ماذا تعني لك المدينة ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا ونبينا رسول الله وبعد:

 

إن كلمة المدينة حينما ترن في الآذان سرعان ما تهفو قلوب أهل الإسلام وتتطلع إليها محبة لها ولساكنها - عليه أفضل الصلاة والسلام - فهي المدينة التي ارتبط ذكرها بعز الإسلام وأفول نجم أهل الأوثان، فاسمها إسلامي ومجدها إسلامي ومرجع الإسلام إليها.

 

فتحت المدينة بالدعوة والقرآن ولم تفتح بالسيف والسنان، فتبوأت قيادة الأرض ومن عليها وحملت إليهم مشعل الهداية ومصابيح الحضارة فتحرروا من نير العبودية ورق الهوى والشهوات فتنفسوا رياحين السعادة ونالوا مجد الحرية.

 

روى البخاري ومسلم عن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : «أُمِرتُ بِقَريَةٍ, تَأكُلُ القُرَى، يَقُولُونَ: يَثرِبَ، وَهِيَ المَدِينَةُ».

 

 أَي أَمَرَنِي رَبِّي بِالهِجرَةِ إِلَيهَا أَو سُكنَاهَا فشرفت المدينة باختيار الله لها مهاجرا لنبيه - عليه أفضل الصلاة والسلام - فمنذ وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدمه فيها تحولت المدينة من قرية لا تذكر بين حرار سود إلى أعظم مدينة على وجه الأرض تحمل مصابيح النور والهداية، وترفع راية العلم والحضارة، فتحول الناس فيها ومن حولها من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الضلال إلى الهداية، ومن التفرق والاختلاف إلى الوحدة والائتلاف، فتكون فيها تحت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي مدرسته جيل ما عرف التاريخ مثله في العلم والخلق والشجاعة والعز والبطولات، والتراحم والتلاحم والإيثار.

 

المدينة تغلب القرى بالإيمان والقرآن والعلم والحضارة، ويفتح أهلها القرى بالقرآن والسنان، وتأتيها أرزاقها من جميع القرى التي تفتحها وتأتيها غنائمها، وتضمحل فضائل تلك القرى إلى جانب فضلها ومنزلتها.

 

في تلك الحقبة الذهبية التي نزل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ينزل عليه الوحي من السماء بتوجيه ورعاية وتربية من الله - جل وعلا - لذلك الجيل، وتعد تلك الفترة أعظم حقبة مرت على مدينة في التاريخ منذ خلق الله آدم وإلى قيام الساعة، ولا يقدر هذه النعمة حق قدرها إلا ذلك الجيل الذي تذوقها وتفيأ ظلالها، واستشعر تلك الرقابة الإلهية وهي توجهه أولاً بأول في كل عمل وحدث، روى مسلم عَن أَنَسٍ, قَالَ: «قَالَ أَبُو بَكرٍ, - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: انطَلِق بِنَا إِلَى أُمِّ أَيمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزُورُهَا. فَلَمَّا انتَهَينَا إِلَيهَا بَكَت، فَقَالاَ لَهَا: مَا يُبكِيكِ؟ مَا عِندَ اللَّهِ خَيرٌ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَت: مَا أَبكِي أَن لاَ أَكُونَ أَعلَمُ أَنَّ مَا عِندَ اللَّهِ خَيرٌ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِن أَبكِي أَنَّ الوَحيَ قَد انقَطَعَ مِن السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتهُمَا عَلَى البُكَاءِ فَجَعَلاَ يَبكِيَانِ مَعَهَا».

 

وها نحن بعد أربعة عشر قرنا من الزمان نتفيأ ظلال هذا الدين الوارفة في ربى هذه المدينة الشريفة الطاهرة، نتذكر ذلك العهد الزاهر، ونشم عبيره الطيب كلما اقتربنا من سيرة سيد الخلق أفضل من مشى على الغبراء وأظلته السماء.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply