الإسلام في نيوزيلندة (4)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هلم إخوتي أخواتي نواصل التجوال بين أروقة المجتمع النيوزيلندي, واليوم نرى كيف تشق الدعوة للإسلام طريقها في جنبات تلك البلاد.

لقد استطاعت المؤسسات الإسلامية في بلاد المهجر عموماً، وفي نيوزلندة خصوصاًº أن تكون بدايات لأعمال إسلامية في واقع حياة المسلمين في أرض المهجر، وتسعى لربطهم بهويتهم وثقافتهم الإسلامية رغم تباين هذه الأعمال قوة وضعفاً، وحضوراً من مكان إلى آخر، ورغم هذه الجهود الطيبة إلا أنها تكاد تدور في حلقة واحدة، وتكرر ذاتها وأنشطتها رغم حاجة الجالية المسلمة إلى منا شط جديدة، وأفكار إبداعية تحولها إلى أداة فاعلة في المجتمع الذي تعيش فيه.

ولهذا أصبحت برامج المؤسسات والمراكز الإسلامية أشبه بالبرامج المكررة، واتخذت طابعاً روتينياً تسعى للحفاظ على المؤسسة فقط، ولا عجب أن تسمع تفلت كثير من الطاقات من عقال هذه المؤسسات، وعن خسارة الساحة الإسلامية لهذه الطاقات وقدراتها.

وهذه المؤسسات الإسلامية تحتاج إلى قوة دفع لتغير مجرى العمل والتخطيط، وتتجاوز عقلية الماضي برواسبها ومشاكلها إلى عقلية ناضجة تعمل من خلال منطلقات وأهداف وسياسات واضحة، ورؤى مدروسة بعيد عن التقوقع والإنطوائية، وعدم شفافية الأهداف والمنطلقات, وأهم هذه الأهداف بناء شخصية إسلامية تواقة لكل جديد, شخصية جذابة في حديثها وثقافتها، ومعارفها وعلومها، الشخصية الإيجابية التي تبذل قصارى جهدها في ذات الله، وتستميت في سبيله، وتحترق لآلام المسلمين.

تلك الشخصية المتوازنة في أحكامها وقراراتها حول الأشخاص والهيئات، المنطلقة من فهم واضح لدلالات الكتاب والسنة, الشخصية المخلصة التي تبتعد عن الأضواء، وتؤثر أن تعمل بصمت وحكمة، إنه قبل أن نفكر في زيادة بناء المساجد والمدارس، والمراكز وتشكيل الجماعات والهيئاتº علينا أن نفكر في بناء الإنسان المسلم الذي يحول هذه المحاضن إلى منارات تشع بالعلم والمعرفة، ودعوة الناس إلى الإسلام.

إنه من الغريب أن ترى بعض المساجد ليس فيها أي نشاط سوى صلاة الجماعة وحتى خطبة الجمعة يلقيها الخطيب بلغه لا يفهمها أكثر الحاضرين، فتجدهم في سبات عميق، فمتى وكيف تربي الشخصية المسلمة القادرة على التفقه في دينها، وتكدح لتبليغ رسالة الإسلام إلى هذه الشعوب التائهة، لقد كانت المساجد في تاريخنا مصانع لتخريج آلاف العلماء الفطاحل الذين يجوبون الأرض لنشر هذا العلم للناس.

نعم إن بناء هذا النوع من الإنسان وهذه الشخصية ليس بالأمر الهين، ولاشك أنه يحتاج إلى جهود مضاعفة، ووقت وصبر ومثابرة، لكنه الركيزة الوحيدة التي تضمن - بإذن الله تعالى - مواصلة العمل وبناءه على الوجه الصحيح.

إن من ضرورات المرحلة الحالية أن نملأ الأرض علماً وفقهاً، ونشحذ الهمم للدراسة وثني الركب بين يدي العلماء العاملين، فللعلم الصحيح والفكر الناضج دور كبير في بناء الأمم والشعوب, والحضارة التي تبنى بنور العلم، وسلطان الحجة هي الحضارة التي يكتب لها البقاء، وتملك مقومات الاستمرار، مع ضرورة التفريق بوضوح بين مبادئ الإسلام وممارسات بعض المسلمين.

ولا بد من ترجمة ونشر وتسويق كتب أجنبية لها أهمية قصوى لدى القارئ المسلم بما أحدثته من زلازل فكرية في الأجواء الغربية عندما قال أصحابها صراحة كلمة حق في شريعة الإسلام، ورسوله الكريم، وتوزيع هذه الكتب على نطاق واسع.

إن بلوغ مرحله تحقيق هذه الأمور الحيوية ليس هيناً كما يبدو في الظاهر، إذ أن الموضوع بخطوطه الرئيسة وتفاصيله الصغيرة في حاجة ماسة إلى تخطيط علمي، وتنظيم مدروس، وتعبئة مجموعة من صفوة المفكرين الغيورين والدعاة المتمرسين تعضد جهودهم مؤسساتنا الإسلامية، وتجمع شتات عطائهم، وتنسق أداءهم في نسق علمي وعملي متكامل، حتى تثمر الجهود المخلصة في عرض وتقديم صورة مشرقه للإسلام في الغرب، ومضاعفة أعداد المسلمين المؤثرين في هذه الأصقاع من العالم المتقدم.

ولدينا أيضاً التعليم الذي يجب أن يولى الأولوية المطلقة للعمل الإسلامي في نيوزلندة، فهو المجال الوحيد الذي يحفظ هوية أجيال المسلمين، والمحصن التربوي الذي يصوغ شخصية المسلمين، لذلك فهناك جهود مبذولة لمحاولة تأسيس رياض الأطفال والمدارس والمعاهد الثانوية في كل مدينه في نيوزلندة، وخاصة مدينة أوكلاند في منطقة ما ونت روسكل حيث تمركز أغلب الجالية المسلمة - التي تحتاج إلى أكثر من مدرسة وروضة ومعهد - حيث لا يوجد عدد كاف من المدارس الإسلامية, والكل يدرك خطورة وجود أطفال المسلمين في مدارس غير إسلامية.

هناك اتجاه آخر للاهتمام بالناحية الاقتصادية كأحد أهم ركائز العمل الإسلامي في نيوزيلندة، فلا يخفى على أحد الحصار المضروب على الهيئات الخيرية في العالم, لذلك أصبح من العسير الحصول على تبرعات من خارج نيوزلندة، وهذا يحتم على المسلمين هنا بناء قوة اقتصاديه بهدف دعم وتمويل المشاريع الإسلامية، ولن يتم ذلك إلا باستثمار رؤوس الأموال, وحث المستثمرين المسلمين لإنشاء مؤسسات اقتصادية, ويمكن بعد قدر الله لهذه المؤسسات أن تنجح، حيث يوفر هذا البلد حريات كبيرة للمسلمين، فلا عذر لأحد في التقاعس واستجداء الغير.

ويجب على القائمين على الجمعيات الإسلامية التفكير في إنشاء مشاريع استثمارية ولو صغيره في البداية، بإشراف أصحاب الخبرة والتجربة، وخاصة اتحاد الجمعيات الإسلامية الذي يشرف على تصدير اللحم الحلال, كما يجب عليه تشكيل هيئه تضم أهل الاختصاص تضع خطة طويلة المدى لإنشاء مشاريع تساهم في تشغيل الأيدي العاملة المسلمة، وتمول المشاريع التعليمية والاجتماعية للمراكز والهيئات الإسلامية، وأيضاً يمكن تأسيس بنك أو بيت مال يتولى إعطاء قروض لتشجيع المستثمرين المسلمين على إنشاء المشروعات المفيدة.

وتأتي الوحدة على قمة أولويات العمل الدعوى الإسلامي, حيث أن توحيد صف المسلمين أكبر تحدي يواجه الجالية المسلمة في نيوزلندة, ولا مجال في عصر التكتلات الكبرى أن يبقى المسلمين متفرقين كل يعمل بمعزل عن الآخر، فيجب ألا نرى في يوم ما مسجداً للصوماليين, وآخر للباكستانيين، وثالث للأتراك، وآخر للعرب، وآخر للأفارقة كما هو حاصل في بعض تجمعات المسلمين في المهجر، فالوحدة هي سر قوة المسلمين، ونجاح دعوتهم في كل مكان.

وحتى يمكن تحقيق الأهداف المرجوة من العمل الدعوى رأى المهتمون بأمور الدعوة للإسلام في نيوزيلندة أن تتشكل هيئه من خيرة العاملين في المجتمع المسلم غيورة على مستقبل الجالية المسلمة تضع على عاتقها توعية المسلمين بضرورة توحيد صفها، وتجاوز الخلافات العرقية والمذهبية والحزبية, ثم تضع خطة طموحة ومدروسة لتحقيق هذا الهدف السامي لرسم صورة مشرقه للإسلام في الغرب، ومضاعفة أعداد المسلمين المؤثرين في هذه الأصقاع من العالم المتقدم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply