مأساة تركستان الشرقية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يبدو أن الأمة الإسلامية قد أرهقتها المشكلات، وتكاثرت عليها المحن، فتناسى المسلمون العديد من القضايا المهمة، ومن القضايا التي تناساها المسلمون قضية شعب تركستان الشرقية المسلمة التي تاهت وضاعت وسط الكيان الصيني، حيث قامت الصين بطمس كافة المعالم التاريخية لهذه الدولة المسلمة، واعتبرتها مقاطعة صينية أطلقت عليها اسم مقاطعة " شينكيانج " ومعناها " الأرض الجديدة "، دون أن يعترض العالم الإسلامي أو يتنبّه إلى خطورة ما حدث وما يحدث لهذه الدولة المسلمة.

فالشعب المسلم في تركستان الشرقية يعاني من الاضطهاد، ويتعرّض لمؤامرة كبرى لتذويب كيانه المسلم، فقد تعرّضت تركستان الشرقيّة المسلمة لجميع الممارسات اللاأخلاقية التي استهدفت القضاء على هويّة الشعب المسلم هناك، فقامت الصين بإنشاء معسكرات جمعت فيها الشباب والفتيات من أبناء المسلمين لإشاعة الرذائل بينهم، والنيل من القيم الأخلاقية التي تنادي بها تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وحين اعترض المسلمون على هذه الممارسات قامت السلطات الصينية بقتل (360) ألف مسلم من خيرة الشباب المثقف، وقد سجل التاريخ التركستاني أسماء العديد من الشهداء أمثال: عبد الرحيم عيسى، وعبد الرحيم سيري، وعبد العزيز قاري وغيرهم.

 

تغيير المعالم:

قامت سلطات الاحتلال الصيني بتغيير المعالم الثقافية والقومية وكافة مرتكزات البنيان الاجتماعي لتركستان الشرقية،

وعملت على تنحية العقيدة الإسلامية، ومحو الشخصية الإسلامية لشعب مسلم يضم أكثر من عشرين مليون نسمة من المسلمين.

إن قضية هذه الدولة المسلمة وهذا الشعب المسلم الذي يجاهد وحده للحفاظ على هويّته العقائدية، وكيان دولته المسلمةº في حاجة ماسّة إلى جهود المسلمين ومؤسّساتهم التثقيفية والإعلامية لتعريف كافة شعوب العالم، وشعوب الأمة الإسلاميةº بأبعاد قضية تركستان الشرقيّة، وكيف آلت إلى مصيرها هذا وسط صمت إسلامي عجيب!

لقد تلاشت دولة تركستان الشرقية من الوجود السياسي، فإذا نظرت إلى خريطة قارة آسيا فلن تجد دولة اسمها تركستان الشرقية، وإنما تجد مقاطعة في النطاق الصيني اسمها " شينكيانج "، وتعتبر تركستان الشرقية من أهم المواقع الاستراتيجية في قارة آسيا، وقد ظلت تركستان المسلمة موضع نزاع بين روسيا والصين عبر المراحل التاريخية المختلفة، حتى تم اقتسام منطقة تركستان بينهما، فحصلت روسيا على تركستان الغربية - التي ضمت الجمهوريات الإسلامية التي حصلت على استقلالها بعد تفككك الاتحاد السوفيتي -، وحصلت الصين على تركستان الشرقية.

تبلغ مساحة تركستان الشرقية ( مليون و828 ألف و418) كيلومتراً مربعاً، أي أنها أكبر مساحة من باكستان، وأكبر من مساحة تركيا، ويبلغ عدد سكانها أكثر من عشرين مليون نسمة غالبتهم العظمى من المسلمين، وعاصمتها هي مدينة "كاشغر" التي فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي، وكان علم هذه الدولة علماً إسلامياً لونه أزرق يتوسطه الهلال والنجمة تأكيداً على إسلامية هذه الدولة.

قامت السلطات الصينية بتقسيم تركستان الشرقية إلى عدة مناطق منذ عام 1945 ميلادية، وقامت بتغيير اسمها وأسماء العديد من المدن والقرى إلى أسماء صينية، كما بدأت الهجرات الصينية المنظمة إلى تركستان الشرقية بهدف إذابة الكيان الإسلامي داخل الكيان الصيني، كما تم إغلاق المساجد والمدارس الإسلامية، بينما وُضعت المساجد التي سمح بافتتاحها تحت رقابة صينية مشددة.

 

ثورة المسلمين:

لم تهدأ ثائرة الشعب المسلم في تركستان الشرقية طوال فترة الاحتلال الصيني لوطنهم، فقد سجّل التاريخ العديد من الثورات الإسلامية التحرّرية التي قام بها أبناء تركستان الشرقية، فبعد احتلال الصين لتركستان الشرقية في عام 1760 ميلادية قامت هناك ثورة إسلامية في عام 1863 ميلادية استطاعت تحرير تركستان الشرقية، وتولى حكم هذه الدولة الإسلامية المستقلة في ذلك الوقت " يعقوب خان با دولت " الذي أعلن مبايعته للخليفة العثماني " السلطان عبد العزيز خان ".

لكن السياسة الروسية والصينية قد اتفقتا على ضرورة القضاء على هذه الدولة المسلمة التي حصلت على استقلالها بعد جهاد مرير، وذلك لمعارضتهما وجود أي كيان إسلامي سياسي في هذه المنطقة من قارة آسيا، فقامت الصين باحتلال تركستان الشرقية مرة أخرى بعد (13) عاماً فقط من هذا الاستقلال.

 

الصرح الحضاري:

لقد ساهم شعب تركستان الشرقية في بناء صرح الحضارة الإنسانية العالمية منذ أقدم الفترات التاريخية، فيرجع إلى هذا الشعب الفضل في اختراع حروف الطباعة من الخشب، وقاموا بطبع العديد من الكتب في مختلف المعارف والعلوم، ذلك قبل أن تعرف ألمانيا هذا الاختراع، فقد أثبتت الحفريات التي قام بها المستشرق الأثري " فون لي كوك" بمدينة"طورفان " صحّة ذلك.

كما عرف شعب تركستان الشرقية "التصوير الملون" منذ أقدم الفترات التاريخية، في الوقت الذي عرفت فيه أوروبا هذا النوع من التصوير منذ وقت قريب، كما أن خوف ملوك الصين من شعب تركستان الشرقية هو الذي دعاهم إلى بناء سور الصين العظيم.

تقول المصادر التاريخية لتركستان الشرقية: إنهم عرفوا الإسلام منذ عهد معاوية - رضي الله عنه -، وقد أدى اعتناق حاكمها "عبد الكريم صادق بوغرا خان" للإسلام إلى دفع مسيرة المد الإسلامي هناك منذ عام 960 ميلادية، حيث حملوا لواء الدعوة الإسلامية إلى الصين وإلى مناطق متعددة في قارة آسيا، كما عرفوا اللغة العربية واستخدموا حروفها في كتابة لغتهم.

 

القضية الشائكة:

قضية تركستان الشرقية ليست من المشكلات الداخلية في النطاق الصيني التي لا يجوز التدخل فيها، فتركستان الشرقية دولة إسلامية خالصة وقعت تحت الاحتلال الصيني وليست مقاطعة صينية، كما أن قضية هذا الشعب المسلم ليست قضية من قضايا الأقليات المسلمة بأي حال من الأحوال.

الشعب المسلم في تركستان الشرقية يسعى للتخلص والتحرّر من فك الشيوعية المفترس، ويصرّ أبناء هذا الشعب على تقديم التضحيات وتتويج الجهاد بدماء الشهداء، حيث قدّم أكثر من مليون شهيد في ساحة الجهاد الإسلامي، وكما حصلت تركستان الغربية على حريتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتيº فإن تركستان الشرقية توأم تركستان الغربية تتوق إلى التحرّر، وما زالت لدى المسلمين هناك بارقة أمل وبقايا ثقة في العالم الإسلامي أن يؤيد جهاده ويبارك خطاه الساعية إلى التحرر، لتعود تركستان الشرقية - من جديد - دولة إسلامية.

 

جبهات الجهاد:

تأسّست في تركستان الشرقية جبهات لمقاومة الاحتلال، وكان نصيب الجهاد في تركستان أوفر في تحقيق انتصارات طيبة، وتخليص البلاد من الاحتلال، وإعلان الاستقلالº حيث اندلعت في تركستان الشرقية ثورة إسلامية في عام 1931 ميلادية حررت أغلب أراضي تركستان الشرقية، وأعلنت الدولة الإسلامية المستقلة في عام 1933 ميلادية، وأصبحت مدينة " كاشغر" عاصمة لهذه الدولة، لكن التعاون الصيني الروسي قضى على هذه الثورة وعلى هذه الدولة.

كما قامت ثورة إسلامية أخرى في تركستان الشرقية في عام 1944 ميلادية استطاعت تحرير ولاية " تادبا غاتاي" وولاية "التاي"، وقد أُقيمت فيهما دولة تركستان الشرقيّة التي اتخذت من مدينة " إيلي " عاصمة لها، وقد سعت هذه الدولة إلى تحرير باقي أراضي تركستان الشرقية من الاحتلال الصيني، لولا التحالف الصيني الروسي الذي قضى على هذه الدولة.

رغم ذلك فقضية الشعب المسلم في تركستان الشرقية لم تجد التأييد الإسلامي أو محاولة إثارة قضية هذا الشعب حتى في المحافل الدولية، ونتيجة لسلبية العالم الإسلامي، وعدم اهتمام المسلمين بدعم قضية شعب تركستان الشرقية المسلمº ظلت هذه القضية الإسلامية المهمة محدودة الأفق، محصورة في حيز ضيّق لا تستطيع من خلاله أن تمر من عنق الزجاجة الصيني إلى الآفاق العالمية أو الإسلامية على حدّ سواء.

 

التحرك الإسلامي الشعبي:

والتحرك الإسلامي الشعبي تجاه قضية شعب تركستان الشرقية يتلخص في أن رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة تقدمت بمذكرة لمؤتمر القمة الإسلامي الذي عُقد في مكة المكرمة عام 1401 هجرية جاء بها: " أنه نتيجة تحسين نظرة حكومة الصين الشعبية للمسلمين تطالب رابطة العالم الإسلامي الحكومات الإسلامية بالقيام بمساع لدى الصين الشعبية لتحقيق المزيد من الحرية الدينية للمسلمين في تركستان الشرقية، هذا بالنسبة للدول التي لها علاقات بالصين، وإرسال الوفود الإسلامية بصورة متواصلة لتركستان، ومحاولة إيجاد بعض المؤسسات الإسلامية الثقافية، وتقديم المساعدات الثقافية".

وفي أبريل 1984 ميلادية وجّه الشيخ "طيار آلتي قولاج" رئيس الشؤون الدينية في تركيا - في ذلك الوقت - الدعوة إلى أمين عام رابطة العالم الإسلامي في ذلك الوقت - الدكتور عبد الله عمر نصيف - لزيارة تركيا، وهناك التقى بالمجاهد التركستاني "عيسي آلب كين" رئيس وزراء تركستان الشرقية - السابق - والذي استطاع أن يلجأ إلى تركيا، حيث شرح له قضية بلاده، وجهود المسلمين المبذولة لمجرد استرداد اسم دولتهم "تركستان الشرقية" بدلاً من الاسم الصيني "شينكيانج" الذي أُطلق بمعرفة الصين على هذه الدولة المسلمة.

لقد عالجت الأمة الإسلامية العديد من قضاياها بالصراخ الإعلامي! ولكن قضية تركستان الشرقية قد افتقدت مجرّد هذه المعالجات الهشّة، وفي ظل الغياب الإسلامي استطاعت الصين أن تسلب وطناً إسلامياً، وتعزل شعباً مسلماً عن أمته الإسلامية، وهذا أمر لا يمكن السكوت عليه، وإنما يتطلب أن ترفع بشأنه رايات الجهاد الإسلامي في كافة المجالات.

 

الإخلال بالخريطة العقائدية:

مرّت بالمسلمين في تركستان الشرقية مراحل قاسية من الاضطهاد، حيث تدفقت إلى أراضيها موجات متلاحقة من الهجرات الصينية للإخلال بالخريطة العقائدية من ناحية، والإخلال بالخريطة البشرية من ناحية أخرى، بهدف تحويل المسلمين هناك إلى أقلية، واستغلال ثروات هذا الشعب المسلم، وكما قامت روسيا القيصرية بابتلاع تركستان الغربية وامتصاص خيراتها فعلت الصين بتركستان الشرقية التي تعتبر كنزاً كبيراً لما يتوفر بأراضيها من ثراء معدني.

تبلغ أنواع المعادن الموجودة في تركستان الشرقية 121 نوعاً، فهناك 56 منجماً من الذهب، وهناك النفط واليورانيوم والحديد والرصاص، أما الملح فهناك مخزن طبيعي يكفي احتياجات العالم لمدة عشرة قرون مقبلة، علاوة على الثروات الزراعية والحيوانية والرعوية، حيث بلغت أنواع الحيوانات 44 نوعاً.

إن أهل تركستان الشرقية ينتمون إلى أصل عرقي واحد، ولهم تاريخ وحضارة بشرية واحدة، فتركستان " اسم جامع لجميع بلاد الترك " - كما يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان - المجلد الثاني ص 23 - كما أن " كاشغر" هي قاعدة تركستان، وأهلها مسلمون، لذا فإن تركستان دولة إسلامية خالصة منذ أن تعرّف أهلها على الإسلام في نهاية القرن الأول الهجري.

ومنطقة تركستان الشرقية تقع في شمالي الصين الغربي، أي تقع في أواسط آسيا الوسطى، وهي دولة متعددة القوميات، يقيم بها أبناء قوميات: " الإيغور، والقازاق، والهوي، والقرغيز، والتاجيك، والتتار، والأوزبك " - الذين يعتنقون الدين الإسلامي - بالإضافة إلى قوميتي " هان" و " المغول "، وتحتل القومية " الأيغورية " المكانة الأولى، إذ بلغ عددهم وفقاً للإحصائيات المسجلة في عام 1972 ميلادية خمسة ملايين و 949 ألف و655 نسمة.

وكل المسلمين في تركستان الشرقية سنيون أحناف، وقد عرف الإسلام هناك - على وجه التحديد - في عام 96 هجرية، وازدادت قوته، وانتشر انتشاراً واسعاً بعد اعتناق " سلطان ستوق بوغرا عبد الكريم خان " الإسلام، حيث اعتنقه سراً في بداية الأمر، ثم أعلن إسلامه، ونشر الإسلام في ربوع تركستان الشرقية في أواسط القرن الرابع من الهجرة، وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً يدفعهم الحماس الشديد لهذا الدين الحنيف.

إن الأراضي التي تقع في آسيا الوسطى ويقطنها الأتراك، وتسميها كل من الصين وروسيا بأسماء مختلفة حسب أهوائهما السياسيةº هي نفس البلاد التي تسمي تركستان في المصادر الإسلامية، وسكان تلك الأراضي هم من الأتراك المسلمين الذين كان لهم دوراً بارزا في تاريخ وحضارة الإسلام، وهم جزء من الأمة الإسلامية التي اشترك التركستانيون في بناء كيانها الماضي والحاضر، وإن حجبتهم الظروف المعاصرة عن المساهمة الفعلية في الوقت الحالي.

ونظراً لأن سياسة "الأمر الواقع" قد جعلت من تركستان الشرقية جزءاً من أراضي الصين فإن التناول لهذا الموضوع - من خلال استعراض بعض الوثائق الصينية - ليس إقراراً بالتبعية السياسية لتركستان الشرقية للصين بالقدر الذي يسلط دوائر الضوء على دور تركستان الشرقية في نشر الإسلام في الصين، وعلاقة المسلمين في هذه الدولة المسلمة بسكان الصين منذ أقدم الفترات التاريخية.

 

لقاء مع قادة العمل الإسلامي:

كانت أول مرة أتعرّف فيها - بطريقة مباشرة - على أحوال المسلمين في تركستان الشرقية وسائر بلاد الصين عندما التقيت - في أواخر عام 1982 ميلادية - بعدد من قادة العمل الإسلامي هناك، منهم الشيخ نعمان ماشيان نائب رئيس الجمعية الإسلامية في بكين، والشيخ سليمان قونج نائب أمين عام هذه الجمعية، والشيخ الملا حسن شرف جان إمام مسجد شينكيانج - تركستان الشرقية - وتو تيكل الأستاذ بالمعهد المركزي للقوميات في بكين، والشيخ صادق ون هو دينج مدير الشئون الخارجية للجمعية الإسلامية في بكين.

أما قبل هذا التاريخ فكنت أكتب عن المسلمين في تركستان الشرقية، وفي الصين من خلف السور العظيم، حيث لا يستطيع أي كاتب أن يزعم أن ما كتب هو الحقيقة، فقد كنا نتسابق للوصول إلى أقرب شيء من واقع ما يصل إلينا من معلومات تتسرب عبر سور الصين العظيم، ذلك السور الذي وقعت خلفه أكبر الجرائم ضد المسلمين، وبعد لقاء قادة العمل الإسلامي هناك والحوار معهم وجهاً لوجه - ومن أهم ثماره الحصول على معلومات من مصادرها الأصلية، وإن كانت مغلّفة بغلاف من الحذر السياسي البالغ -، تكررت لقاءاتي بكبار رجال الدعوة الإسلامية هناك، حيث التقيت بالشيخ إلياس شن شيا شن رئيس الجمعية الإسلامية في بكين ومدير المعهد الإسلامي هناك، والشيخ محمد حنفي مدير الشئون الإسلامية، والشيخ محمد سعيد ما يون فو، وهم الآن من كبار المسئولين في قطاع العمل الدعوي الذي تمارسه الجمعية الإسلامية في بكين.

عندما سألت الشيخ إلياس شن شيا شن رئيس الجمعية الإسلامية في بكين - في ذلك الوقت - عن تاريخ الإسلام في بلاده قال: " دخل الإسلام إلى الصين في أواسط القرن السابع الميلادي، وتوجد الآن عشر أقليات قومية تعتنق الإسلام هي: هوي - الويغور - القارغيز - التاجيك - التتار - الأوزبك وغيرهم، وهؤلاء موزعون في تركستان الشرقية، وقانسو، ونيغيشيا، وتشينغهاي في شمال غربي الصين بصورة رئيسية، بجانب عدد ليس بالقليل من المسلمين " الهويين " ينتشرون في العديد من المدن والقرى.

كان رئيس الجمعية الإسلامية في بكين يتحدث إلي بلغة صينية، يتولى ترجمتها لي بلغة عربية ضعيفة للغاية الشيخ محمد سعيد ما يون فو، الذي واصل الحديث عن التاريخ الإسلامي لبلاده فقال: لقد وصل الإسلام إلي الصين عن طريق الفتح الإسلامي - لمقاطعة - تركستان الشرقية، وعن طريق الدعوة الإسلامية في المناطق الداخلية، وعن طريق الدعوة والتجارة معاً في المناطق الساحلية، حيث حمل التجار العرب أخبار الإسلام إلي المواني الصينية منذ بداية عهدها، فتأسست في المواني جاليات مسلمة منذ وقت مبكر.

وأضاف الشيخ محمد سعيد: إن علاقة العرب بأهل الصين علاقة تاريخية معروفة من قبل ظهور الإسلام، وقد أثبت التاريخ الإسلامي في بلادنا أن فتوحات المسلمين بقيادة القائد المسلم " قتيبة بن مسلم الباهلي " قد بلغت تركستان الشرقية - أي الحدود الغربية للصين - قبل أن ينتهي القرن الهجري الأول، وكان للتجار العرب دور كبير في نشر الإسلام، حيث عرف هؤلاء التجار " طريق الحرير " المشهور في التاريخ في منطقة آسيا الوسطى حيث تولى قتيبة بن مسلم الباهلي أمر " خراسان " في عام 88 هجرية، ووصلت فتوحاته إلى كاشغر في تركستان الشرقية عام 96 هجرية، وطريق الحرير بوادي فرغانة.

وقال : كما عرف الإسلام في شرق الصين منذ عام 31 هجرية في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وقد بلغ عدد البعثات الإسلامية التي جاءت إلى بلادنا منذ ذلك التاريخ وحتى عام 184 هجرية 28 بعثة إسلامية، وقد اهتمت هذه البعثات بالدعوة والتعليم الإسلامي، كما اهتم المسلمون بإنشاء المساجد التي كانت جوامع وجامعات إسلامية مفتوحة أمام طلاب العالم الإسلامي.

لقد أسس المسلمون في تركستان الشرقية العديد من المساجد منذ عام 96 هجرية، ولكنها اندثرت مع الأيام، حيث كانت هذه المساجد مشيّدة وفقاً للعمارة الإسلامية البسيطة على النحو الذي شيّدت به مساجد المدينة المنورة في السنوات الأولى من الهجرة النبوية الشريفة.

أما المسجد الأثري الذي بُني في تركستان الشرقية وما زال قائماً حتى اليوم فهو مسجد "سلطان ستوق" الذي يرجع تاريخه إلى القرن الرابع الهجري، بعد أن أسلم السلطان ستوق عبد الكريم، ويتسع هذا المسجد لثلاثة آلاف مصل - وفقاً لتقرير الشيخ محمد صالح مدير المعهد الإسلامي في "أورومجي" بتركستان الشرقية -.

إن الإسلام في تركستان الشرقية قد أسس حضارة إسلامية راقيةº تمثلت في بناء العديد من المساجد في العديد من المدن والقرى في تركستان الشرقية، والتي أدت دوراً متميزاً في نشر التعليم الإسلامي، ونشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بين المسلمين هناك، إلى جانب الدور البارز في التعريف بهدايات وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، مما كان له أثره في جذب عدد لا بأس به من أتباع الديانات الأخرى لاعتناق الإسلام.

وبالرغم من تعدد القوميات الإسلامية هناك فقد انصهرت كل هذه القوميات في بوتقة واحدة هي القومية الإسلامية باعتبار أن الإسلام هو قومية جميع المسلمين، كما تأسست في تركستان الشرقية أعرق المدارس الإسلامية التي التزمت بتدريس المناهج الدعوية والتربوية الأصيلة، حيث عثر هناك على مدوّنات تناولت أسماء هذه المدارس، وأسماء المعلمين الذين تولوا مهام الدعوة والتعليم، وقد توافد على هذه المدارس طلاب العلم في كافة أنحاء تركستان الشرقية وبعض المناطق الصينية.

كما عرف عن المسلمين في تركستان الشرقية حرصهم البالغ على تأدية مناسك الحج منذ تعرفوا على الإسلام، وقد تخصص عدد من دعاة الإسلام في نقل الحجاج إلى بيت الله الحرام، منهم الشيخ "جهنو" الذي بدأ رحلاته لأداء شعيرة الحج مع إخوانه من مسلمي تركستان الشرقية والمناطق الصينية المجاورة لها منذ عام 837 هجرية.

وتوجد في تركستان الشرقية العديد من المساجد التي تحمل أسماء " الحنين إلى النبي" - صلي الله عليه وسلم -، و" ذكرى النبي"، والتي تخرج منها وفود الحجيج، كما اشتهر الشيخ "تيمور خان" بتنظيمه لرحلات الحج للمسلمين الجدد، حيث اعتنق الإسلام على يديه 160 ألف نسمة، وأدى فريضة الحج منهم عدد كبير.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply