حظر انتشار السلاح النووي أم نزعه وإعدامه ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بدأ عصر المفوض السامي الأميركي بالتبلور في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، فعلى أنقاض وأجداث الأولى وقف على قدميه، وعلى أنقاض وأجداث الثانية انطلق منقضاً على العالم عموماً، وقد صرّح والتر ليجان في العام 1938 بما يلي: " سوف نشاهد في زمننا هذا بزوغ فجر يتحقق فيه وجود قوة جديدة مقدّر لها أن تخلف روما (القديمة) والإمبراطورية البريطانية، وأنا أشير طبعاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، وإنه لمن الأفضل لها أن تلعب هذا الدور وهي على علم به من أن تساق إليه، ورغم أن العديد من الأميركيين قد يبغضون هذا الدور فإنهم لا يستطيعون رفض القيام به، لأن عظمتهم ومكانتهم وقوتهم بين شعوب الأرض تجعل من المحتم عليهم القبول بما هو مقدّر لهم"!

طبعاً ليس لهذا الكلام الصلف المتغطرس صلة بحقيقة الدوافع والعوامل والأهداف العدوانية الأميركية، وعلى أية حال فإن الفجر الأميركي، الذي بزغ بعد خمس سنوات من تصريح والتر ليجان، كان فجراً ذرياً اشتعلت أفقه بجهنم تلك القنابل النووية التي ألقيت على المدن اليابانية، وأزهقت في طرفة عين أرواح مئات الألوف من جميع الأعمار!

 

أسباب ذلك القصف النووي

لقد زعم الأميركيون أن إرغام الحكومة اليابانية على الاستسلام، وبالتالي إنهاء الحرب، هو ما دفعهم لاستخدام القنابل النووية ضدّ الشعب الياباني، بينما الجميع يعرفون أن الأمر لم يكن كذلك، فقد حدث القصف النووي الأميركي للمدن اليابانية بتاريخ 19 آب/ أغسطس 1945، بينما كانت الحكومة اليابانية قد أقرّت مبدأ الاستسلام قبل خمسة أيام، ففي 14آب / أغسطس1945 كانت الحكومة اليابانية، التي هي رأسمالية استعمارية من طراز الحكومة الأميركية بالضبط، تناقش مسألة الاستسلام أو عدمه، وحسم الإمبراطور شخصياً ذلك الجدل لصالح قرار الاستسلام، وقد كتب هاري كيرن في مجلة نيوزويك يقول: " إن إلقاء القنبلة الذرية لم يكن ضرورياً، ولم يكن إلقاء القنبلة، بأية حال، هو السبب في استسلام اليابان"! وبالطبع كانت الحكومة الأميركية، بقيادة الرئيس هاري ترومان المؤسس الحقيقي للكيان الصهيوني، تعرف تماماً أن الحكومة اليابانية استسلمت وأن الحرب انتهت، لكن حكومة ترومان أرادت تجريب سلاحها النووي قبل أن يعلن استسلام اليابان وانتهاء الحرب رسمياً، وليس ثمة سبب آخر على الإطلاق! إنه مجرّد التجريب الميداني الواقعي لفعالية قنابلها قبل أن تتغير الظروف وتنتفي الذريعة، وإنه مجرّد إرهاب الأمم جميعها كي تنصاع مسبقاً لعشرات السنين التالية، إن لم يكن إلى الأبد! وبالفعل، فقد شرح عدد من الأميركيين كيف أن حكومة ترومان أضافت إرهاباً جديداً إلى معنى الحرب، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فكتب بولدوين يقول: " أصبح الرأي العام الأميركي ميالاً لاعتناق المبدأ الدنيء القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة، مبدأ الضرورة العاجلة، وبناء على ذلك فإن استخدام القنبلة الذرية قد كلفنا ثمناً باهظاً، فنحن موسومون بميسم الوحوش"!

 

عبقرية بلا حكمة وقوة بلا ضمير!

إن أحداً لم يحاسب الأميركيين على فعلتهم الشنيعة ضدّ اليابان، وهي الفعلة الرهيبة والفريدة في التاريخ، التي لم يسبقهم إليها أحد ولم يفعلها بعدهم أحد، لكنهم،، وياللعجب العجاب، يتصرفون طوال الوقت وكأن التي فعلتها جهة غيرهم، فيقودون اليوم حملة غير نزيهة للحد من انتشار الأسلحة النووية، ويلجؤون إلى الحرب التي لا تخلو من استخدام مشتقات نووية لتحقيق ذلك، كما في العراق أثناء الحصار وفي ظل الاحتلال، إضافة إلى تجاهلهم التام للسلاح النووي الإسرائيلي، فما معنى ذلك؟

في تشخيص حالة الأميركيين، وفي خطاب ألقاه أمام الغرفة التجارية لمدينة بوسطن عام 1948، قال الجنرال الأميركي عمر برادلي: " إننا نتخبط في ظلام روحي بينما نحن نلهو بالأسرار الخطيرة للحياة والموت، فقد امتلكنا العبقرية الخالية من الحكمة، والقوة التي يعوزها الضمير، فغدا عالمنا عالم عملقة نووية وطفولة أخلاقية، وصارت معرفتنا بالحرب والموت أكبر من معرفتنا بالسلام والحياة"!

إننا نقرأ في هذا الخطاب المبكر للجنرال برادلي ما يساعدنا على فهم ما آلت إليه أوضاع العالم بعد ستة وخمسين عاماً من إلقائه، حيث العبقرية التلمودية المفتقرة إلى أي قدر من الحكمة وحيث القوة الباغية الصماء العمياء التي يعوزها الضمير، وما ترتب على ذلك من إقصاء لعلاقات السلام وتدمير لمكونات الحياة، وها هم موظفو وكالة الطاقة الدولية، مثلهم مثل موظفي البنك الدولي، ينطلقون سراعاً بإيعاز من واشنطن إلى البلدان المظلومة المنهوبة، يستطلعونها بحجة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، ويهيئونها إما للإذعان العبودي وإما لاحتلالها من قبل الجيوش الأميركية! وأغرب ما في الأمر أن الإذعان يمكن أن يفضي إلى تجاوز قضية الحدّ من الانتشار النووي سبب الملاحقة، بل يمكن أن يفضي بصمت إلى تجاوز امتلاك البلد الملاحق لقنبلة نووية ناجزة جاهزة، مثلما يمكن أن يعفى حاكم من الملاحقة بتهمة الاستبداد والعدوان على حقوق الإنسان، ومن تهمة دعم الإرهاب أو ممارسته مباشرة، لمجرّد أنه أعلن إذعانه للأميركيين!

 

إرهاب مشروع وإرهاب غير مشروع!

لقد دعت وزيرة الخارجية الأميركية من على منبر الأمم المتحدة جميع حكومات العالم للاتحاد والإجماع في محاربة الإرهاب الذي لا تبرره حسب زعمها أية شكاوي أو مطالب، الأمر الذي يعني الوقوف مع الإرهاب الأميركي الرسمي ضدّ الإرهاب الآخر الذي تفرزه الأمم المظلومة! وهل ثمة إرهاب أعظم من التلويح باستخدام القنابل النووية الأميركية لقصف المدن، مثل التلويح بقصف مكة المكرمة مثلاً؟ وهل تجهل الإدارة الأميركية أنها تمارس الإرهاب النووي من أجل إخضاع الشعوب وسلبها ونهبها؟ قطعاً هي لا تجهل، وتمارس الإرهاب النووي عن سابق تصور وتصميم باعتباره إرهاباً بالضبط، إنما هي تحرّم على غيرها ما تحلّله لنفسها! وما هو الإرهاب في معناه إن لم يكن بعث الرهبة في قلوب المظلومين وإرغامهم على الانكماش والإذعان، أو بعث الرهبة في قلوب الظالمين وجعلهم يترددون أو يتراجعون عن ممارسة العدوان والنهب والسلب؟ وهكذا فكيف يكون الإرهاب مذموماً ضد الظالمين ومحموداً ضدّ المظلومين؟! وعندما ينصب المزارع فزّاعته لإرهاب الطيور التي تهدّد محصوله فإننا نتفهم فعلته، فكيف لا نتفهم إرهاب المظلومين ضدّ عدوان الظالمين، وكيف لا نبرر محاولاتهم لامتلاك ما يصدّ عنهم الإرهاب النووي، بل العدوان النووي الذي مارسه الأميركيون عملياً، ووحدهم فقط؟

لكن الأخطر من كل ذلك هو شيوع ملكية الأسلحة النووية خارج النطاق الرسمي، ولا ندري إن كان هذا الشيوع قد تحقق بالفعل، غير أنه ممكن التحقيق، بحيث تحمل القنابل النووية في حقائب وتنقل بسهولة إلى أي مكان، وعندئذ من يكون المسؤول عن ذلك غير أصحاب القنابل النووية الحكومية الكبيرة؟ وهكذا فليس ثمة حل حقيقي سوى استئصال السلاح النووي الرسمي العدواني، واستئصال الإرهاب الرسمي العدواني، وإلا فإن من حق المستضعفين مواجهة النووي بمثله والإرهاب بمثله، وهو ما يعتبر مشروعاً في حالتهم وليس مشروعاً في حالة ظالميهم!

نعم، هناك إرهاب وإرهاب، أحدهما عدواني غير مشروع وثانيهما دفاعي مشروع، بغض النظر عن فظاعة ذلك في جميع الأحوال!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply