأغنى في العالم أن تتبنى مؤتمراً دولياً للنظر في إعفاء الدول الإفريقية من عبء الديون الخارجية، بعد أن تعلن على العالم أنها أول الدائنين المتبرعين بالإعفاء، أو تتبنى مؤتمراً دولياً لوضع برنامج طموح وملزم لتمويل خطة كبرى بهدف القضاء المبرم على وباء الإيدز في أفريقيا.

لقد انتهى مؤتمر الجزائر إلى قرار بإنشاء «مركز لمناهضة الإرهاب» في أفريقيا يتبع إدارياً للاتحاد الإفريقي، وتقوم على تمويله الخزانة الأمريكية.

وفي هذه الأثناء سوف يتوالى موت الملايين سنوياً من ضحايا الإيدز في إفريقيا مخلفين وراءهم عشرات الملايين من الأيتام.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply