حوار في ساحة المطاف

2.2k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

مــــرَّ عامٌ، أهكذا مرَّ عامُ **** هكـــذا طوَّفت بنا الأيّــــامُ؟!

مرَّ عامٌ، كأنَّما مرَّ شهرٌ **** عجباً، هل تلاشـت الأعوامُ؟!

كيف صار المولود فينا رَضيعاً **** ومتى حُقَّ للرضيع الفِطامُ؟

ومتى أصبح الفَطيم غُلاماً **** ومتى جاوز البلوغَ الغُلامُ؟

ومتى أصبح الغُلام لدينا **** رجلاً، تَحتفي به الأقلامُ؟

ثم أضحى شيخاً حنَته الليالي **** فهو كالجذع مالَ منه القَوامُ

ليت شعري، أهكذا العمرُ يَمضي **** حين يمضي، وما يُحسٌّ الأَنامُ؟؟

كنتُ في ساحةِ المطاف وقلبي **** مُطمئنُّ، والطَّائفون التِحَامُ

كنت في ساعةٍ,، تحلِّق روحي **** في مَداها، وتُشرق الأحلامُ

ها هنا تلتقي نفوسُ البَرايا **** يافثٌ هاهُنا و حَامٌ و سَامُ

صورةُ الحجِّ لوحةٌ من جلالٍ, **** تتجلى فـيها أمورٌ عظامُ

كنت أستوقف الخيالَ فيأبى **** كيف باللهِ، يُوقَفُ الإلهامُ؟!

طافَ بي حينَها شعورٌ عجيبٌ **** بسؤالٍ, يُماطُ عنه اللِّثامُ

مَوسِمَ الحجِّ، كيف عُدتَ إِلينا **** بعد شهرٍ,، وَوَعـدُ لُقياكَ عامُ؟

كنتَ بالأمس عندنا، دون شكٍ, **** نظري فيكَ دائماً لا يُضامُ

كنتَ بالأمس في المشاعر تمشي **** في خشوعٍ,، لباسُكَ الإِحرامُ

حولَك الناسُ بالأُلوفِ تلبِّي **** فـتجيب البِطَاحُ والآكامُ

كنتَ بالأمس في المقام تُصلِّي **** لو سألنا، أجاب عنك المقامُ

كنتَ ترمـي الجِمَارَ بعد زَوالٍ, **** للحصى، حينما رَمَيتَ، ضِرامُ

كنتَ بالأمس في طوافِ وداعٍ, **** تسأل اللهَ أن يطيب الختامُ

أوَ ما بِتَّ في مِنَىً قبلَ شهرٍ, **** ودليلي على المبيتِ الخيامُ

أوَ ما كُنتَ في رُبَى عَرَفاتٍ, **** واقفاً، والجموعُ فيها قيامُ

أيّها الحَجٌّ، كيف عُدتَ، أَجبني **** قبل أن يُعجزَ اللِّسانَ الكلامُ؟

أنتَ رُكنٌ مُخصّصٌ بزمانٍ, **** مثلما خُصَّ بالزمانِ الصِّيامُ

فلماذا أتيتنا بعد شهرٍ, **** قبل أن يتركَ العيونَ المَنام؟

مدَّ كفَّا إليَّ، يمسح رأسي **** وعلى ثغره يلوح ابتسامُ

قال لي ضاحكاً: لقد مرَّ عامٌ **** منذ ودَّعـتكم، وأنتم نيامُ

ودليلي، هذي المشاعر تنمو **** وعليها صَرحُ العَطاءِ يُقام

كلَّ عام تمتدٌّ فيها جسورٌ **** ودروبٌ، بها تخفٌّ الزِّحام

خدمةٌ للحجيج تُسعد قلبي **** واحتفاءٌ بشأنهم واهتمامُ

خَيرُ هذي البقاع يَمتَدٌّ فوقي **** كلَّ عامٍ,، كما يُمَدٌّ الغَمام

مَرَّ عامٌ على طوافِ وَدَاعي **** حَدَثت فيه حادثاتٌ جِسَامُ

ودليلي تَجدٌّدُ الجرحِ فيكم **** والنفوسُ التي طَواها الحِمَامُ

والبيوتُ التي تُهدَّم ظُلمَاً **** والضحايا، والقتلُ، والإِجرامُ

ودليلي انتفاضةٌ فجَّرَتها **** في فلسطينَ طفلةٌ وغُلامُ

والثَّكالى، قلوبهنَّ انكسارٌ **** يتلظَّى ببؤسها الأَيتامُ

ودليلي الشيشانُ تُخبِرُ عنها **** كلَّ يومٍ, أشلاؤها والحُطَامُ

ودليلي كشميرُ في القلب منها **** حَسراتٌ، لهنَّ فيه احتدامُ

ودليلي العراقُ ما زال يبكي **** ويُغنِّي بجرحه (صَدَّامُ)

لو سألنا بغدادَ عنه لقالت **** صِحّةُ الاسم عندنا (هَدَّام)

ودليلي نهايةٌ لنظامٍ, **** عالميٍّ, يَفرٌّ منه النّظامُ

وانكشافُ الغطاءِ عَمَّا يُسمَّى **** بسلامٍ,، وليس فيه سَلاَمُ

مَرَّ عامٌ، لديَّ أَلفُ دليلٍ, **** فلماذا تَستَغلِقُ الأَفهامُ؟

مرَّ عام شهوره ناطقاتٌ **** ما بها لـَكنَةٌ ولا إِعجامُ

تُشرق الشمسُ فيه كلَّ صَباحٍ, **** ويُغطّيه في المساءِ الظلامُ

وَيَهُلٌّ الهلالُ فيه، ويبقى **** في نُموٍّ,، حتى يكونَ التَّمَامُ

مرَّ عامٌ، هذي الحقيقةُ، لكن **** أنتم الغافلون عمَّا يُرامُ

صار يُلهيكم التكاثُرُ حتى **** فَرِحَ (القَسٌّ) وانتشى (الحَاخامُ)

وبدا للبعيد منكم خضوعٌ **** فرماكم، وطاوعته السِّهامُ

لم يُصِبكم إلاَّ لأنَّ خُـطاكم **** وقفت حَيثُ ساخت الأَقدامَ

وإذا نالت المذلَّةُ قوماً **** طافَ أعداؤهم عليهم وحاموا

واستباحوا دَمَ الكرامةِ فـيهم **** ليت شعري متى يُفيق الكرامُ؟!

فلماذا تُخبِّئونَ رؤوساً **** مثلما تدفن الرؤوسَ النَّـعَامُ؟

موسمَ الحجِّ، يا حبيبَ قلوبٍ, **** صاغها من ضيائه الإِسلامُ

مرَّ عامٌ، نعم، ولكنَّ مثلي **** في مَرامي سؤالهِ، لا يُلام

قَصُرت خُطوَةُ الزَّمانِ وفينا **** أيٌّها الموسم الحبيب انهزامُ

أثقلتنا بالهمِّ دُنيا، هَواها **** طُحلبيُّ، والوَجهُ منها جَهَامُ

بعضُنا لم يزل يُخادع بعضاً **** ولكَم يَتبَعُ الخداعَ انتقامُ

كلٌّنا نعرف انتقاصَ اللَّيالي **** وقليلٌ منَّا الذين استقاموا

كلٌّنا، أيٌّها الحبيبُ نُغنِّي **** غيرَ ألحانِ مجدِنا، والسّلاَمُ


أضف تعليق