خسرناك يا ابن نحف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعونَ )

 

في غفلة من أمري وعلى حين غرة وصلتني الرسالة عبر البريد الالكتروني حاملة نبأ رحيل علم وقلم، عرفته عبر الصحف والمواقع، وعبر الكلمات والحروف، لم نتراسل أو نتحادث يوماً، ولم أعرفه وجهاً لوجه، لكن قلمه كان دائماً كالسيف في يد من لا يخشى في الحق لومة لائم، وكلماته مزجت الأدب بالنبض الحر، وتعابيره كانت من القلب للقلب، لينتج لنا روائع، والأجمل توقيعه الذي كان دائماً يحمل اسم قريته الشمالية الصغيرة في مساحتها والكبيرة في عقله ووجدانه نَحف.

 

الكاتب والباحث وجيه عمر مطر عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب و الصحفيين الفلسطينيي، ورئيس فرع ليبيا، عضو المجلس القومي للثقافة العربية رحل فجأة، في حادث أليم صباح يوم الجمعة 23/12/2005 في ليبيا عن عمر يناهز الثامنة والخمسين، لنخسر قلماً نحن بأمس الحاجة إليه في مواجهة الظلم والطغيان، لكن كلماته ستبقى بالتأكيد علامة مميزة تلاحق الطغاة الفاسدين كاللعنة أينما حلّوا، وليترك لنا واجب ومهمة أن نكمل المشوار حتى نحق الحق أو نلحق به في ديار الحق.

 

يُعرف كلٌ منا بانتمائه لهذا البلد أو ذاك أو من هاته القرية أو تلك، أما الراحل وجيه عمر مطر فكانت قريته تُعرف به، فقد ارتبطت نحف باسمه، واصبح القاصي والداني يعرف أنها قرية فلسطينية في شمالنا الحبيب، يعتز بها الكاتب ويفخر بانتمائه اليها، ولا أجد غير نحف لأذكُرَهُ بها ولأُذَّكِّر بها، لأنه أحبها وعشقها، ولأنها الأرض التي ينتمي اليها فهي تحبه وتعشقه، وهذه هي نَحف وجيه عمر مطر أكتب عنها في وداع القلم والعلم وفاءاً للمكان الذي أحبه والذي رحل بعيداً عنه، لكن يوم العودة قادم بإذن الله طال الزمن أم قصر:

 

بلدة/قرية نَحف

بالفتح والسكون وفاء، تقع في شرق دير الأسد على نحو اربعة كيلومترات منها والبلدة القديمة مبنية على تل مرتفع حوالي 380 م عن سطح البحر يبعد عن عكا للشرق نحو 22 كيلومتر وعند توسع مساحة البناء امتدت إلى الجهة الشمالية أي سفح الجبل، وتحيط بأراضي القرية، أراضي «سيجور والبعنة ودير الاسد، وكسرا وسخنين والرامة»، ومن المواقع المجاورة للقرية «الشيخ ربيعة» و«مغارة عوبا» مرتفعان في شمالها. وعوبا قد تكون من «عُبّا» السريانية بمعنى الوسط أو من «عَبا» بمعنى الغابة.

تقع البلدة في مركز منطقة الشاغور بين جبال الجليل الأعلى وجبال الجليل الأسفل.

تقع البلدة في منطقة كسر جيولوجي ظاهر للعيان وهي تله من الصخر الكرتوني (جير رخو) وتفتت هذا الصخر في مناخ البحر المتوسط يعطي تربه رمادية باهته سهلة الحراثه والاستغلال الزراعي. كذلك في هذه الصخور كان سهلا حفر ابار لخزن المياه، وبناء القبور، وحفر مغاور وغيرها.

 

نَحف عبر التاريخ

البلده القديمة التاريخية، هُدمت وبنيت مجددا وذلك عدة مرات ابتداء من الفترة البرونزية ومرورا بالعهد الكنعاني والفترة الصليبية.

بناءاً على الحفريات التي أجريت يعود تاريخ البلدة الى العصر البرونزي المتوسط (3000 - 2300 ق. م).

في عهد المماليك 1259 كانت نحف ضمن منطقة نيابة صفد التي كانت مقسمه الى احد عشر عملا احدهم كان الشاغور، وكانت نحف جزء منه.

في عهد العثمانيين عندما طردوا المماليك عام 1516 لم يحدثوا اي تغيير على المنطقه ولكن عند بداية حدوث الاضطرابات تغيرت التقسيمات واصبحت المنطقه في اخر المطاف تابعه لعكا.

أقام العثمانيون مدرسة في نحف عام 1307 هـ وكان أعلى صف فيها في عام 1942 - 1943 المدرسي الخامس الإبتدائي.

 

البريطانيون قسموا البلاد الى ستة ألوية. ونحف كانت ضمن لواء الجليل ومركزه مدينة الناصرة ولواء الجليل يتكون من خمسة أقضية (جمع قضاء) وضُمت حينها القرية إلى قضاء عكا.

ونحف تحت الإحتلال كان بها في 7/11/1948م 1247 عربياً، وفي 31/12/1949 بلغوا 1172، وارتفع العدد إلى 1800 عربي في عام 1961.

 

أثناء الحفريات وفي شهر تشرين ثاني 1961 في الطريق الشرقي المسمى " طريق قبور النصارى" تم العثور على مغارة محفورة وبجوانبها حفرة توابيت، وتدل الموجودات التي عثر عليها في المغارة أنها استعملت في القرن الثاني الميلادي وحتى بداية القرن الرابع، حيث تم العثور على أواني وقناديل وبعض القطع الزجاجية والأساور البرونزية وبعض الحلي وأدوات عمل سكين.

 

في صيف 1978 وفي أثناء حفر أساسات لبناء منزل في الطريق الغربي للبلدة القديمة عثر على قوس مبنية من لبنات وأثناء إجراء الحفريات بمعرفة وضع المكان تم حفر بمساحة 10م بطول 20م - وتحت طبقة تصل إلى حوالي 150 سم عثر على آثار لبيوت وأفران لصنع الفخار من العهد البيزنطي القديم.

 

وعثر كثيرا وفي أوقات متتابعه وعلى مسافات عميقة في الأرض وأحياناً سطحية على أسس بناء وحفر بعضها للماء وبعضها مداخن ومساكن وأعمدة حجرية كانت تقوم عليها بيوت الأغنياء أو المعابد القديمة والكثير الكثير ما زال موجودًا داخل الأرض، مباني جديدة بنيت على آثار مباني قديمة في بعض المناطق وخاصة منطقة الجامع القديم، يوجد فتحات تحت المباني لطبقات عديدة من المباني التي غطاها التراب.

 

 نَحف: مصدر التسمية

الاسم الأول لنحف قد ضاع فلما نزلها أجداد السكان الحاليين في القرن الخامس عشر الميلادي وأقاموا على أنقاضها بلده جديدة (البلدة القديمة ذهبت ضحية الحروب الصليبية) لم يعد إليها سكانها الأوائل بل سكنتها عائلات من جهات شتى وكل عائلة / حمولة تعرف من أين جاء أجدادهم الأوائل إلى نحف، قسم نزح من منطقة الشام وقسم آخر من مركز البلاد وآخرون جاءوا من الأردن.

 

عندما أقام السكان الجدد في البلدة ضاع اسمها الأول وبجانب جبل شامخ شديد الانحدار وبجانب الجبل يقال له باللغة العامية " لحف جبل " أي أن الجبل يلتحفه"، و"لحف الجبل" تعني سفحه ألأسفل، دعوا البلدة الجديدة باسم لــحــف ثم تحرفت إلى نــحــف، ومن التفسيرات الأخرى - النحيف من الأرض - الفقير أو من "نحف" تعني الحفر والتقصيب سمتها خريطة جاكوتين (1799) "نافح"، أما دراسة الأرض المقدسه فأسمتها " نيف - Nef " و "نحف - Nuhf " سكنها حوالي 400 نسمه حسب جبرين (2/451)، و 475 نسمه حسب شوماخر من عام 1887.

من الكتابات التي تركها حاكم قيساريا "يوحنان الألماني" في 1249/4/30 وبها تفصيل عن القرى بجانب عكا وبجانب "سيسور" (ساجور اليوم) و"مرجكلون" (مجدالكروم اليوم) يظهر ألأسم "CASALENEF " وهو أقدم ذكر لقرية نحف.

تقبلك الله في رحمته وغفر لك ولنا وإنا على الدرب نسير إلى أن يشاء العزيز القدير.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply