مسلمو قبرص .. والحنين إلى الوطن الأم


بسم الله الرحمن الرحيم

 

جزيرة صغيرة ومشكلة كبيرة..هذه هي قبرص.. ومن هذه الجزيرة برز إلى الوجود شعار "الأنيوسيس" ومعناه الوحدة مع الوطن الأم.. وبظهور هذا الشعار ظهرت مشكلات كبيرة لا تزال تبحث لها عن حل في هذه الجزيرة.. إلى أن وصل الأمر إلى إعلان دولة " قبرص الشمالية " لتمثّل المسلمين .. ودولة قبرص الجنوبية لتمثّل النصارى.

ولو أن الأمر قد توقّف عند هذا الحدّ لكان في الإمكان أن نتصور وجود حلّ لهذه المشكلة، ولكن كل قبرصي له ثلاث صفات: فهو أولاً: قبرصي وثانياً: إما تركي أو يوناني وثالثاً: فإن القبرصي التركي هو قبرصي مسلم والقبرصي اليوناني هو قبرصي نصراني.

وبالرغم من هذا الوضع المعقّد للقبارصة فإنه يمكن القول أيضاً بأنه بالإمكان إيجاد صيغة للتعايش في هذه الجزيرة.. أي أن ثمة دولتين هما: تركيا في جانب واليونان في جانب آخر.. تطالب كل منهما بضم الجزيرة إليها.. وتعتمد كل منهما على شعار وصيحات تطالب بالوحدة مع الوطن الأم.. كما ترفض تركيا الاعتراف بقبرص الجنوبية، وإن كان الاتحاد الأوروبي علق عضوية تركيا بضرورة الاعتراف بقبرص وبالرغم من كل هذه المشكلات التي تسود قبرص.. فإننا نحاول أن نتعرف كيف يعيش المسلمون هناك من وجهة نظر محايدة وتناول موضوعي.

 

الجزيرة والناس

تقع قبرص في الطرف الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.. في مفترق الطرق بين الشرق والغرب.. وتبلغ مساحة الجزيرة (357) ميلاً مربعاً ـ وهو ما يعادل (9251) كيلو متراً مربعاً ـ حسب المساحة الواردة في الأطلس العربي.. وتعتبر قبرص ثالث جزيرة من حيث الحجم بعد صقلية وسردينيا بالبحر الأبيض المتوسط.

ويبلغ طول الجزيرة من الغرب إلى الشرق (230) كيلو متراً مربعاً.. ويبلغ عرضها (96) كيلو متراً.. وهي تبعد (43) ميلاً عن الشاطئ الجنوبي لتركيا.. وتبعد خمسمائة ميل عن اليونان، وتبعد عن مدينة بورسعيد المصرية (225) ميلاً.. أما عدد السكان فيقدر بحوالي (935) ألف نسمة.. منهم 80 % من أصل يوناني و18 % من أصل تركي و2% جاليات أجنبية.

 

الإسلام في قبرص

تقول المصادر التاريخية أن المسلمين فتحوا قبرص مرتين: الأولى في عام 28 هجرية، والثانية في عام 34 هجرية، بعدها انتشر الإسلام في قبرص.. وتضيف بعض المصادر أن الوعاظ المسلمين ظهروا لأول مرة في قبرص في عهد الخليفة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وتقول المصادر القبرصية أن تكيّة "هالا سلطان" في قبرص قد دُفنت بها مربية الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي كانت ترعى الرسول - عليه الصلاة والسلام - مع السيدة حليمة السعدية.. وتُعتبر هذه التكيّة واحدة من أهم المعالم الرئيسة للسياحة الإسلامية في جزيرة قبرص.

وتضيف المصادر.. أن التقدم العربي الإسلامي في قبرص قد وصل إلى ذروته في عهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قام معاوية بن أبي سفيان بفتح الجزيرة وأسكن فيها (17) ألف جندي مسلم.. ولكن الروم عادوا إلى الجزيرة مرة أخرى إلى أن استطاع العثمانيون أن يفتحوها عام 979 هجرية.. ولم يمض قرن من الزمان حتى كان المسلمون ثلاثة أمثال عدد النصارى في جزيرة قبرص.

 

تشجيع الهجرات اليونانية

 

قامت بريطانيا بعد استلام قبرص في عام 1296 هجرية بتشجيع هجرة اليونانيين النصارى إلى الجزيرة.. كما قامت بحملة اضطهاد واسعة ضد المسلمين هناك.. حتى استقلت قبرص عام 1379 هجرية وأصبحت نسبة المسلمين بها 18% فقط من عدد السكان بينما بلغت نسبة المسيحيين 80 %.. وبعد الاستقلال تمّ الاتفاق على أن يكون رئيس الجمهورية القبرصية من اليونانيين ونائبه من الأتراك.. أي أن رئيس الجمهورية مسيحي والنائب مسلم.. وأن يضم مجلس الوزراء (7) من اليونانيين و(3) من الأترك، وبالنسبة للمجلس النيابي يشغل اليونانيون70 % ويشغل الأتراك 30 % من المقاعد.. وأن يتكوّن الجيش القبرصي من 60 % من اليونانيين و40% من الأتراك.

 

بداية الصراع

ولم يعجب اليونانيين هذا التقسيم بالرغم من أن الغالبية لهم في كل شيء وبدأ الصراع.. حيث هاجم اليونانيون المناطق الإسلامية وقصفوها بالطائرات وهدموا العديد من المساجد.. وكانت هذه المعارك تستهدف إبادة المسلمين في قبرص.. فاضطرت تركيا ـ إنقاذا للقبارصة الأتراك ـ إلى التدخل واحتلت الجزء الشمالي من الجزيرة الذي توجد به أغلبية تركية.. وتوقفت الصراعات عند هذا الحدّ.

 

الوطن الأم

طالب القبارصة اليونانيون بالانضمام إلى اليونان.. وبرز منذ هذا الوقت شعار: "الأنيوسيس" وهو الوحدة مع الوطن الأم.. وأدرك القبارصة الأتراك أن الهدف الرئيس من ذلك هو تحويلهم إلى أقلية مسلمة في النطاق اليوناني.. وقد رفضه القبارصة الأتراك.. وقالوا: إن الإسلام والدولة الإسلامية العثمانية كانت تحكم الجزيرة.. وكان عدد المسلمين فيها هو الأغلبية الساحقة، وبالرغم من ذلك لم يفكّر القبارصة الأتراك في الانضمام إلى الوطن الأم تركيا.. كما لم يفكروا في تحويل القبارصة اليونانيين إلى أقلية دينية في النطاق الإسلامي التركي.

 

تقسيم قبرص

ولمواجهة مطالب القبارصة من النصارى بالانضمام إلى الوطن الأم ـ اليونان ـ اقترح القبارصة الأتراك.. التقسيم بدلاً من الانضمام.. وهو نوع من الاتحاد المزدوج تتمكن بمقتضاه كل فئة من الفئتين من الاتحاد مع الوطن الأم.. فالقبارصة الأتراك مع تركيا والقبارصة اليونانيون مع اليونان.. وقد سادت قبرص فكرة التقسيم أو الاتحاد المزدوج كحل دائم للمشكلة القبرصية.. ولكن القبارصة اليونانيين رفضوا كل المقترحات القبرصية التركية.

إن الفئتين التركية واليونانية.. أو الإسلامية والمسيحية في قبرص.. تختلفان تمام الاختلاف عن بعضهما من ناحية الدين واللغة والثقافة.. كما أنهما لا تتزاوجان ـ إلا في حالات نادرة وفردية للتعبير عن وحدة الشعب القبرصي ـ بالرغم من كثرة القرى التي يختلط فيها التركي واليوناني ـ المسلم والمسيحي.

وقد قام القبارصة اليونانيون بطرد وتشريد وقتل أكثر من (2000) تركي مسلم.

 

مبادرة رابطة العالم الإسلامي

قام وفد من رابطة العالم الإسلامي.. بزيارة قبرص الشمالية ـ الإسلامية ـ والتقى الوفد بالرئيس رؤؤف دنكتاش.. الذي شرح للوفد أن العديد من المساجد قد دُمرت خلال الأحداث القبرصية.. وطلب من الوفد بذل المساعي لدى المسئولين بالمملكة العربية السعودية لبناء مساجد جديدة في قبرص الشمالية.. وفعلاً وافقت السلطات بالمملكة على طلب الرئيس القبرصي المسلم.. وقامت الرابطة ببناء مسجدين أحدهما في مدينة "لا فكوشا" والثاني بمدينة " كورت جوزال ".. كما قامت رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بافتتاح مكتب دائم لها هناك.. وتقرر أيضاً تقديم بعض المنح الدراسية للطلبة القبارصة المسلمين للدراسة بالجامعات السعودية.. وتم إرسال بعض دعاة الإسلام للعمل هناك وإهداء المسلمين القبارصة المكتبات الإسلامية التي تضم المصاحف الشريفة وترجمات معانيها باللغتين التركية والإنجليزية والكتب الدينية في مختلف المعارف والعلوم.. كما أعلنت الكويت قيامها ببناء مسجد في مدينة "لا فوشكا".

 

التضامن مع الشعب القبرصي المسلم

يحتفل القبارصة من المسلمين في شهر مارس من كل عام بيوم التضامن الإسلامي مع الشعب القبرصي المسلم.. والذي أقره المؤتمر العام الإسلامي في دورته الثانية التي عُقدت في مدينة "ما غوسا" بقبرص الشمالية في الفترة من 24 إلى 28 مارس عام 1980 ميلادية.. وكان لمقررات هذا المؤتمر أثر طيب في رفع معنويات الشعب القبرصي المسلم ومن أبرز مقررات هذا المؤتمر.. مناشدة الحكومات الإسلامية لدعم قبرص الشمالية سياسياً واقتصادياً ومدّ خطوطها الجوية إلى مطار "أرجان " وقد ألقى الرئيس القبرصي الشمالي كلمة بهذه المناسبة أشار فيها إلى أن وحدة المسلمين هي السبيل الأمثل لمواجهة كافة الأخطار المعادية وهي السياج الواقي لكافة المسلمين.

 

الحصار اليوناني

فرضت قبرص اليونانية حصاراً شرساً على المسلمين في قبرص الشمالية.. مما اضطر القبارصة المسلمين إلى إنشاء مطار "أرجان"، وقد طالبت العديد من المؤسسات الإسلامية الشعبية كافة دول العالم الإسلامي بأن تفتتح لها مكاتب وخطوطاً جوية في قبرص الشمالية.

وفعلاً.. تم استئجار طائرات من تركيا ومن شركة بلجيكية، وتم افتتاح خط دولي يمتدّ من قبرص الشمالية إلى اسطنبول ولندن.. بينما خشيت باقي شركات الطيران بالدول الإسلامية والعالمية من اختطاف طائراتها أو الاعتداء عليها واحتجازها في مطار "أثينا" إذا ما تعاونت مع قبرص الشمالية.

 

شهادة قسيس يوناني

وننقل هنا نص ما شهد به قسيس نيقوسيا "بابا تسروتوس" الذي أدلى به إلى جريدة "تانيا" ـ التي تصدر في" أثينا "حيث يقول: إن القبارصة اليونانيين يعلّمون أولادهم الأناشيد التي تدعو للثأر من المسلمين.. ومن أشهرها نشيد تقول كلماته: "تعالوا ننتقم من الأتراك المسلمين ونقتلهم بسيف حاد ناعم".

وأضاف القسيس اليوناني: " لقد عشت أفظع تجربة في حياتي.. حيث رأيت الشاحنات المليئة بجثث المسلمين الذين تمّ دفنهم سرّا في مقابر جماعية.. ورأيتهم يدفنون شاباً مسلماً وهو حي.

وقال القس: إن عدد المسلمين الذين تم دفنهم بمعرفتي 27 مسلماً قبرصياً".

 

نداء القبارصة المسلمين

وجه مسلمو قبرص نداء إلى المسلمين في كافة أنحاء العالم. يقول النداء: " نحن القبارصة المسلمين.. نوجه نداءنا إلى جميع إخواننا المسلمين في جميع أنحاء العالم، وندعوهم لدراسة القضية القبرصية ونضال الشعب القبرصي المسلم بشكل مفصّل كي يفهموا حقيقة ما يجري على جزيرة قبرص، وندعو الدول الإسلامية الشقيقة للإيفاء بعهودها في دعم حقوقنا من أجل الحياة الكريمة وإعلاء كلمة الحق".

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply