وتدعوك المنون دعاء صدق *** ألا يا صاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عرسا ذات خدر *** أبتَّ طلاقها الأكياس بتا
تنام الدهر ويحك في غطيط *** بها حتى إذا مت انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع وحت *** متى لا ترعوي عنها وحتى
أبا بكر دعوتك لو أجبتا *** إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماما *** مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من غشاها *** ويهديك الطرق إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجا *** ويكسوك الجمال إذا عريتا
ينالك نفعه ما دمت حيا *** ويبقى ذكره لك إن ذهبتا
هو العضب المهند ليس ينبو *** تصيب به مقاتل من أردتا
وكنز لا تخاف عليه لصا *** خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه *** وينقص إن به كفا شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعما *** لآثرت التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوى مطاعٌ *** ولا دنيا بزخرفها فُتنتا
ولا ألهاك عنه أنيق روضٍ, *** ولا دنيا بزينتها كلفتا
فقوت الروح أرواح المعاني *** وليس بأن طعمت ولا شربتا
فواظبه وخذ بالجد فيه *** فإن أعطاكه الله انتفعتا
وإن أعطيت فيه طويل باعٍ, *** وقال الناس إنك قد علمتا
فلا تأمن سؤال الله عنه *** بتوبيخ: علمتَ فما عملتا
فرأس العلم تقوى الله حقا *** وليس بأن يقال لقد رأستا
وأفضل ثوبك الإحسان لكن *** نرى ثوب الإساءة قد لبستا
إذا ما لم يفدك العلم خيرا *** فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ, *** فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجني من ثمار العجز جهلا *** وتصغر في العيون إذا كبرتا
وتُفقد إن جهلت وأنت باق *** وتوجد إن علمت ولو فُقدتا
وتذكر قولتي لك بعد حين *** إذا حقا بها يوما عملتا
وإن أهملتها ونبذت نصحا *** وملت إلى حطام قد جمعتا
فسوف تعض من ندم عليها *** وما تغني الندامة إن ندمتا
إذا أبصرت صحبك في سماء *** قد ارتفعوا عليك وقد سفلتا
فراجعها ودع عنك الهوينى *** فما بالبطء تدرك ما طلبتا
ولا تختَل بمالك والهُ عنه *** فليس المال إلا ما علمتا
وليس لجاهل في الناس مغن *** ولو مُلك العراق له تأتا
سينطق عنك علمك في ملاءٍ, *** ويكتب عنك يوما إن كتمتا
وما يغنيك تشييد المباني *** إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
جعلت المال فوق العلم جهلا *** لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بون *** ستعلمه إذا طه قرأتا
لئن رفع الغني لواء مال *** لأنت لواء علمك قد رفعتا
لئن جلس الغني على الحشايا *** لأنت على الكواكب قد جلستا
وإن ركب الجياد مسومات *** لأنت مناهج التقوى ركبتا
ومهما افتض أبكار الغواني *** فكم بكر من الحِكم افتضضتا
وليس يضرك الإقتار شيئا *** إذا ما أنت ربك قد عرفتا
فماذا عنده لك من جميل *** إذا بفناء طاعته أنختا
فقابل بالقبول لنصح قولي *** فإن أعرضت عنه فقد خسرتا
وإن راعيته قولا وفعلا *** وتاجرت الإله به ربحتا
فليست هذه الدنيا بشيءٍ, *** تسوؤك حقبة وتسر وقتا
وغايتها إذا فكرت فيها *** كفيئك أو كحلمك إذ حلُمتا
سجنتَ بها وأنت لها محب *** فكيف تحب ما فيه سجنتا
وتطعمك الطعام وعن قريب *** ستطعم منك ما فيها طعمتا
وتعرى إن لبست بها ثيابا *** وتكسى إن ملابسها خلعتا
وتشهد كل يوم دفن خل *** كأنك لا تراد لما شهدتا
ولم تخلق لتعمرها ولكن *** لتعبرها فجد لما خلقتا
وإن هدمت فزدها أنت هدما *** وحصن أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات منها *** إذا ما أنت في أخراك فزتا
فليس بنافع ما نلت منها *** من الفاني إذا الباقي حرمتا
ولا تضحك مع السفهاء يوما *** فإنك سوف تبكي إن ضحكتا
ومن لك بالسرور وأنت رهن *** وما تدري أتُفدى أم غللتا
وسل من ربك التوفيق فيها *** وأخلص في السؤال إذا سألتا
وناد إذا سجدت له اعترافا *** بما نادا ذو النون ابن متى
ولازم بابه قرعا عساه *** سيفتح بابه لك إن قرعتا
وأكثر ذكره في الأرض دأبا *** لتُذكر في السماء إذا ذكرتا
ولا تقل الصبا فيه امتهال *** ونكر كم صغير قد دفنتا
وقل يا ناصحي بل أنت أولى *** بنصحك لو لفعلك قد نظرتا
تقطعني على التفريط لوما *** وبالتفريط دهرك قد قطعتا
وفي صغري تخوفني المنايا *** وما تدري بحالك حيث شختا
وكنت مع الصبا أهدى سبيلا *** فما لك بعد شيبك قد نكثتا
وها أنا لم أخض بحر الخطايا *** كما قد خضته حتى غرقتا
ولم أشرب حُميا أم دفرٍ, *** وأنت شربتها حتى سكرتا
ولم أنشأ بعصر فيه نفع *** وأنت نشأت فيه وما انتفعتا
ولم أحلل بواد فيه ظلم *** وأنت حللت فيه وانتهكتا
لقد صاحبتَ أعلاما كبارا *** ولم أرك اقتديت بمن صحبتا
وناداك الكتاب فلم تجبه *** ونبهك المشيب فما انتبهتا
ويقبح بالفتى فعل التصابي *** وأقبح منه شيخ قد تفتا
ونفسك ذم لا تذمم سواها *** لعيب فهي أجدر من ذممتا
وأنت أحق بالتفنيد من *** ولو كنت اللبيب لما نطقتا
ولو بكت الدما عيناك خوفا *** لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
ومن لك بالأمان وأنت عبد *** أُمرت فما ائتمرت ولا أطعتا
ثقلت من الذنوب ولست تخشى *** لجهلك أن تخف إذا وزنتا
وتشفق للمصر على المعاصي *** وترحمه ونفسك ما رحمتا
رجعت القهقرى وخبطت عشوى *** لعمرك لو وصلت لما رجعتا
ولو وافيت ربك دون ذنب *** ونوقشت الحساب إذاً هلكتا
ولم يظلمك في عمل ولكن *** عسير أن تقوم بما حملتا
ولو قد جئت يوم الحشر فردا *** وأبصرت المنازل فيه شتى
لأعظمت الندامة فيه لهفا *** على ما في حيتك قد أضعتا
تفر من الهجير وتتقيه *** فهلا من جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا *** ولو كنت الحديد به لذبتا
ولا تنكر فإن الأمر جد *** وليس كما حسبت ولا ظننتا
أبا بكر كشفت أقل عيبي *** وأكثره ومعظمه سترتا
فقل ما شئت في من المخازي *** وضاعفها فإنك قد صدقتا
ومهما عبتني فلفرط علمي *** بباطنه كأنك قد مدحتا
فلا ترض المعايب فهو عار *** عظيم يورث المحبوب مقتا
وتهوي بالوجيه من الثريا *** ويبدله مكان الفوق تحتا
كما الطاعات تبلك الدراري *** وتجعلك القريب وإن بعدتا
وتنشر عنك في الدنيا جميلا *** وتلقى البر فيها حيث شئتا
وتمشي في مناكبها عزيزا *** وتجني الحمد فيما قد غرستا
وأنت إن لم تُعرف بعيبٍ, *** ولا دنست ثوبك مذ نشأتا
ولا سابقت في ميدان زورٍ, *** ولا أوضعتَ فيه ولا خببتا
فإن لم تنأ عنه نشبت فيه *** ومن لك بالخلاص إذا نشبتا
تدنس ما تطهر منك حتى *** كأنك قبل ذلك ما طهرتا
وصرت أسير ذنبك في وثاق *** وكيف لك الفكاك وقد أُسرتا
فخف أبناء جنسك واخش منهم *** كما تخشى الضراغم والسبنتا
السَّبَنتَا: النمر ***
وخالطهم وزايلهم حِذارا *** وكن كالسامري إذا لُمستا
وإن جهلوا عليك فقل سلام *** لعلك سوف تسلم إن فعلتا
ومن لك بالسلامة في زمان *** تنال العصم إلا إن عصمتا
ولا تلبث بحي فيه ضيمٌ *** يميت القلب إلا إن كُبلتا
وغرب فالتغرب فيه خير *** وشرق إن بريقك قد شرقتا
فليس الزهد في الدنيا خمولا *** لأنت بها الأمير إذا زهدتا
ولو فوق الأمير تكون فيها *** سموا وارتفاعا كنت أنتا
فإن فارقتها وخرجت منها *** إلى دار السلام فقد سلمتا
وإن أكرمتها ونظرت فيها *** لإكرام فنفسك قد أهنتا
جمعتُ لك النصائح فامتثلها *** حياتك فهي أفضل ما امتثلتا
وطولتُ العتاب وزدت فيه *** لأنك في البطالة قد أطلتا
ولا يغررك تقصيري وسهوي *** وخذ بوصيتي لك إن رشدتا
وقد أردفتها تسعا حسانا *** وكانت قبل ذا مائة وستا
وصلى على تمام الرسل ربي *** وعترته الكريمة ما ذكرتا