لماذا تابت هذه المرأة وكيف تابت


 

بسم الله الرحمن الرحيم

جاءت إليه و نار الجوف تستعرُ *** ودمعة العين لا تنفكّ تنهمرُ

 

جاءت إليه تجرّ الهمّ مخبتةً *** كأنها أشعث أضنى به السفرُ

 

فراشها السهد، و الأحزان كسوتها *** و البؤس يعصر قلبا كاد ينفطرُ

 

جاءت إليه و موج الغمّ ملتطمٌ *** والنفس لهفى، وحبل السعد منبترُ

 

جاءت إلى الرحمة المسداة في لهفٍ, *** في ساحة الأمن.. لا ذلٌ ولا خطرُ

 

الحدٌّ يُدرءُ.. و الأحكام عادلةٌ *** والذنب مغتفرٌ، و العرض مختفرُ

 

تقدمت و الضمير الحيٌّ يشحذها *** لجنّةٍ, نحوها الأرواح تبتدرُ

 

واستجمعت تفضح الأسرار في أسفٍ, *** لعلّها في مقام العرض تستترُ

 

وهج الفضيحة أمرٌ يستهان به *** فحرقة الجوف لا تبقي و لاتذرُ

 

فأقبلت و رسول الله في حِلَقٍ, *** من صحبه و فؤاد الدهر مفتخرُ

 

كأنه الشمسُ.. أو كالبدر مزدهرا *** أستغفر الله.. ماذا الشمس و القمرُ؟!

 

فأفصحت – يالهول الخطب- وانفجرت *** و طالما هدّها الإطراق و الفكرُ

 

قالت له: يا رسول الله معذرةً *** ينوء ظهري بذنبٍ, كيف يُغتفرُ!!

 

فجال عنها و أغضى عن مقالتها *** و للتمعّر في تقطيبه أثرُ

 

واسترسلت يا أجلّ الخلق قاطبةً *** يا أرحم الناس طُرّا: غرّني الغررُ

 

فجال عنها و أغضى عن مقالتها *** رحمى..وللعفو في إعراضه صورُ

 

قالت وللصدق في إقرارها شجنٌ *** والصمت يطبق والأحداث تُختصرُ

 

أصبت حدّاً فطهّر مهجةً فنيت *** وشاهدي في الحشا، إن كُذب الخبرُ

 

دعني أجود بنفس لا قرار لها *** فالنفس مذ ذاك لا تنفك يحتظرُ

 

حرارة الذنب في الوجدان لاعجةٌ *** إني إلى الله جئت اليوم أعتذرُ

 

فقال عودي.. وكوني للجنين تُقى *** فللجنين حقوقٌ مالها وزرُ

 

فاسترجعت وانثنت شعثاء شاردةً *** فهل لها فوق نار الوزر مُصطبرُ؟!

 

ما أودعت سجن سجّانٍ, و كافلها *** تقوى الإله.. فلا سوطٌ و لا أَسرُ

 

تغصّ في كل ليل حالك قلقا *** و عندها سامراها: الهمٌّ و السهرُ!!

 

واغتالها غائل الإشفاق من سقرٍ, *** سبحان ربي.. وما أدراك ما سقرُ!!

 

لم تنتظر قرّة ً للعين أو سندا *** و إنما هو حتف الروح تنتظرُ

 

لكل ميلاد أنثى فرحةٌ و رضا *** و ما لميلادها سعدٌ و لا بِشَرُ!!

 

حتى إذا حان حينٌ و انقضى أجلٌ *** و قد تقرح منها الخدّ والبصرُ

 

حلّ المخاض فهاجت كلّ هائجةٍ, *** مثل الأسير انتشى و القيدُ ينكسرُ

 

طوت عليه لفاف البين وانطلقت *** فروحها للقاء الطهر تستعرُ

 

أمُّ تغشّى حياض الموت مشفقةً *** إذا اعترى المذنبين الأمن والخدرُ

 

و أقبلت.. يا رسول الله: ذا أجلي *** طال العناء و كسري ليس ينجبرُ

 

فقال قولة إشفاقٍ, و مرحمةٍ, *** و القلب منكسرٌ، و الدمع ينهمرُ

 

غذّي الوليد إلى سنّ الفطام فقد *** جرت له بالحقوق الآيُ و السورُ

 

فاسترجعت، ولها آهات محتسبٍ, *** بمهجةٍ, غيّرت و جدانها الغِيَرُ

 

ومرّ عامٌ.. وفي إصرارها جلدٌ.. *** ومرّ عامٌ.. فلا ضعفٌ و لا خورُ

 

الله أكبر.. والأذكار سلوتها *** والبرّ يشهدُ و الإخبات و السحرُ

 

حتى إذا ما انقضت أيام محنتها *** تكاد لولا عرى الإيمان تنتحرُ

 

جاءت به ورغيف الخبز في يده *** وليس يعلم ما الدنيا و ما القدرُ!!

 

وليس يدرك ما تفشيه لقمته *** و الشمل عمّا قريبٍ, سوف ينتثرُ

 

يلهو.. و لم تبلغ الأحداث مسمعه *** جهلاً.. وعن مثله يُستكتم الخبرُ

 

قالت: فديت رسول الله ذا أجلي *** قد ملّني الصبر،والعقبى لمن صبروا

 

فقال: من يكفل المولود من سعةٍ, *** أنا الرفيق له.. يا سعد من ظفروا!!

 

فاستله صاحب الأنصار في فرحٍ, *** وحاز أفضل فوزٍ, حازه بشرُ

 

كأنما الروح من وجدانها انتسلت *** يا للأمومة.. و الآهات تنفجرُ

 

وكفكفت دمعةً حرّى مودِّعةً *** و للأسى صورةٌ من خلفها صورُ

 

حتى إذا ما انطوى عن ظهرها ألقٌ *** واستسلمت لقضاء زفّه القدرُ

 

شدوّا عليها رداء الستر واحتُفرت *** الله أكبر.. ماذا ضمّت الحفرُ

 

الحكم لله فردٍ, لا شريك له *** ما أنزل الله.. لا ما أحدث البشرُ

 

وفي الحدود نقاء النفس من لممٍ, *** وفي الحدود حياة الناس فاعتبروا..

 

وشذّرتها شظى الأحجار فالتجأت *** و في تألمها عتقٌ و مطّهرُ..

 

فالعين مسملةٌ.. و الخدّ منهشم *** و الشعر في جندل الأحداث منتثرُ

 

لو أن للصخر قلبا لانشوى ألما *** و قد ينوء بأثقال الأسى الحجرُ

 

أو أن للطفل عين -والدماء سدى- *** ماذا عسى أن يقول الطفل يا بشرُ؟!

 

هناك- والجسد الذاوي يفوح شذى- *** لم يبق إلاّ جمال الطهر والظفرُ

 

واستبشرت بعبير التوب واغتسلت *** كما ينقي صلاد الصخرة المطر

 

وقال فيها رسول الخير قولته: *** تابت و توبتها للناس معتبر

 

لو وزّعت بين أهل النخل قاطبةً *** كانت لهم دون بأس الله مُدّثر

 

قام النبي وصفّ الصحب في أثرٍ, *** فيهم أبو بكرٍ, الصدّيق و العمرُ

 

صلى وصلّوا وضجوا بالدعاء لها *** و دعوة المصطفى للعبد مُدّخر

 

في ذمة الله يا من فاح مرقدها *** عطرا، وطبتِ وطاب القبر و المدر

 

بيّنتِ حكما، و كنتِ للتقى مثلاً *** وفاز بالصحبة الغراء مبتدر

 

سارت إلى جنة الفردوس فابتسمت *** لها الربى و النعيم الخالد النَضِر

 

وجنّة الخلد تجلو كل بائسةٍ, *** يحلو إليها الضنى والجوع والسهر

 

إن غرّها طائف الشيطان في زمنٍ, *** فلم تزل بعدها تعلو و تنتصر

 

هناك قصة توبٍ, تزدهي مثلا *** للتائبين و فيها البرّ و العبر..

 

في كل لفتة حزنٍ, نور موعظةٍ, *** أليس في سيرة الأصحاب مُدّكر

 

و رب ذنبٍ, دعا لله صاحبه *** إن أخلص العزم أو إن صحّت الفطر

 

يا من يصرّ على الآثام في صلفٍ, *** و الموت خلف جدار الغيب مستتر

 

الله يفرح إن تاب المسيء..ألا *** قوموا إلى الله و استعفوه و ابتدروا

 

لا تأمن العمر والأيام راكضةٌ *** وقد يجيء بما لم تحذر القدر!!

 

في الدهر زجرٌ وفي الأحداث موعظةٌ *** فما لقلبي المعنّى ليس ينزجر؟!

 

كم غرّ إبليس والأهواءُ من نفرٍ,!! *** وأعظم الذنبِ أنّ الذنبَ يُحتقرُ..

 

- رضي الله عنها -وأرضاها فقد قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -: (لقد تابت توبةً لو تابها أهل المدينة لقُبل منهم) صحيح الجامع للألباني

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply