الغارة الصليبية على تشاد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموقع الجغرافي:

تقع تشاد في قلب القارة الأفريقيّة في المنطقة الفاصلة بين أفريقيا الشمالية وأفريقيا جنوب الصحراء. تحُدّها شمالاً ليبيا، وشرقاً السودان، وغرباً كلّ من النيجر ونيجريا والكاميرون، وجنوباً أفريقيا الوسطى.

 

تبلغ مساحتها ( 1.284000كلم2 ) وتأتي في المرتبة الخامسة بين دول القارة من حيث المساحة.

 

والأراضي التشادية من الأراضي الغنية بالثروات الطبيعية، ولكن مع ذلك تُعتبر تشاد من الدول الفقيرة في العالم، وذلك بسبب الحروب التي دامت مدّة طويلة لم تستطع تشاد خلالها استغلال هذه الثروات.

 

يبلغ عدد سكان تشاد (7) ملايين نسمة، حسب إحصائية عام (1422هـ 2001م) وتقدّر عدد القبائل بحوالي (150) قبيلة، تتحدّث بعضها لغات محليّة وتربطهم اللغة العربية. وتُعتبر كلُّ من الفرنسية والعربية لغتين رسميتين للدولة، وتُعتبر اللغة العربية لغة التعامل والتخاطب بين كافّة شرائح المجتمع التشادي، وهي الدولة الوحيدة الناطقة بالعربية خارجة عن إطار ما يُسمّى بجامعة الدول العربية.

 

دخول الإسلام:

وصل الإسلام إلى تشاد في القرن الأول الهجري عام (46هـ666م) وقامت فيها ثلاث ممالك إسلامية حكمت البلاد (900) سنة. ولوقوع تشاد في وسط القارة أصبحت نقطة انتشار للإسلام في نيجريا والنيجر والكاميرون وأفريقيا الوسطى وذلك بعد فضل الله - عز وجل - بفضل قيام هذه الممالك بدور كبير بنشر الإسلام في هذه المناطق وهي:

 

مملكة كانم الإسلامية (800 - 1900م):

مملكة كانم أو المملكة السيفية نسبة إلى سيف بن يزن جدّ حكّام هذه المملكة، اشتهرت في التاريخ الإسلامي الحديث بكثرة ما خلّفتها للمكتبة العربية من مصنفات في شتّى فنون العلوم الإسلامية. وقد ملأت شهرتـها جميع المساحات  الشاسعة بين النيل والنيجر، وتّقدّر هذه المساحات بنحو مساحة القارة الأوربية. بل إن هذه الشهرة قد تعدّت حدود القارة الأفريقية إلى العالم الإسلامي، حيث ارتبطت علاقاتـها بكلّ من مصر وشمالي أفريقيا. 

 

وقد وصلت شهرتـها وعظمتها إلى أوربّا منذ العصور الوسطى فظهرت في الخرائط الأولى التي صدرت بأوربّا خلال تلك العصور عن مدرسة ميورقة لرسم الخرائط، ظهرت في خريطة دلكرت Dulkert عام ( 739هـ 1339م) وفي الخريطة القطالونية عام (776هـ 1375م).

 

ولتلك الصّلات القويّة بالعالم الإسلامي أَسّس حكّام هذه المملكة مدرسة ابن رشيق لتعليم الطلاب الوافدين إلى مصر.

 

وتُعتبر اللغة العربية لغة التعليم ولغة المملكة الرسمية فضلاً عن كونـها لغة المعاملات التجارية.

 

مملكة باقرمي الإسلامية ( 1512-1892م):

تقع هذه المملكة في الجنوب الشرقي من مملكة كانم الإسلامية، وكانت تتبع مملكة كانم إلا أن ضعف مملكة كانم نتيجة للصّراعات الداخلية والخارجية جعلهم يستغلّون الفرصة للاستقلال عنها فتمّ ذلك في (917هـ 1512م).

 

وكان سلاطين هذه المملكة يعطون عناية خاصّة للعلم والعلماء فظهرت مجموعة كبيرة من العلماء البارزين الذين ساهموا في نشر الإسلام.

 

مملكة ودّاي الإسلامية ( 1615-1900م):

تقع هذه المملكة جنوب  جبال تبستي إلى الشرق من مملكة باقرمي، وتُعتبر هذه المملكة مركزاً إسلامياً هاماً في وسط القارة الأفريقية لما لها من دور في نشر الإسلام والعلم الشرعي في وسط القارة الأفريقية.

 

الاحتلال الفرنسي:

وصلت الطلائع الأولى للقوات الفرنسية إلى تشاد عام ( 1309هـ 1892م)، إلا أنّها لم تتمكّن من السيطرة الكاملة على البلاد إلا عام (1336هـ 1918م).

 

استمرّت السيطرة الفرنسية على البلاد لمدّة ستين سنة، وطوال هذه الفترة مارست فرنسا كلّ أنواع الترهيب والترغيب مع المسلمين ليستجيبوا لها، لكنّها لم تنجح، ووفقاً للقاعدة الذهبية لدى الغازي " فرّق تسد "، قامت فرنسا بترسيخ هذه القاعدة وذلك بتقسيم تشاد إلى قسمين " شمال وجنوب " كما فعلت قرينتها بريطانيا! بل ذهبت أكثر من ذلك بإلغاء العمل بالشريعة الإسلامية ورسمية اللغة العربية، وإحلال الثقافة الفرنسية مكانـها، وعندما استعصى المسلمون عليها قامت بإزالة آثار الممالك الإسلامية، فقامت بحرق المساجد والخلاوي والمدارس القرآنية، وقتل العلماء والفقهاء في مجازر جماعية لعلّ أسوأ تلك المجازر كانت مجزرة " كُبكُب ".

 

وبعد مواجهات ومظاهرات من قبل المسلمين ضدّ فرنسا، مُنحت تشاد حكماً ذاتياً محدوداً ضمن مجموعة الرابطة الفرنسية عام ( 1378هـ 1959م)، ومن ثمّ نالت استقلالها في (18/2/1380هـ 11/8/1960م).

 

وقبل رحيلها سلّمت الحكم إلى أحد أتباعها واحتفظت ببعض قوّاتـها بحجّة الدفاع المشترك بين البلدين، وتمّ تشكيل أوّل حكومة ووضع الدستور الذي احتوى على أحكام في غاية الخطورة كعلمانية الدولة ورسمية اللغة الفرنسية، وربط الاقتصاد التشادي بالفرنسي، حيث ألغت العمل بالعملة الإسلامية "الريال التشادي" وأبدلتها بالعملة الفرنسية " الفرنك الأفريقي " وبقي للعملة القديمة الاسم فقط.

 

وقد قام العميل الفرنسي ( فرانسوا تمبلباي ) أول رئيس لتشاد بحملات اعتقال وقمع للمسلمين ممّا حدا بالمسلمين لإعلان ثورة إسلامية عرفت بجبهة " فرولينا " جابـهت النظام.

 

وكانت في بداية تكوينها ثورة إسلامية. ولكن تغلغل في وسطها العلمانيون والاشتراكيون فغيّروا مسارها وخطّها إلى الخط العلماني، فضعفت وانقسمت إلى فصائل ومجموعات، ومع ذلك وصلت إلى الحكم بأفكار علمانية اشتراكية وأطاحت بالحكم النصراني الجنوبي.

 

وبعد حروب داخلية استمرّت لمدّة طويلة استطاع الرئيس السابق حسين هبري حكم تشاد لمدة ثمانية أعوام (1982م-1990م) وبعدها تمّ الإطاحة به إثر ثورة قادها الرئيس الحالي " إدريس ديبي " ومازال " إدريس ديبي يُمسك بمقاليد الحكم في تشاد.

 

الثروات التشادية والغارة الصليبيّة:

دخلت تشاد الآن عصر البترول والذهب، وهي الآن أمام طفرة اقتصادية كبيرة، وهذه الطفرة تُشكّل تحدّياً أمام المسلمين، لأنّ القوى التنصيرية تُراهن على استغلالها لدفع عجلة التنصير إلى الأمام، ولذلك عندما رفع كبير النصارى "البابا" الحالي شعار "تنصير أفريقيا في عام 2000" (في عام 1413هـ 1993م). كانت الميزانية الأولية المخصّصة للانطلاقة (3.5) مليار دولار، وكان نصيب تشاد منها ثلاثة مليار دولار نظراً للأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لها، وفي هذا الصّـدد يقـول القس  "الأب أشو غيري " ـ وزير خارجية الفاتيكان ـ: " إنّ ما ننفقه في تشاد الآن لكونـها من أفقر دول العالم، نستردّه بكلّ يسر خلال السنوات الأربع القادمة، لأنَ أراضي تشاد من أغنى الأراضي في أفريقيا و الموظفين التشاديين كلّهم أو 90% منهم من مدارسنا …".

 

وحسب الاستراتيجية الجديدة لتنصير أفريقيا عام (2010 أو 2015) هناك خطّط جديدة لتنصير المسلمين في تشاد لكونـهم أهل شوكة في هذه المنطقة. فعندما أجمع الكرادلة في روما لوضع خطّة شاملة لتنصير أفريقيا كلّها، أشاروا إلى تنصير الجزء المسلم من تشاد بتاريخ (28/10/1413هـ 20/4/1993م) فقالوا: " إنّ تشاد منطقة هامة وإنّ أيّة فكرة تظهر فيها تلقى سرعة انتشار كبيرة لوقوعها في مفترق الطرق في قلب أفريقيا، وهي مقبلة على مرحلة جديدة من الحياة الاقتصادية، وربّما تُصبح في عام ( 1427هـ 2006م) ثالث أهمّ منطقة اقتصادية في إفريقيا حسب الدوائر الاقتصادية الأمريكية وإن كانت الجمهورية الفرنسية غير مشجّعة لهذا الاتجاه.

 

فعليه أيها الآباء أمامكم مهمّة صعبة، خصوصاً عندما تصلون إلى المناطق المسلمة، وغالبية سكان هذه المناطق من أصول بدوية، وفيهم الجفوة والغلظة، وهي قبائل مقاتلة شريرة متعطّشة للدماء، كما تعرفون مما سبق من المعارك التي دارت بينهم وبين القوات الفرنسية. ومنفذنا أو سبيلنا إلى هذه المناطق الفقر والحاجة والجهل والأمّية، والرسول بولس كان رسول الأمّيين ولكم فيه القدوة الحسنة. وأرجو من الحكومة الأمريكية أن لا تستعجل في استخراج البترول التشادي. وأمّا اليورانيوم فعندنا ضمانات كافية، ووسائلنا العمليّة معروفة لديكم. وأمّا الميزانية فقد تفضّل قداسة البابا بتخصيص ملياري دولار أمريكي للبدء في هذا المشروع الضخم، وهو جزء من الميزانية الأولية التي تمّ تحديدها في جلسة (19/2/1993م).

 

ولكن إذا استعجلت الحكومة الأمريكية في مشروعها ونجحت فيه فإننا نحصل على ما أنفقنا في المنطقة من عائدات البترول وأكثر، والبروتستانت متفاهمون معنا في هذا الصدد، وقد ننجز أهدافنا قبل استخراج البترول، وعندئذ تكون ثروة البلاد كلّها في خدمة ربّنا المسيح "[1].

 

وختموا الجلسة بقراءة الفاتحة عندهم وهي: " الحمد لله في العلا وبالأرض السلام وبالناس المسرّة " وإذا قُرِئَت الفاتحة عندهم بغير القدّاس يعني أنّ الموقف جدّ خطير[2].

 

وعدد المنظمات الكنسية في تشاد عام 1422هـ ( 2160) منظمة كنسية من أهمّها:

 

أوكسفام  (OXFAM).

 

الإغاثة الكاثوليكية (SECOUR CATHOLIQUE).

 

ورد فيزيون ( WORLD VISION). وهذه ميزانيتها في عام 1422هـ كانت (40) مليون دولار أمريكي.

 

وتقابل هذه المنظمات التنصيرية ثماني منظمات دولية إسلامية.

 

أما عدد المنصّرين فقد بلغ عام 1422هـ (6534) منصّر و(260) منهم يتقنون اللغات المحليّة، و (15) منهم يتقنون اللغة العربية الفصحى، و(7) منهم حفظة للقرآن الكريم، و (3) علماء في علم الحديث وأصول الفقه، و(30) منهم من أبناء المسلمين الذين تعلّموا في مدارسهم وتنصّروا.

 

وأقلّ راتب تَفرٌّغ لكلّ واحد من هؤلاء (1000) دولار، وللدٌّعاة العاديين دون هذه الدرجة من (400-600) دولار، ومزودين بوسائل المواصلات الحديثة من طائرات خفيفة وطائرات شحن، وسيارات وقوارب ودراجات نارية عادية أو صحراوية[3].

 

يُضاف إلى هذه الغارة الصليبية الهائلة، الصراع الفرنسي الأمريكي للهيمنة على ثروات تشاد، وسعي أمريكا الحثيث لنشر الثقافة الأمريكية والعلمانية وسط المسلمين، لتشكّل تحدّياً آخر أمام حركة الإسلام  والمسلمين في تشاد، ومحاولة وضعها قوانين ولوائح تضمن لها البقاء في تشاد وفرض هيمنتها الصليبية البروتستنتية.

 

ومن تلك المحاولات الداعية إلى العلمانية محاولتها طرح قانون تنظيم الأسرة

 

( الأحوال الشخصية للمسلمين )، ومن أخطر بنود هذا القانون الحريّة الجنسية التي يدّعونـها ويسمّونـها بغير اسمها وهي تحرير المرأة!

 

وقد وقف الشارع التشادي كلّه متصدّياً لهذا القانون، ولكن هل ستتنازل أمريكا عن هذا المشروع؟! الأيام والسِّنون القادمة حبلى بالكثير!

 

ولتأكيد فرض هيمنتها فإن 97% من مشروع بترول تشاد والذي تكلفته تُقدّر بنحو ( 5.24) مليار دولار، ممولة من مجموعة الشركات الأمريكية (أكسون موبيل 40% وبتروناس 35% وشفرون 25% ).

 

ومن المتوقع - بمشيئة الله - أنه سيتمّ استخراج وتصدير البترول في غضون الأشهر الثلاثة القادمة.

 

أمّا الثروات الأخرى كالذهب فإن هناك شركات كورية تعمل لحساب أمريكا بدأت عملها في مناطق شاسعة من البلاد.

 

وفي تصريح واضح يَكشف النوايا الأمريكية لغزو هذه القارة، أعلن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد عن  فصل جديد من فصول الاستراتيجية الأمريكية بأنـها ستتوجّه إلى أفريقيا مضيفاً أن الوجود الأمريكي فيها هامشيّ، وبرّر هذا التوجّه بأنّ المنطقة مقبلة على عدم استقرار وضرورة تأمين الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، دون التطرّق إلى الجهة التي سيؤمَّن ذلك الشاطئ منها؟!

 

وهكذا تبقى الخيارات مفتوحة أمام الطرف الأمريكي في كيفية الدخول إلى أفريقيا.. هل سيكون بشكل كبير عسكري مباشر كما تمّ في أفغانستان والعراق، أم عبر معاهدات جديدة كما في دول الخليج، أم بطرق أخرى ؟![4]

 

ومع ضخامة هذه الغارة وإمكانياتـها الكبيرة يبقى أمام التشاديين كما أمام المسلمين جميعاً أن يعدّوا العدّة لمواجهة هذه الغارة، وليكن ما حدث لنا في فلسطين وإندونيسيا وكشمير وأفغانستان والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، وما حدث في الثورة الإسلامية الأولى في تشاد دروس وعبر ووقفة مراجعة لتصحيح المسيرة وإعداد الخطّة والنهج.

 

فإذا التقى فريقان: فريق له نـهجه وخُطّته، فعرف بذلك دربه ومراحله وأهدافه، فنهض وصدق عزمه لها، وفريق لا نـهج له ولا خطّة إِلا الشّعارات يُدوّي بـها، فإنّ الفريق الأول بنهجه وتخطيطه يستطيع أن يحوّل جهود الفريق الثاني لصالحه، فيجني النصر، ويجني الآخر الهزيمة والخسران والحسرة[5]. وقد قال الله - سبحانه وتعالى -: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)).[ الأنفال: 60]...

 

---------------------------------------------

[1]  - PLERINS No. 604 DU 23-30 MARS 1994

[2]  - د. حقار محمد أحمد: التنصير في تشاد، ص:6 .

[3] - د. حقار محمد أحمد – مصدر -.

[4]  - موقع الجزيرة نت 28/2/1424 هـ.

[5]  - د. عدنان علي النحوي، المسلمون بين الواقع والأمل، ص: 12.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply