بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن العالم اليوم يقف حائراً عاجزاً عن الوصول إلى تعريف موحد للإرهاب الذي يقوم على مكافحته ومحاربته، فالكل يعرّف الإرهاب ويطلق وصف الإرهاب بحسب أهوائه ومصالحه السياسية والاستعمارية.
فالصهاينة الغاصبون للقدس وأرض فلسطين، سفاكوا الدماء، قتلة الأنبياءº في نظر أمريكا وأوروبا برآء من الإرهاب، فلا يدخلون في تعريفهم للإرهاب، بينما أطفال فلسطين وحماس وبقية المجاهدين في فلسطين صنفوا على أنهم منظمات إرهابية محظورة، يجرّم كل من يمد لهم العون والمساعدة.
وأما راعية الصليب في العالم اليوم، والتي يحكمها الإنجيليون المتطرفون، والتي أطلقت يدها الاستعمارية تقتل في فلسطين عبر يدها اليهودية، وتعيث فساداً في السودان والعراق وأفغانستان، وتقوم بالتهديد بالسلاح لكثير من الدول المستضعفة في العالم، بل والتي وقعت في أعظم إرهاب عرفته البشرية في حق السجناء كسجن جانجي وغوانتاناموا، وأخيراً سجن أبي غريب في العراق، كل أعمالها الإجرامية والإفسادية هذه غير داخلة في مفهوم الإرهاب العالمي.
وقل مثل ذلك في الشيوعية الحمراء والتي قتلت وشردت مئات الآلاف من المسلمين في أفغانستان والشيشان وغيرها، هي كذلك تدعي محاربة الإرهاب والإرهابيين، ولا يخفى على عاقل مَن هم الإرهابيون في نظرها.
ولا ننسى دولة الهندوس الوثنية - التي أبادت من المسلمين ألوفاً - فهي أيضاً عارية عن تهمة الإرهابº لأنه قد فُصِّل على القدر الذي لا يدين جرائمها في كشمير، ولذا فلا يتناسب وصمها بالإرهاب بالمفهوم العالمي لهذا المصطلح، بينما مجاهدو كشمير الذين يدافعون عن أرضهم وأهليهم هم الإرهابيون في نظر العالم كما يريده الهندوس الوثنيون.
إنَّ عجز العالم ممثلاً بأممه المتحدة عن تعريف موحد للإرهاب، وعن وقف هذا الإرهاب الدولي في حق الشعوب الإسلامية المستضعفةº ما هو إلا افتضاح للموازين الظالمة، وللقوى المعتدية والتي تتستر بستار الحرية وحب السلام، إنه إفلاس عالمي في قضايا العدل والسلام المزعوم.
فأي سلام هذا الذي لم يستطع أن يوقف نزيف الدماء المسلمة في بقاع كثيرة من الأرض؟؟ بل هي في ازدياد وتوسع!! بل ويُجرَّم المسلمون ويوصمون بالإرهاب لا لشيء إلا لأنهم يقفون في وجه الأطماع الدولية التي تنتهك دماءهم وأوطانهم!!
إن دين الإسلام دين الرحمة الذي أنزله الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: ((وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ))(الأنبياء:107).
وهو الدين الجدير بأن يؤخذ مفهوم الإرهاب عنه فهو دين رب العالمين وأحكم الحاكمين، الذي نزه نفسه - سبحانه - عن الظلم، ووصف نفسه بالعدل والحكمة والرحمة.
إن الإرهاب في مفهوم الإسلام منه ما هو مذموم ممقوت، منهي عنه، ومنه ما هو مطلوب مأمور به:
1 – فأما المأمور به: فهو الإعداد والاستعداد بالقوة كي يرهب ويخاف أعداءُ الله جانب المسلمين، فلا يعتدون على حقوقهم، ولا ينتهكون كرامتهم، قال - سبحانه -: ((وَأَعِدٌّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ, وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم ))(الأنفال: من الآية60).
2 – وأما الإرهاب المذموم المنهي عنه في شريعة الإسلام: فهو الاعتداء والقتل، والإفساد في الأرض بغير حق، قال - تعالى-: ((وَلا تَعتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبٌّ المُعتَدِينَ ))(البقرة: من الآية190)، ((وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ))(الأنعام: من الآية151)، ((وَلا تُفسِدُوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِهَا))(الأعراف: من الآية56)، (( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللَّهُ لا يُحِبٌّ الفَسَادَ ))(البقرة:205)، (( مِن أَجلِ ذَلِكَ كَتَبنَا عَلَى بَنِي إِسرائيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفساً بِغَيرِ نَفسٍ, أَو فَسَادٍ, فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النَّاسَ جَمِيعاً ))(المائدة: من الآية32).
إن هذه الآيات وغيرها كثير في كتاب الله، واضحة جلية تبين لنا مفهوم الإرهاب الذي لا يحابي أحداً، ولا يقوم على موازين ظالمة، ولا يفصل على قدر مصالح سياسية وتوسعية، إنما هو العدل والإنصاف في حق جميع البشر مسلمهم وكافرهم، أبيضهم وأسودهم قال - تعالى-: ((وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ, عَلَى أَلَّا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى))(المائدة: من الآية8).
لقد طالت وسائل الإعلام الغربية دين الإسلام لتصفه بالإرهاب، وبتفريخ الإرهابيين، بل حتى القساوسة والإنجيليين المتطرفين رموا دين الإسلام بهذه التهمة الواهية!
عجباً لهم!! كيف اتسعت عباءة الإرهاب حتى طالت الإسلام كله بمؤسساته وتشريعاته، وأفراده ودوله؟! بينما ضاقت هذه العباءة عن ما تمارسه دول إرهابية صباح مساء؟!! بل ضاقت هذه العباءة عما جرى ويجري على أيدي اليهود والنصارى والمشركين - قديماً وحديثاً - من إزهاق للأنفس البريئة؟!!
فلأن وقع من بعض المسلمين قتل بغير حق عبر تاريخهم المشرق - الذي لم يمر في تاريخ الأمم مثله في حماية حق الإنسان - فإنما هو نقطة في بحر ما قد وقع من الكنائس العالمية والمجامع اليهودية والصليبية عبر التاريخ! فمن ملأ العالم بالحروب والقتل، والدمار والإفساد في الأرض؟ حروب صليبية، وحروب عالمية، واستعمار ومحاكم تفتيش، وتجويع وتهديد، واعتداء على الحقوق، وسلب لمقدرات الأمم، وإثارة للنزاعات، وإشاعة لفوضى السلاحº إلى آخر تلك السلسلة من الجرائم في حق البشرية إلى ساعتنا الحاضرة اليوم.
فأي الفريقين أحق بوصف الإرهاب إن كانوا صادقين منصفين؟!
ومن منطلق مفهوم الإرهاب في الإسلام، ومن منطلق العدل والإنصافº فإننا لا نتنصل مما يقع من بعض المسلمين من إرهاب وتخريب، وقتل بغير حق، فإن ما يقوم به بعض أبنائنا وأبناء المسلمين في بلادنا أو في بقية بقاع الأرض من قتل وتفجير، وتدمير وإفساد بغير حق ما هو إلا صورة من صور الإرهاب الممقوت، والذي جاءت الشريعة بالنهي عنه، وتجريمه ونبذه، وإن لُبس بلبوس الجهاد أو الاستشهاد، فالجهاد والاستشهاد له ضوابطه، وله أحكامه، ومعروفة أماكنه وساحاته، فلا يمكن أن نبرر مثل هذه الأفعال الآثمة مهما كانت الدوافع، ومهما كانت نوايا أصحابها، فإن الله - سبحانه - عظّم الأنفس والأموال، والعهود والمواثيقº أن تنتهك أو يُعتدى عليها، كما حمت الشريعة الضرورات الخمس ضرورة الدين والعرض والعقل والمال والنفس.
ويجب على كل مسلم ومسلمة أن يقفوا صفاً واحداً مع الولاة - أمراء وعلماء - ضد كل من دعته نفسه إلى أن يفسد في الأرض بغير الحق، أو أن يشيع الفوضى والخوف والرعب في البلاد.
نعم نحن مع الحملة على الإرهاب لكن بالمفهوم الشرعي الذي يرفض الاعتداء والفساد في الأرض، لا المفهوم الظالم للإرهاب الذي يجرّم المظلوم الذي يدافع عن أرضه وعرضه، ويبرئ الظالم المعتدي الغاصب.
نحن مع الحملة على التشدد والغلو لكن لسنا مع الشذوذ الفكري الذي يدعو إلى الانسلاخ من تعاليم ديننا أو ثوابتنا كي ترضى عنا قوى الإرهاب العالمية.
نحن مع الحملة الداعية إلى النقد والتغيير والإصلاح وفق ضوابط شرعنا في مناهج التعليم، وخطابنا الشرعي، وجميع شؤوننا، لكننا لسنا مع الفوضى والخروج على الولاة، وإشاعة الاضطراب، والتفكك في البلاد.
ولسنا كذلك مع حملة الصليب والنفاق ضد المساجد والجمعيات الخيرية وحلقات القرآن والشريط الإسلامي لإغلاقها، أو تشويهها أو تدميرها، أو اتهامها بالإرهاب، وتزوير حقيقتهاº لأنها تدعو إلى الفضيلة، ونبذ الانسلاخ من الهوية الإسلامية.
إن التنصل من تراثنا وأدبياتنا وتاريخنا وبعض شعائر ديننا لن يغني عنا من الحق شيئاً، وليس هو السبيل للقضاء على ما يحدث عندنا من إرهاب أو تشدد وغلو بغير حق، قد نستطيع أن نحذف آية أو مقالة من كتاب مدرسيº لكننا لن نستطيع أن نحذف آية من كتاب الله، أو من قلوب أبنائناº تدعو إلى الجهاد أو البراءة من المشركين، فهذا دين رب العالمين لا مناص لنا عنه.
لكن الواجب علينا أن نصحح مفاهيم أبنائنا حول آيات الجهاد والقتال، ومعاملة الكفار وفق فهم سلفنا وعلمائنا الربانيين لا وفق ما يريده عدونا، ولا وفق ما يريده غلاتنا وجهالنا.
إن الإرهاب بمفهومه الشامل لا يقتصر على من يحمل السلاح للقتل فقط من أفراد أو دول، بل إن الإرهاب دائرته واسعة، والحرب عليه لا بد أن تشمل كل صورة من صوره، فالعالم اليوم لا زال يغض الطرف عن صور من الإرهاب مغيبة عن وسائل الإعلام يجب الانتباه لها ومحاربتها، من ذلك:
- الإرهاب الإعلامي الذي دنس الأخلاق والأذواق، والأفكار والعقائد، فلا تزال بعض المؤسسات الإعلامية في العالم تمارس إرهاباً إعلامياً ضد الشعوب والجماعات، والدين والأخلاق.
- ومن صور الإرهاب - أيضاً - إرهاب الفقر والجوع الذي تمارسه كثير من الدول الاستعمارية الغنية في أفريقيا وآسيا وغيرها من بقاع الأرض، فكم بسبب هذا الإرهاب غيرت نظم، وأذلت شعوب، بل وأرهبت بالفقر والجوع حتى تركت دينها إلى دين النصرانية المحرف.
- ومن صور الإرهاب - وهي كثيرة أيضاً - إرهاب التسليح والمعتقلات البعيدة عن يد العدالة، وإرهاب النظم والقوانين الفاسدة التي سلطت على رقاب العباد بالظلم، وأكل أموال الناس بالباطل.
إن إحلال الأمن لا بد وأن يكون شاملاً عاماً كي يعيش الإنسان حراً، لا يخشى على نفسه، ولا دينه، ولا ماله شيئاً.
وختاماً: إن رسالة الإسلام للبشرية إنما هي رسالة رحمة للعالمين، وإن تعميم مصطلح الإرهاب على الإسلام ما هو إلا صورة من صور الإرهاب الذي تمارسه الدول المتغطرسة، والتي تريد بذلك التفرد والسيطرة بلا مقاومة.
فإن كانوا بذلك يظنون أنهم سيطمسون نور الإسلام فهذا وهم، وهم بحق لم يفهموا حقيقة هذا الدين، وأنه نور الله الذي لا يطفئه أحد ((يُرِيدُونَ أَن يُطفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفوَاهِهِم وَيَأبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ ))(التوبة:32)، ((هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ))(التوبة:33).
ورسالة - أخيرة - نهمس بها في أذن كل منافق ومنافقة يريد في مثل هذه الأجواء أن يخلط الأوراق، ويشوه المفاهيم، وينفس عن مكنونات نفسه، فنقول له: رويدك رويدك فإن هذه البلاد قدرها الإسلام، ولن تحيا إلا بالإسلام، ومهما كتبتم أو تكلمتم أو تناديتم وصرختم عبر قنواتكم فإن رسالة الإسلام ماضية، ودين الله باقٍ,، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه.
إنَّ أفواهكم مهما بلغت صراخاً، وأقلامكم مهما بلغت بلاغة، فلن تطفئ نور الله ((وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ))(يوسف: من الآية21)، ((إِنَّهُم يَكِيدُونَ كَيداً وَأَكِيدُ كَيداً فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمهِلهُم رُوَيداً))(الطارق:15-17)، ((وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ المَاكِرِينَ))(الأنفال: من الآية30)، ((وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعلَمُونَ))(المنافقون: من الآية8).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد