المحافظون الجدد والطريق إلى دمشق!


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

عندما ظهر بأن سوريا تمتثل "جدياً" لطلبات الولايات المتحدة لضمان حدودها مع العراقº طالب منظرو المحافظين الجدد الرئيس بوش باتخاذ إجراءات أقوى ضد دمشق، ومن ضمن ذلك العمل العسكري، ويعترف المراقبون الغربيون أن الإجراءات المتخذة على الحدود بين سورية والعراق - إثر ضغوط أمريكية - والرامية إلى منع الأشخاص الراغبين في الانضمام إلى المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلالº من التسلل بنجاح إلى داخل العراقº تؤتي بثمارها، وهذا بقطع النظر عن دوافع سورية في التحكم في هذا التسلل، والذي يبقى موضع تساؤلات، فقد لا تريدها أن تحدث "خارج سيطرتها"!.

وقد أطلقت الحملة الإعلامية الأسبوع الماضي عندما نشر ثلاثة محللين مرتبطين بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات - وهي مجموعة ذات نزعة محافظة، تدعم مواقف حزب الليكود الإسرائيلي اليميني - مقالة في صحيفة "واشنطن تايمز" تحت عنوان "دور سوريا القاتل: مساعدو الأسد وتمرد العراق الإرهابي".

"يمكننا أن نقصف المنشآت العسكرية السوريةº ويمكننا الذهاب عبر الحدود لإيقاف التسربº ويمكننا أن نحتل بلدة أبوكمال - في شرق سوريا ببضعة أميال من الحدود - التي تبدو أنها تشكل مركز التخطيط والتنظيم للنشاطات السورية في العراقº كما يمكننا أن نساعد سرياً أو علنياً المعارضة السورية"، وفي يوم الأربعاء الماضي كتبت صحيفة "وول ستريت" في افتتاحيتها الرئيسية متهمة سوريا بـ "التزويد والدعم المادي للجماعات الإرهابية التي تقتل الجنود الأمريكيين في العراق، في الوقت الذي تدعو فيه العراقيين إلى الانضمام إلى "المقاومة"".

وليام كريستول، الرئيس المؤثر لمشروع القرن الأمريكي الجديد (PNAC) خصص افتتاحية مجلته Weekly Standard، للموضوع نفسه بعنوان "أكثر جدية حول سوريا"، وخلص إلى أنه على الرغم من الإجهاد الذي لحق بالجيش الأمريكي في العراق، فإن "خيارات حقيقية قائمة للتعامل مع دمشق".

افتتاحية كريستول "أكثر جدية حول سوريا" اتهمت إدارة بوش في ردها على هذه الاستفزازات بـ"خلط الإشارات السياسية مع البوادر الضعيفة"، وحرضتها على التهديد بالعمل العسكري على الأقل، ليتحدث بعدها الرئيس بوش بنفسه خلال ساعات وبشكل قاسِ عن دمشق.

والحملة الأخيرة على سوريا تذكر، بشكل من الأشكال، بالدعاية التحريضية المماثلة التي بدأت في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق في مارس 2003، بعدما رأت واشنطن نفسها كقوة لا تقاوم في المنطقة، وبدا المحافظون الجدد ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد متحفزين لخوض معركة مع سوريا.

لكن عندما ظهرت المقاومة العراقية أكثر فعالية في خريف عام 2003 طلب المستشار السياسي الرئيسي لبوش كارل روف الصقور بالتنازل خشية التورط في مغامرة عسكرية جديدة قد تكلف بوش الخسارة في الظفر بعهدة رئاسية ثانية، والآن بعد أن أُعيد انتخاب بوش فإنه لا يلزمهم القلق بشأن النتائج السياسية المحتملة.

غير أن إخفاق الصقور في فرض الاهتمام بسوريا في هذه اللحظة مرده إلى الانطباع السائد في واشنطن - بما في ذلك الصقور - أن برنامج إيران النووي يمثل التحدي الإستراتيجي الأهم بالنسبة للإدارة الأمريكية.

بالمقارنة مع التهم المدعاة ضد دمشق قبل 16 شهراً تبدو الحملة الجديدة مستندة بشكل أساسي على البيانات المزعومة الصادرة من الجيش ومسئولي المخابرات الأمريكيين المشار إليها في صحيفتي "واشنطن تايمز"و"واشنطن بوست"ِ، من أن المقاومة السنية في العراق يجري تنظيمها ودعمها وتمويلها من قبل: "حفنة من البعثيين العراقيين المقيمين في سوريا"، وحسب محللين سابقين في وكالة الاستخبارات العسكرية فإن "هناك وجهة نظر متزايدة في أوساط المخابرات بأن سوريا هي مركز المشكلة".

وبينما استفاد كريستول وآخرون من هذه التقارير كدليل مزعوم على دور سوريا "الشرير" في العراق، فإنهم أهملوا مظاهر التعاون المتزايد من قبل دمشق، خصوصاً على مستوى حدوده مع العراق.

وفي اليوم نفسه الذي أصدر فيه كريستول ندائه لاستعمال الأسلحة ضد دمشق، نشر مراسلو أخبار الصحيفة تقريراً استُهل بـ: "أفاد ضباط عسكريون كبار ومسئولون أمريكان آخرون بأن سوريا بذلت جهداً مشهوداً في الأسابيع الأخيرة لإيقاف تدفق انتقال المقاتلين عبر حدودها من وإلى العراق، واعتقلت على الأقل عراقياً بعثياً سابقاً متهم من طرف الولايات المتحدة بتمويل وتنسيق التمرد".

وبعد معركة الفلوجة وعلى إثر القبض على بعض المقاتلين السوريين، استنتج المحللون في الاستخبارات بأنه إذا لم يشرف السوريون على إدارة المقاومة فإنها تُقاد من عراقيين يقيمون في سوريا.

فيما يرى محللون عرب أن الحملة الأمريكية الحالية على سوريا هي سعي مركز لبث الرعب في الكيان السوري، لتحقيق هدفين على المدى القريب:

الأول: كسب وانتزاع تعاون أوسع وأكبر من دمشق بشأن مراقبة حدودها مع العراق.

الثاني: بالضغط على سوريا، يمكن الدفع بميزان القوى الإقليمي لصالح إسرائيل، أو بعبارة أدق محاولة انتزاع تنازلات أكثر من سوريا لإجراء مفاوضات نهائية مع إسرائيل.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply