إريتريا والدور المشبوه


بسم الله الرحمن الرحيم

عندما احتل الإيطاليون ما يعرف اليوم بــ(إريتريا) منذ عام 1890م كان سكانها مجموعة من الشعوب التي تنتمي إلى إثيوبيا، والسودانـ وبعضها من أصول عربية، وعندما كانت محمية إيطالية 1881م- 1941م أصدرت الحكومة الإيطالية قراراً بتسميتها بـ(إريتريا) وتعني: البقعة الحمراء، وهي كلمة يونانية الأصل.

وفي عام 1951م وضعت المنطقة التي عرفت بـ(إريتريا) تحت الحكم الفيدرالي مع إثيوبيا، وذلك حتى عام 1961م بعد ذلك ضمها (هيلاسلاسي) إلى إثيوبيا، واستمر ذلك حتى عام 1991م.

 

جغرافية إريتريا:

تقع إريتريا غرب البحر الأحمر في القرن الأفريقي، تحدها من الجنوب الشرقي جيبوتي، ومن الشرق والشمال البحر الأحمر، ومن الشمال والغرب السودان، ومن الجنوب إثيوبيا.

ويشكل الموقع الجغرافي لإريتريا أهمية بالغة كونها تشرف على الجزيرة العربية، وتعتبر البوابة الشرقية لإفريقيا التي عن طريقها انتشر الإسلام في أواسط إفريقيا، وعبرها كانت الهجرتان لصحابة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - إلى بلاد الحبشة.

وتبلغ مساحة إريتريا (124ألف كم2)، وتطل بواجهة بحرية طولية تبلغ حوالي (1.080كم) على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وتمتلك إريتريا (126) جزيرة أهمها أرخبيل (دهلك).

 

من أهم المدن:

أسمرا وهي العاصمة وتعتبر أكبر المدن الإريترية، وتقع في إقليم حماسين، ومصوع وتقع في إقليم سمهد على البحر الأحمر، وتعتبر الميناء الرئيس للبلاد، أما عصب فتقع في إقليم دنكاليا على البحر الأحمر بالقرب من باب المندب وتعتبر الميناء الثاني، وكرن حيث تقع في إقليم سخيت، وهي من أبرز مناطق الوجود الإسلامي الفاعل، وأغردات وتقع في إقليم بركة، ومدينة نقفة وتقع في إقليم الساحل، ومدينة مندفرا وتقع في إقليم القاش بالقرب من الحدود السودانية.

 

السكان واللغة:

كانت إريتريا بحكم موقعها الجغرافي منذ أقدم العصور مسرحاً لاختلاط وانصهار شعوب مختلفة، لذا نجد أن سكان إريتريا تختلط فيهم الدماء الحامية والسامية، أما عدد السكان فيبلغ حوالي أربعة ملايين نسمة تقريباً، ويشكل المسلمون أغلبية، فهم أكثر من 75% والبقية منهم نصارى ووثنيون.

وتعتبر اللغة العربية لغة أساسية في إريتريا، كما توجد بجانبها ثماني لهجات محلية.

 

إريتريا والإسلام:

دخل الإسلام إريتريا منذ سنوات الدعوة الأولى، حيث حملها المهاجرون الأوائل من الصحابة، ثم توالت هجرات التجار المسلمين والدعاة الذين جاؤوا بدين الفطرة، ودخل الإريتريون في دين الله أفواجاً.

وابتداء من عام (80هـ) كانت جزيرة (دهلك) القريبة من (مصوع) مصدر إشعاع لتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية، ونشر الدعوة الإسلامية في دول شرق إفريقيا، كما كانت هذه الجزيرة أحد الثغور للجيش الإسلامي في عهد عبد الملك بن مروان، وكانت جزءاً من أرض الخلافة الإسلامية حتى نهاية القرن التاسع عشر.

 

الموقع الإستراتيجي:

إن امتلاك إريتريا لساحل طويل ومجموعة الجزر المهمة على البحر الأحمر - باعتباره ذا قيمة استراتيجية دولية - جعلها عرضة لأطماع دولية وإقليمية مستمرة، وذلك بهدف إقامة قواعد عسكرية بها، حتى تتحقق من خلالها:

1-      السيطرة على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

2-      الإقتراب من مصادر الطاقة النفطية، والتحكم فيها.

3-   القرب من أهم المقدسات الإسلامية، وهذا يشكل أحد أهم الأهداف الرئيسة للدول المعادية، وعلى رأسها العدو الصهيوني، فقد أقامت إسرائيل قواعد عسكرية بعد أن سمحت الحكومة الإثيوبية لها ببناء قواعد في الجزء الغربي من إريتريا، وأهم هذه القواعد قاعدتا (دورا أحباب- ومكهلاي) وهي تقع بالقرب من الحدود الإريترية السودانية، وتقوم الطائرات الإسرائيلية بالطيران المباشر من هذه القواعد إلى تل أبيب، كما أن إثيوبيا قد سمحت لإسرائيل ببناء قاعدة بحرية في جزيرتين عند مضيق باب المندب، وهما: جزيرة (حالب) وجزيرة (فاطمة) وتبعد هاتان الجزيرتان حوالي (50 ميلا) عن مضيق باب المندب.

كما أن إسرائيل تعتبر أسمرا مركزاً إفريقيا مهماً لمخابراتها، حيث تنطلق توجيهاتها لكل الذين يتعاملون معها في المنطقة، وبخاصة الدول المطلة على البحر الأحمر.

 

إريتريا والاستعمار الصليبي:

عندما ضعفت دولة الخلافة العثمانية وقعت إريتريا تحت سيطرة الاستعمار الإيطالي 1885م- 1941م الذي سعى لفرض مفاهيمه الصليبية في البلاد، كما عمل على إتاحة فرص التعليم أمام أبناء النصارى الإريتريين في الوقت الذي مارس فيه سياسة التجهيل لأبناء المسلمين، وقد استخدم الشعب الإريتري في حروبه الاستعمارية في شمال إفريقيا وشرقها، وبعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية حلَّ الاستعمار البريطاني محل الاستعمار الإيطالي باسم الانتداب 1941- 1951م، وقد مهد هذا الانتداب الطريق أمام (هيلاسيلاسي) كي يحقق حلم النصارى الإثيوبيين في احتلال إريتريا، ولهذا فإن مرحلة تقرير المصير في نهاية العقد الخامس ومطلع العقد السادس من القرن الميلادي الحالي شهدت صراعاً كبيراً بين النصارى الإريتريين (الذين كانوا يسعون من خلال حزبهم الصليبي للانضمام إلى إثيوبيا) وبين المسلمين الذين كانوا ينادون بالاستقلال التام لإريتريا من خلال حزب (الرابطة الإسلامية) الذي تأسس في نهاية 1946م، وفي هذه المرحلة وقفت كل القوى الصليبية على مستوى المنطقة والعالم خلف النصارى الإريتريين في صراعهم ضد المسلمين، وكان في مقدمة ذلك كل من إثيوبيا، وأمريكا، وبريطانيا،  وفي إطار التآمر الصليبي صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1950م القاضي بربط إريتريا فيدرالياً مع إثيوبيا.

 

إعلان الكفاح المسلح:

وفي الفترة 1961- 1985م شهدت إريتريا عدداً من الانتفاضات الشعبية تمخض عنها ميلاد جبهة التحرير الإريترية التي فجرها المسلمون عام 1961م في وجه التآمر الصليبي، وذلك اعتماداً على إمكاناتهم الذاتية المحدودة، وقد حققت هذه الجبهة انتصارات باهرة على المستعمر الإثيوبي الذي استعان عليهم بدعم وخبرات الدول الصليبية وإسرائيل، فضلاً عن قوات الكوماندوز (الخاصة) التي كانت تتكون في غالبيتها من أبناء النصارى الإريتريين الذين تدرب بعض ضباطهم في الكليات العسكرية الإسرائيلية، وقد تم عن طريق هذه الحروب الشرسة تخريب ديار المسلمين، وتدمير ممتلكاتهم، وقتل وتشريد جموعهم، وفرض اللجوء الجماعي لكثير منهم إلى الأقطار المجاورة وبخاصة السودان الذي ما زال يستضيف أكثر من مليون مهاجر في الإقليم الشرقي.

وعلى الصعيد الداخلي لجبهة التحرير الإرتيرية فقد تغلغلت إلى صفوفها الأحزاب العلمانية فانحرف مسارها الإسلامي، وهيأت المجال لتدفق النصارى إلى صفوفها، وفي بداية العقد الثامن الميلادي اتسعت الصراعات الحزبية في داخل الجبهة مما أدى إلى انشطارها إلى عدة تنظيمات علمانية وفي مقدمتها الجبهة الشعبية التي انفردت بَعدُ بالساحة بعد حروب تصفوية داخلية، وآلت على نفسها أن تحارب الإسلام، وتنشر الرذيلة، وتنهب الممتلكات، وتنتهك الأعراض، وتحجم المسلمين، وتبعدهم عن الواجهة إلا من كان علمانياً على نهجها.

 

الهجمة الصليبية الجديدة:

لما أصبحت حركة المقاومة تقض مضاجع الصليبيين في المنطقة، وصارت الصحوة الجهادية تنتقل إلى بقية دول القرن الإفريقي، تحرك الأخطبوط الصليبي المسمى بالنظام الدولي الجديد ليرعى أهداف الصليبية في المنطقة ومصالحها الاستراتيجية فيها، فكانت محادثات أتلانتا ونيروبي بإشراف كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق، ومحادثات لندن بإشراف كوهين اليهودي مسؤول الشؤون الإفريقية في الخارجية الأمريكية، وكانت نتائج المحادثات توحيد الجبهات الصليبية الإثيوبية في جبهة "إهودق".

كما تم التنسيق بين الجبهة المذكورة والجبهة الشعبية الإريترية (تنظيم صليبي) في شتى المجالات، واستكمالاً للمخطط قامت رموز النظام العالمي الجديد باتصالات سرية ببعض كبار ضباط الجيش الإثيوبي، وعقدت صفقات سرية أسفرت عن نقل الفلاشا من أديس أبابا إلى تل أبيب، واستسلام جيوش نظام (مانجستو هيلا ماريام) أمام القوى الصليبية الجديدة من غير إبداء إي مقاومة في مايو 1991م، وتسلمت جبهة "هودق" السلطة في إثيوبيا برئاسة مليس زيناوي، كما تسلمت الجبهة الشعبية السلطة في إرتيريا برئاسة إسياسي أفورقي، وفي إطار هذه التطورات: فإن الجبهة الشعبية سعت جاهدة بالتحالف مع جبهة مليس زيناوي إلى تأكيد وتدعيم الهيمنة الصليبية في المنطقة عموماً، وفي إريتريا على وجه الخصوص، وذلك من خلال السياسات والبرامج التي تنفذها على مختلف الأصعدة ومنها:

أولا على الصعيد المحلي:

محاربة الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً من خلال:

1-   فرض البرنامج التعليمي للجبهة الشعبية على المدارس والمعاهد الدينية، مما يؤدي إلى زعزعة العقيدة الإسلامية والتعاليم الدينية في نفوس الناشئة.

2-      تنفيذ قانونها الخاص بالزواج والمواريث الذي يبيح زواج النصراني بالمسلمة، ويورث أبناء السفاح، ويشجع على الفاحشة.

3-      إثارة النعرات القبلية والطائفية بهدف تفتيت وحدة المسلمين، وإضعاف شوكتهم.

4-      إلغاء دور المسلمين في مسألة تقرير المصير، وتهميشهم في إدارة شؤون البلاد.

5-   تغيير البنية الجغرافية والتوزيع السكاني في إريتريا من خلال توطين النصارى من أبناء إريتريا والتجراي في مواطن المسلمين بمختلف المناطق الإريترية وخصوصاً في المنخفضات الغربية والشرقية ذات الأراضي الزراعية الخصبة.

6-      تعزيز المركز السياسي والاجتماعي للنصارى في إريتريا من خلال إصدار القوانين التي من شأنها ضمان تحقيق ذلك والتي منها:

أ.         قانون منح الجنسية الإريترية.

ب.   القوانين المنظمة لعملية الاستفتاء التي تتبناها الجبهة الشعبية لصالحها وللمنتسبين لها، ومن أهم ما تستهدفه هذه القوانين تغليب النسبة السكانية للنصارى على المسلمين في إريتريا، مما يساعد على تحقيق الأهداف والنوايا الصليبية، ويضعف دور المسلمين، ويهدد الوجود الإسلامي في إريتريا بخاصة، ومنطقة القرن الإفريقي بعامة.

ج.   محاربة اللغة العربية وإبعادها عن الدواوين والمؤسسات الحكومية، وفرض اللغة التجرينية لغة رسمية وحيدة، مما يضعف الوعي الإسلامي، ويهدد الثقافة الإسلامية والعربية.

ثانياً: على الصعيد الإقليمي والدولي:

  1. توطيد العلاقات مع نظام مليس زيناوي الصليبي في إثيوبيا، والتنسيق معه لضرب المسلمين في كل من إريتريا وإثيوبيا، والسعي لإقامة حلم دولة أكسوم النصرانية، وإن كان النظام الإريتري قد دخل في حرب مع إثيوبيا بسبب أطماعه التوسعية في الأعوام الأخيرة.
  2. رعاية المنظمات والهيئات الكنسية العالمية، وجعل إريتريا منطلقاً للنشاط التنصيري في منطقة القرن الإفريقي بخاصة، والقارة الإفريقية بعامة، وإعاقة نشاط المنظمات والهيئات الخيرية الإسلامية داخل إريتريا.
  3. الإساءة إلى العلاقات العربية كالتعاون مع إسرائيل، وإنكار دور العرب والمسلمين في دعم القضية الإرتيرية وذلك من أجل قطع علاقة الشعب الإريتري بالشعوب الإسلامية والعربية.
  4. السعي الجاد في توطيد العلاقة مع الدول النصرانية والمنظمات الصليبية بما يحقق مصالحها الإستراتيجية وأطماعها الصليبية.
  5. توطيد وتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني مما يضر بمصالح الأمة الإسلامية، ويهدد أمن منطقة حوض البحر الأحمر.

هذه كانت بعض ملامح التاريخ والواقع في إريتريا التي يعاني فيها المسلمون من هضم حقوقهم، والاعتداء على ممتلكاتهم وخصوصياتهم، وتضييق الخناق على حرياتهم.

وعوضاً عن أن يطالب الغرب دولاً كإثيوبيا وإريتريا لممارسة الديمقراطية مع المسلمين المضطهدين تتوجه أصابع الاتهام إلى دول أخرى كمصر والسودان لتهديد مصالح المسلمين بها، وزرع الفتنة في أوساطها.

بحاجة نحن إلى وقفة تأمل مع هذه المكاييل المزدوجة!!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply