بسم الله الرحمن الرحيم
قال لي بعض الناصحين: ابتعدي عن هذا الموضوع الشائك..لربما جر عليك الكثير من المشاكل، معللين بأنه تيار جديد على الأقل في مجتمعنا يسري بقوة..يتشكل و يتلون طبقا للفئة المستهدفة، مرة باسم الشفاء الذاتي، ومرة باسم اصنع نجاحك و سعادتك، وأخرى باسم كيف تحب أن تعمر لمائة سنة أو أكثر!! و غير ذلك الكثير.
هكذا قالوا لي: لن تغيري الكون، فأنت وحدك لا تستطيعين.
ولكني لم أستطع السكوت.. خوفًا من عقاب الله - تعالى -لي إن فضلت الصمت بعد كل ما قرأت وسمعت ورأيت.. ثم إني تساءلت: وهل ما أكتب سيكون لمصلحتي أم لمصلحة هذا البلد الطيب و أهله و المقيمين فيه؟
ولكني لم أرد البدء في الكتابة قبل أن يكون لي مرجعية دينية قوية تدعم ما أقول حتى فوجئت بالشيخ الدكتور يوسف القرضاوي يتحدث في خطبة يوم الجمعة الموافق التاسع من أبريل عن هذا الموضوع و يرفضه و يحذر منه بشدة.. لذا قررت الكتابة.
لن أطيل المقدمات.. وسأتكلم مباشرة عن خطر جديد وغزو جديد بدون أسلحة و لا دبابات، لكنه ربما يكون أشد فتكًا.. وهو ما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية و تختصر بالإنجليزية هكذا NLP، و التي ينادى بها الآن أناس لا أشكك في نواياهم الحسنة، لأني لا أملك ذلك لأن الله وحده هو الأعلم بالنوايا.
فهم يحرصون كل الحرص على (أسلمة) هذا العلم (إن كان علمًا حقًا)، و إعطائه صبغة دينية عن طريق الاستدلال عليه بالنصوص الشرعية، ويستخدمونه كأحدث أساليب التربية والتعليم، بل وفي الدعوة إلى الله.. نعم في الدعوة!!
بماذا يعرفون البرمجة اللغوية العصبية؟
هي طريقة منظمة لمعرفة تركيب النفس الإنسانية و التفاعل معها بحيث يمكنك التأثير السريع الحاسم في عملية الإدراك والتصور والانكسار والشعور، وبالتالي التأثير في السلوك و التصرف و جميع المهارات للأداء الإنساني والجسدي والنفسي والعقلي.
أي أنك بواسطتها تستطيع التحكم في نفسك وبيئتك الداخلية وتسخير طاقاتها وتوجيهها إلى ما تريد... هكذا يعرفونها.
وسأشرح لكم باختصار ما المقصود بكل هذا:
المقصود هو برمجة ما يسمى بالعقل الباطن أو اللاواعي عن طريق تغيير المفاهيم و المعتقدات و المدركات التي تنشأ في العقل الواعي والذي بدوره ينقلها للعقل اللاواعي الذي يعبر عن نفسه بغير وعى و يترجم كل هذا إلى تصرفات وأفعال بل و يهيئ لك البيئة الصالحة لذلك.. أي أن الشخص الذي يتم (برمجته) يتم تغيير فيه برامجه العقلية باستحثاث العقل الباطن الذي لديه قدرات غير محدودة، وسوف يحقق له كل ما يريد!! فالعقل الباطن هو من أهم ركائز هذه الفلسفة.
هل تصدقون ما تقرؤون؟ فإذا كان بإمكان الشخص العادي برمجة عقله لتغيير حياته، أو برمجة عقل غيره لتغييره، فلمَ لم يبرمج الأنبياء والرسل الموصولون بالوحي والمؤيَدون بالمعجزات والمعلمون من قبل خالق كل شيء.. لم يبرمجوا عقولهم أو عقول غيرهم ليتجنبوا كل ما لاقوه من أذى؟!!
وهل الإنسان الذي كرمه الله - سبحانه وتعالى - على جميع خلقه بأن منحه عقل يستطيع به أن يهتدي لخالقه، وأن يعمر الأرض ليكون فيها خليفةº هل بإمكان بشر مثله أن يتحكم فيه؟
فكل منا لا يملك من أمر نفسه ولا غيره شيئًا (قل إني لا أملك لكم ضرًا ولا رشدًا) الجن: 21.
نحن ندعو الله - تعالى -ونقول (.. ناصيتي بيدك).. ناصيتي وناصية كل الناس بيد الله وحده، والناصية هي مقدمة الرأس والتي بها مركز اتخاذ القرار في المخ.. نعم.. ناصيتي بيد خالقي فكيف تكون بيد مخلوق مثلي؟!
إنهم يقولون: إننا نتوكل على الله.. ونسمي الله.. وندعو إلى الله!
قولة حق يرُاد بها باطل. وهل تقديس العقل وإعطاؤه قدرات غير محدودة يُعد توكلا على الله؟
سأعرض لكم بعضا مما يقولونه في دوراتهم التدريبية وأمسياتهم:
- إن العقل الباطن هو الذي يحقق الأهداف
- إن الإنسان نسيج خياله، فأنت وما تظن... ظنك هو الذي يحدد لك مستقبلك، وهذا مأخوذ من الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما يشاء".. انظروا كيف يفترون على الله و يأوّلون النصوص الشرعية حسب أهوائهم!
ويفسرون ذلك بأن الفكرة هي عبارة عن طاقة، والفكرة يمكنها التأثير في حركة الجزيئات والذرات بل و في أنظمة الكون.. يا للعجب!!
- أين أنت الآن و ماذا تريد أن تكون؟ لذا يجب عليك أن تحدد هدفك أولا، ثم تخيل تحقيقه و تخيل شكل حياتك بعد ذلك.. ألست الآن في حال أفضل.. أوهام وإيحاءات وتخيلات المراد منها تعطيل العقل ليعيش في غيبوبة بعيدًا عن واقعه المؤلم.
ثم إني أتساءل: ما معنى عقل لا واعي؟ كيف يكون عقلا ثم يكون لا واعيًا؟ العقل اللاواعي ليس عقلا أليس كذلك؟
وحتى لا يتهمني البعض بأنني متحاملة عليهم، فسوف أقدم لكم ما قاله كبار المتخصصين عن هذا:
يقول الدكتور عبد الغني محمد مليباري الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة: إن البرمجة اللغوية العصبية على ما بدا حتى الآن - بعد دراسة وتقصِّ - ليست من الفكر الذي أصله عقدي كما في الماكروبيوتك والريكي والتشي كونغ وسائر تطبيقات الطاقة إلا أنها البوابة لكل هذه الأفكار من وجه، ومن وجه آخر فقد داخلتها - في بعض تطبيقاتها - لوثات مختلفة من أديان الشرق، ثم أنها تقود في مستوياتها المتقدمة - ما بعد مستوى المدرب - إلى مزيج من الشعوذة والسحر فيما يسمى بالهونا والشامانية التي هي أديان الوثنية الجديدة في الغرب.
أما بخصوص المنهج العلمي المتبع لإثبات صحة فرضيات البرمجة العصبية فيقول الدكتور مليباري: وبالنظر للبرمجة اللغوية العصبية في ضوء المنهج العلمي، فنجدها تفتقر إليه في عمومها وأغلب تفصيلاتها، وربما لهذا لم تلق ترحيبا في الأوساط العلمية في معظم دول العالم للأسباب التالية:
1ـ كثير من المشاهدات التي بنيت عليها فرضيات NLP ليس لها مصداقية إحصائية تجعلها فرضيات مقبولة علميًا، حيث تعامل الفرضيات وتطبق ويدرب عليها الناس على أنها حقائق رغم أنها لا ترقى لمستوى النظرية.
2ـ نظرياتها مقتبسة من مراقبة بعض الظواهر على المرضى النفسيين الذين يبحثون عن العلاج، ثم عممت على الأصحاء الذين يبحثون عن التميز.
وسوف أقدم هنا تقيمين اتبعا منهجًا علميًا في نقدهما للبرمجة:
الأول هو التقويم المقدم للجيش الأمريكي من الأكاديميات القومية ففي عام 1987م، وبعد انتشار دورات تطوير القدرات رغب الجيش الأمريكي في تحري الأمر فقام معهد بحوث الجيش الأمريكي The US Army Research Institute بتمويل أبحاث تحت مظلة "تحسين الأداء البشري" على أن تقوم بها الأكاديميات القومية US National Academies التي تتكون من كل من الأكاديميات القومية للعلوم والهندسة والطب والبحث العلمي، وتعتبر هذه الأكاديميات بمثابة مستشارة الأمة الأمريكية، ثم تم تكوين فريق علمي كان اختيار أعضائه على أساس ضمان كفاءات خاصة، وضمان توازن مناسب، وعهد لمجموعات مختلفة مراجعة البحوث حسب الإجراءات المعتمدة لدى أكاديميات البحوث الأربعة، ثم قدم الفريق ثلاثة تقارير: الأول في عام 1988م، والثاني في عام 1991م، والثالث في عام 1994م وقد قدم التقرير الأول تقويماً للعديد من الموضوعات والنظريات والتقنيات منها البرمجة اللغوية العصبية التي ذكر عنها ما نصه: "إن اللجنة وجدت أنه ليس هناك شواهد علمية لدعم الادعاء بأن الـ NLP استراتيجية فعالة للتأثير على الآخرين، وليس هناك تقويم للـ NLP كنموذج لأداء الخبير".
واستمر البحث والتحري في مجال "تحسين الأداء البشري" وبعد ثلاث سنوات يشيد التقرير الثاني بنتائج التقرير الأول والقرارات التي اتخذها الجيش الأمريكي بخصوص عدد من التقنيات السلبية ومنها الـ NLP حيث أوصى بإيقاف بعضها، وتهميش بعضها، ومنع انتشار البعض الآخر، وبعد ثلاث سنوات أخرى اكتفى ا لتقرير الثالث ـ نصاً ـ في موضوع البرمجة اللغوية العصبية بما قُدم في التقريرين الأول والثاني.
أما التقييم الثاني: صاحبه الدكتور"روبرت كارول" أستاذ الفلسفة والتفكير الناقد بكلية ساكرمنتوا" الذي قال: "رغم أني لا أشك أن أعداداً من الناس قد استفادوا من جلسات الـ NLP إلا أن هناك العديد من الافتراضات الخاطئة أو الافتراضات التي عليها تساؤلات حول القاعدة التي بنيت عليها الـ NLP، فقناعاتهم عن اللاوعي والتنويم والتأثير على الناس بمخاطبة عقولهم شبه الواعية لا أساس لها. كل الأدلة العلمية الموجودة عن هذه الأشياء تُظهر أن ادعاءات الـ NLP غير صحيحة. (راجع في ذلك مقالة منشورة في مجلة النيويورك تايمز في عددها الصادر 29 سبتمبر 1986م في مقالة بعنوان "المبادئ الروحية تجتذب سلالة جديدة من الملتزمين").. فهذه شهادة بعض أهلها فيها، وهذه نتائج تحريات جهات من أفضل الجهات العلمية، وفي بلد من أبرز البلاد تقدما في منهجيات البحث والتحري.
أما الدكتور / خالد الغيث عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى فيقول:
إن نصوص هذا الفكر تحمل في طياتها فكر المدرسة العقلانية، الذي يعد امتداداً لمذهب القدرية القائلين بأن الإنسان يستطيع أن يخلق فعله، وأن كل أمر يمكن أن يكتسب بالجد والاجتهاد، بعيدًا عن مشيئة الله، أو ما يسمى بحتمية تحقيق النجاح، متى ما عرف الإنسان وصفة النجاح. إن NLP تتجاهل الركن السادس من أركان الإيمان وهو: الإيمان بالقدر خيره وشره، لأنها قد أعدت لنا وصفة النجاح، أو حتمية النجاح، وبذلك تكون قد كفتنا كل الشرور، وكل الإخفاقات، وكل أنواع الفشل.... إن هذه الفلسفة تكمن خطورتها في أنها تسوق المسلم مع الوقت إلى التعلق بالأسباب المادية وتعطيل التوكل على الله، وهذا باب خطير من أبواب الشرك ينبغي الحذر منه.
ولنقرأ عن ذلك ما كتبه أحد سدنة البرمجة اللغوية وهو: إنتوني روبنز، في كتابه قدرات غير محدودة:
(كنت أعيش في منزل أنيق... ولكني كنت أريد مكاناً أفضل... قررت أن أضع تصميماً ليومي، ثم أعطي إشارة لعقلي الباطن لأخلق لنفسي هذه الحياة المثالية عن طريق ممارستها في خيالي... لم يكن لدي أي أموال، ولكني قررت أنني أريد أن أكون مستقلا من الناحية المادية.
وبالفعل حصلت على كل شيء كما رسمته في مخيلتي... لقد هيأت لنفسي الجو الذي يغذي عقلي وقدرتي على الخلق والابتكار... لماذا حدث كل هذا؟ لقد حددت هدفًا لنفسي، وكل يوم كنت أعطي عقلي رسائل واضحة ودقيقة ومباشرة تقول: إن هذا هو واقعي الذي أعيش فيه، ولأنني لدي الهدف الواضح المحدد، فإن عقلي الباطن قاد أفعالي وأفكاري إلى تحقيق الأهداف التي كنت أبغيها.
إن إنتوني روبنز يقول لنا ببساطة: إذا أردنا الثروة والنجاح فعلينا الانطراح بين يدي العقل الباطن والتضرع إليه كما فعل هو. نسأل الله السلامة والعافية..
أما د. جوزيف ميرفي، فيذكر في مقدمة كتابه قوة عقلك الباطن:
تستطيع هذه القوة المعجزة الفاعلة للعقل الباطن أن تشفيك من المرض وتعطيك الحيوية والقوة من جديد، وقد كتب فصلا في كتابه عن كيفية استخدام قوة العقل الباطن في تحقيق الثروة، ومن ذلك قوله: (عندما تذهب للنوم ليلاً: كرر كلمة (غني) بهدوء وسهولة وإحساس بها... وسوف تدهشك النتائج، حيث ستجد الثروة تتدفق إليك. وهذا مثال آخر يدل على القوة العجيبة لعقلك الباطن) ص 117.... لقد أصبح ما يسمى بالعقل الباطن عند أولئك الماديين أصحاب الفلسفة المادية، صنمًا يعبد من دون الله، فهو الرزاق، وهو الشافي، نسأل الله السلامة والعافية وأن يحيينا على التوحيد ويميتنا عليه.
أما الباحثة فوز بنت عبد اللطيف كردي أستاذ العقيدة و الأديان و المذاهب المعاصرة بكلية التربية جدة، فتقول:
ثمة أمر خطير وهو أن رواد هذا العلم الغربيين إن صح تسميته علما هم دعاة الوثنية الجديدة (الهونا الشامانية) التي تدعو أولا إلى تفعيل القوى الكامنة عن طريق الإيحاء والتنويم لتمام القدرة على التغيير من خلال التعامل مع اللاوعي وتنتهي بالاستعانة بأرواح السلف ـ بزعمهم ـ والسحر وتأثيرات الأفلاك ا.... فالبرمجة اللغوية هي الخطوة الأولى في طريق دورات الطاقة وما يتبعها من استشفاءات شركية بخصائص مزعومة للأحجار والأشكال الهندسية والأهرام ورياضات استمداد الطاقة الكونية "الإلهية" المزعومة، ومن ثم فإن سلم بعض الداخلين في البرمجة من آثارها السلبية على الفكر والمعتقد إلا أنهم فتحوا الطريق لغيرهم ممن سيتبع خطاهم إلى طريق لا يعلم منتاه إلا الله، وصدق ابن عباس - رضي الله عنهما - "من أخذ رأيا ليس في كتاب الله ولن تمض به سنة رسول الله لم يدر على هو منته إذا لقي الله"، وحيثما تغيب المنهجية العلمية ويضعف التقدير لكنوز النقل تتفشى السطحية وتظهر التبعية ويكثر الدجل.
بقي لنا أن نعرف ما قاله الدكتور القرضاوي:
هناك في عصرنا من يريد الدخول علي المسلمين بطرق شتي: من هؤلاء أناس من الغربيين يدخلون علي بعض المثقفين المسلمين عن طريق ما يسمي البرمجة اللغوية العصبية، وهذا يعني أنهم يريدون أن يدخلوا علي المسلم ليغسلوا دماغه، ويلقونه أفكارا في عقله اللاواعي، ثم في عقله الواعي بعد ذلك مفادها إن هذا الوجود وجود واحد، ليس هناك رب ومربوب وخالق ومخلوق هناك وحدة في الوجود.... الأفكار القديمة التي قال بها دعاة وحدة الوجود يقول بها هؤلاء عن طريق هذه البرمجة التي تقوم على الإيحاء، التكرار، وغرس الأشياء في النفوس، هم يقولون: لا علاقة لنا بالدين، بل برامج نعلم بها الناس ولكن وراءهم أهداف خبيثة ومقاصد بعيدة، كل هذه ألوان من الغزو يقصدون بها غزو العقل المسلم، ولذلك أول ما ينبغي أن نحرص عليه وأن نؤكده، أن تعرف طريقك أيها المسلم، تعرف غايتك: وحدد: الغاية هي رضوان الله، مثوبته وأن إلى ربك المنتهي الله هو المعبود بحق ولا معبود سواه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد