بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن هناك أزمة ما، هي التي تُسبب هذا الإرهاب، ولكن للأسف لا يريد أحد أن يقر بها أو أن يواجهها بصراحة، هناك أزمة عند دول كبرى لا تريد أن تقر بها، وهناك أزمة في الشرق الأوسط لا يلتفت إليها، وهناك أزمة في أقطار المنطقة، لا تريد أن تتجاوزها أو تبحث لها عن حل، كما لا تريد تلك الدول أو هذه القوى أن تبحث لها عن مخرج، أو تكلف نفسها، تأليف لجنة لبحث المشكلة وتقترح لها الحلول وتفض الإشكالية التي أصبحت مقلقة ومدمرة في نفس الوقت.
هل يريد بوش وبلير البحث عن الأسباب الحقيقية والبواعث الأكيدة التي لو أراداها لوجداها؟ بل هي واضحة كالشمس في رائعة النهار، يعرفها القاصي والداني ويحادثك بها الطفل والشاب والكهل، ويفصلها لك الجاهل والمتعلم والأمي. هل تستطيع تلك الدول التخلي عن أطماعها المكشوفة والمفضوحة، وهل ترضى أن تحتكم إلى العدالة وإلى القانون الدولي؟ وهل تحاول أن تتخلى عن المظالم والأطماع والاعتداءات؟ وهل تفكر ولو قليلاً باحترام إرادة الإنسان في الوطن العربي، فلا تستبيحه مالاً وعرضاً ودماً؟!، وهل تفكر ولو بقليل من الإنصاف أن تقف موقف المحايد في قضية مثل قضية فلسطين المغتصبة والمستباحة والمنهوبة من قبل عصابات، هي تعرف قبل غيرها من أين جاءت وكيف استوطنت وتوحشت، وقتلت واستولت على الديار والأموال، وهي تعرف تمام المعرفة ما تفعله بشعب مسالم لا يملك ما يدافع به عن نفسه أو يرد به عن ضعافه المساكين الذين تهدم بيوتهم ليبيتوا في العراء، تحت وهج الشمس المحرقة، وقرصات البرد المهلكة، ويمنع عنهم العمل، ويردع كل محسن يريد أن يسد رمق الأحشاء الملتوية والبطون الخاوية، ويهدد بمصادرة ماله، وتجميد أرصدته وخراب بيته؟!
كما يلصق بمن يدافع عن أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، تهمة الإرهاب والإجرام حتى تطارده الدنيا بأسرها، وتلفظه الأرض بأهلها؟ هل هذا شيء يمر عليه المراقب أو الباحث مر الكرام، وقد ملأ الدنيا جوراً وظلماً وبغياً، وبصراحة وكل وضوح: هل تستطيع أمريكا وشركاؤها التخلي عن استعمارها في العراق وأفغانستان؟! وهل تستطيع أن تكون الحكم العدل في فلسطين وقضايا المسلمين؟! وهل ترضى بالتخلي عن الدكتاتوريات البغيضة التي تحكم الناس بالحديد والنار، وتمنع عنها التقدم والازدهار، فلا تساندها، أو تحرضها على شعوبها والمدافعين عن الحرية فيهم؟!
إن هذه القضايا المهمة وغيرها مما هو على شاكلتها، لا يريد أحد أن يبحثها أو يستطيع باحث أن يتحدث فيها على أنها سبب للإرهاب، أو تعديات أو عنف، ثم لمَ لم يظهر العنف في كثير من البلاد الأوروبية، التي لم تشترك في الحروب أو المظالم؟! ولِمَ لم يتصاعد الإرهاب إلا مع تصاعد الاعتداء على الأمة؟! إن مشكلة الإرهاب ممكن حصارها وإنهاؤها إذا أرادت تلك الدول التي تسببت فيها، فهل هي تريد؟
أما عندنا في الوطن العربي، فهناك أزمات وأزمات تترك الحليم حيران، في كل مكان وعلى كل صعيد، يتحدث عنها "الرايح والجاي، وصميدة اللي اشترى الترماي".
ولنأخذ مثلاً جزءاً من التقرير الذي أصدرته المنظمة العربية لحقوق الإنسان في 19 يوليو سنة 2005م، حيث لاحظ التقرير تفاقم معدلات انتهاك الحقوق الأساسية للإنسان العربي نتيجة للاحتلال الأجنبي منذ بدء العدوان في مارس 2003م، حيث قتل أكثر من 100 ألف قتيل في العراق وحدها، وأما في فلسطين فبلغ عدد القتلى في الانتفاضة الأخيرة أكثر من 4 آلاف قتيل، وأما في دارفور فإن الأعداد كبيرة منذ بدء النزاع 2003م، ولم يتفق على تقديرها حتى الآن، وفي الصومال حوالي 300 ألف قتيل منذ بدء النزاع في عام 1991م، بحسب ما أعلنه رئيس البلاد، هذا ويذكر التقرير جملة من الحقائق تدعو إلى الغرابة وتدفع إلى العنف، منها:
1 محاولة الاستعمار تغيير المناهج وتبديل هوية الأمة، كما يحاول تغيير بعض الأنظمة وإقامة بعضها بقوة السلاح، كما في العراق بواسطة اختراع أساليب معينة لذلك.
2 استغلال ظاهرة الإرهاب لضرب المعارضين، وتقويض الضمانات القانونية لحقوق الإنسان، كما أظهرت تقارير صحفية أن هناك 900 مركز احتجاز سري تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية خارج الولايات المتحدة حتى لا تتعرض لرقابة القضاء الأمريكي.
ورغم ذلك تضاعفت معدلات انتهاكات حقوق الإنسان ليتساقط المئات من القتلى والجرحى في العمليات الإرهابية، وهذا نتيجة للاحتقانات المتكررة والمظالم المستمرة.
3 كما استغلت أجواء الاحتقان في تبرير القيود الواسعة على الحريات ووسائل الإعلام وحرية البحث العلمي، كما أعطت بعض السلطات ذرائع لاستمرار حالات الطوارئ، وازدياد حالات التعذيب والاحتجاز في السجون لأجل غير مسمى، حيث قالت منظمة حقوق الإنسان الأمريكية "ووتش": إن نحو 2400 من مواطني سيناء ربما مازالوا رهن الاعتقال منذ أحداث طابا دون توجيه تهم إليهم، وهذا أيضاً مما خلف حقداً واحتقاناً يساعد على العنف والانتقام، كما أشار إلى أن كل العمليات الإرهابية تمت في ظل حالة الطوارئ وسياسة القهر والإذلال.
نعم: قُوضت جهود المجتمع في التنمية والإصلاح وقضي على مبدأ التعددية السياسية، وحرية الاجتماعات، وشُجع على العزوف الشعبي للمشاركة السياسية، وأُبطلت فاعلية الاتحادات وأنشطة المجتمع المدني، وأخيراً نقول: إن الإرهاب جريمة بكل المقاييس ينبغي منعها والتكاتف لسحقها، ولكن هل الدول المعنية تريد ذلك حقاً؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد