بسم الله الرحمن الرحيم
ترى فلذة كبدك جالس على الكرسي وهي أمامه....، تحسبه عندك في البيت ولكنك واهم... وتظنه يستغل وقته فيما يعود عليه بالنفع وظنك آثم...
فقد ذهبت به بعيدا... أخذت عقله وقلبه ومشاعره... وسيطرت على أفكاره وآماله... حتى إنها تسللت إلى عقله اللاواعي، فأصبح يراها في أحلام منامه ويقظته... يعيش معها بكل ذرة من فكره ووجدانه... ويطعمها من بنات ذهنه...، ويسقيها من رحيق وقته...
تذهب به إلى الشواطئ الجميلة تارة...، و تارة تلقيه في غابة موحشة تحيط به السباع من كل جانب....، تقحمه في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل تارة...، وتارة تسوقه إلى صحراء مقفرة...، تذهب به إلى عالم السحر والجن والشياطين تارة...، وتارة تحيله إلى زعيم عصابة من عصابات المافيا....
، تصنع منه سائقا لا يشق له غبار في سباق السيارات...، وجبارا ليس له مثيل في حلبات المصارعات... وبطلا مغوارا يموت في ساحة الوغى عدة مرات...
تعلمه القتل وسفك الدماء، وتدرسه الحب والعشق، بل الإباحية والزنا والخنا، ترضعه الوحشية والإرهاب من لبانها النجس...
تعلمه أن الغش شطارة، وأن فعل الخير سذاجة، وأن الخبث ذكاء وأن سحق الآخرين وظلمهم شجاعة....، تصور له أن الحياة هي شهوة حيوانية عارمة، وأن السعيد فيها هو من يفوز بأكبر عدد من النساء، وأعظم أرصدة من المال.....
تسللت إلى كيانه، فشوهت منظومة سلوكه وأخلاقه، وأوغلت حتى وصلت إلى حما العبودية، وحصن العقيدة بات في مرمى مدافعها الناعمة....
كأني أرى علامات التعجب والاستفهام تزاحم بعضها بعضا وقد ارتسمت على وجوهكم المتلهفة، من هي هذه المجرمة، وكيف تجرؤ على فعل كل هذا، وكيف بلغ بها الاستهتار بنا أن تمد يديها لسرقة عقول أبنائنا، كيف سولت لها نفسها أن تحاول مسخ أخلاق أطفالنا وشبابنا، بل كيف تفكر مجرد تفكير في تشويه عقائد فلذات أكبادنا....!!!!!
أتعلمون من هي، إنها من تأكل لباب عقول أبنائنا أكلا، ثم تثلطها قذارة ونتنا، إنها من تتربع في قلوب أبنائنا، وتصوغ ثقافتهم صياغة عربدية شيطانية، إنها وجه شيطاني صفيق من وجوه الثقافة الغربية،
إنها ألعاب الفيديو أو ما يسمى بل"بلاي ستيشن "، أو" اكس بوكس"، وهي أجهزة ألعاب منتشرة في كثير من البيوت، ولمن لا يعرفها هي أجهزة، طرحت في الأسواق منذ ثلاثين سنة بدأت من «الأتاري» الأسود إلى «القيم بوي» إلى الـ «سوبر نينتندو» إلى الـ «ثري دو أو» وصولا إلى الـ «غيم كيوب» والـ «بلاي ستايشن» والـ «اكس بوكس»، وبعضها على أجهزة الكمبيوتر العادية...
ويبلغ حجم الاستثمار في صناعة هذه الألعاب نحو 30مليار دولار تتنافس عليها ثلاث شركات سوني و مايكروسوفت و نينتيندو، وقد استقبلت أسواقنا العام الماضي أكثر من مليون و800 ألف جهاز بلاي ستيشن، ويقدر حجم إنفاق أطفالنا على هذه الألعاب بنحو 400 دولار سنويًا للطفل الواحد.
قد يقول البعض انك تبالغ كثيرا، وتدق أجراس الخطر في غير مكانهاº وتجعل من الحبة قبة، فالمسألة هي مجرد تسلية ولعب وحسب. أتمنى أن أكون مخطئا ومبالغا، ولكنني ادعوا كل أب وكل مسؤول، أن يتححقق من ذلك ويتحمل مسؤليته فيما استرعاه الله، ويجعل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَلاَ كُلٌّكُم رَاعٍ,، وَكُلٌّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ, وَهوَ مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ, عَلَى أَهلِ بَيتِهِ وَهوَ مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهلِ بَيتِ زَوجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسئُولَةٌ عَنهُم)) نصب عينيه.
وأقول لكل من يظن أن هذه الكلمات محض مبالغات، وتهويل في غير محله تعال معي في جولة أطلعك فيها على شيء مما حوته بطون هذه الألعاب، من موت أسود، و من سم زعاف.
في لعبة من الألعاب جميع أبطالها من الفتيات اليابانيات المقاتلات- انزه إسماعكم عن وصف إشكالهن- تبدأ القصة بنزول ملك من السماء - والملك عبارة عن فتاة جميلة - تقوم بمساعدتهن في قتال أعدائهنº ثم تقوم بفعل أفعال فاضحة مع بطلة اللعبة، فتأملوا رعاكم الله.
ولعبة أخرى تدعو إلى تطهير المدن من الملتحين والمشايخ وعلماء الدين حيث تجبر لاعبها على فعل ذلك للاستمرار في التقدم من مرحلة إلى أخرى وتحقيق الفوز فيقوم برمي القذائف على المساجد وبعثرة المصاحف وتمزيقها، يفعل كل هذا وصوت الأذان يصدح في المساجد وأنت تقصفها، ويقتل الناس وهم يكبرون ويهللون، حتى تتلاشى أصواتهم وإذا أراد أن يسجل نقاطاً أكثر عليه بتدمير مساجد أكثر، وحرق مصاحف أكثر، وقتل مسلمين أكثر، فما رأيكم؟؟
وفي لعبة لسرقة السيارات تجد أن هدف هذه اللعبة هو رد الاعتبار لعصابة الحي، والقضاء على شرطة المدينة التي تتسم بالانحراف والفساد الأخلاقي أيضاً، وتعلم هذه اللعبة الأطفال جرائم إطلاق النار على الآخرين أثناء القيادة، بل ونقل المومسات بالسيارة إلى سماسرة الفاحشة، بل وتعرض هذه اللعبة مشاهد بشعة تصور الاعتداء الجنسي والجسدي على النساء..
وفي لعبة أخرى تصور أحد أبطالها يفصل رأس ضحيته عن جسمه والآخر يصعقه كهربائيا، وثالث يمزقه إرباً حتى إن قلبه الخارج من صدره وما زال ينبض يقطعه بكلتا يديه العاريتين، ورابع يشد غريمه من جسده ويرفعه كعلامة للنصر، وأخرى تصور مصاصي دماء متعطشين يتتبعون وينتهكون خمس نساء يحفرون في رقابهن حفراً بأداة كهربائية ثم يعلقوهن كالذبائح من أسفل لأعلى.
وفي لعبة أخرى يقود الطفل عصابة للمافيا وتطارده الشرطة، ويزور المراقص ويجمع الأموال من الفتيات، ويزور الشواطئ الإباحية، ويعيش في بيئة التفاعل الافتراضي كأن يدخل الطفل غرفة افتراضية وتدخل عليه امرأة للرقص أمامه بلبس خليع جداً.
يقول أحد الآباء عن لعبة من لعب الأطفال كان يلعبها طفله، وأصر على شرائها بعد أن شاهدها عند أحد جيرانه، يقول جلست معه مرة من المرات على هذه اللعبة وكان فيها مرشداً يرشد اللاعب إلى كيفية اللعبة، بحيث يجتاز مراحل اللعبة التسعة، وهذا المرشد يحذره من الخطر الداهم، فمرة يوجد طيور ظلام تختفي خلف الحواجز لتطلق النار، ومرة هناك أفيال، وفي مرات أخرى هناك الشيطان الأكبر الذي سيوجد في نهاية اللعبة، يقول كان هذا المرشد الذي يقف للاعب ناصحاً ومعلماً يلبس لباس القساوسة، وفوق صدره تلمع شارة الصليب وكانت ذقنه الغليظة لا تتفق مع صوته الودود المسالم، ويتشح دائماً بالبياض، وهو لا يملك أدنى قوة لخوض معركة مع الأعداء، لكنه يمتلك الحكمة التي يقدمها للاعب على طبق من ذهب، يقول وقد تعلق قلب ابني به وأخذ يسألني ببراءة الأطفال عمن يكون هذا ولماذا يلبس هكذا، وتوالت أسئلة الطفل وهو الذي عودته على أن أجيبه، ويعتقد بأنني أمتلك مفتاح الأجوبة عن كل شيء، لكني لم أحر جواباً شافياً أعطيه له عن تلك الأسئلة التي فاجأتنيº ولم أقنعه بترك اللعبة إلا بعد جهد جهيد.
وتقول إحدى الأمهات أنها شاهدت ابنها البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً يلعب بأحد ألعاب الفيديو ولفت نظرها مشهد بل صدمها هذا المشهد وحاول ابنها أن يقنعها أن اللعبة بريئة وأنها تدور حول المصارعة فقط.. ولكنها أخذت منه اللعبة وقرأت ما هو موجود على الغطاء فوجدته كالتالي: (تتمتع فتيات الديفاس بنشاط جنسي قوي للغاية أكثر من أي وقت مضى خصوصاً عندما يرتدين حمالات للصدر من اللون نفسه للقطعة الداخلية الأخرى.. وذلك للقضاء على العدو الحقيقي وطرده من أروقة الجنة)!!
وبعد هذه الجولة على نزر يسير مما يقتنيه أبنائنا من ألعاب،
ما ظنكم فيمن ينبت لحمه وشحمه على مثل هذه الألعاب؟! ما ظنكم في من ينام ويصحوا، على مثل هذا؟ كيف تكون تصوراته ومفاهيمه، وما هي طموحاته وآماله، وما هي المبادئ التي ينطلق منها، وعلى أي مرتكزات يقف؟ ما هي الأخلاق التي يتحلى بها؟ والسلوكيات التي يتعامل بها؟
كل هذه الأسئلة أتركها لكم لتجيبوا عليها.
أما عن الجانب الصحي والنفسي فتؤكد إحدى الدراسات على أن الأطفال المشغوفين بهذه اللعبة يصابون بتشنجات عصبية، تدل على توغل سمة العنف والتوتر الشديد في أوصالهم ودمائهمº حتى ربما يصل الأمر إلى أمراض الصرع الدماغي، يقول احد المتخصصين في تربية الأطفال (ماذا تتوقعون من طفل قابع في إحدى زوايا الغرفة وعيناه مشدودتان نحو شاشة صغيرة، تعج ببريق متنوع من الألوان البراقة المتحركة، ويداه تمسكان بإحكام على جهاز صغير ترتجف أصابعه مع كل رجفة من رجفاته، وتتحرك بعصبية على أزرار بألوان وأحجام مختلفة كلما سكن، وآذان صاغية لأصوات وصرخات وطرقات إلكترونية تخفت حينا وتعلو أحياناً أخرى، فلا يرى ولا يسمع ولا يعي مما حوله إلا هي؟؟
يقول أحد الآباء أن له ابناً في الثالثة عشرة من عمره، وأنه مصاب بتشنج في يديه، وإذا أصيب بالتشنج ازدادت رغبته في العدوانية مباشرة، وربما ضرب حتى أمه إذا كانت بجانبه، وبعد عرضه على الأطباء تبين أنه كان يلعب البلاي ستيشن خمس ساعات في اليوم تقريباً.
يقول الدكتور سال سيفر: إن ((ألعاب الفيديو [مثل البلاي ستيشن] يمكن أن تؤثر على الطفل فيصبح عنيفاً، فالكثير من ألعاب (القاتل الأول) " فيرست بيرسون شوتر " تزيد رصيد اللاعب من النقاط كلما تزايد عدد قتلاه، فهنا يتعلم الطفل ثانية أن القتل شيء مقبول وممتع)).
وقد أظهرت دراسة دانمركية أن ألعاب الكمبيوتر لها أضرار كبيرة على عقلية الطفل، فقد يتعرض الطفل إلى إعاقة عقلية واجتماعية إذا أصبح مدمنًا على ألعاب الكمبيوتر وما شابهها.
وبينت الدراسة أن الطفل الذي يعتاد النمط السريع في تكنولوجيا وألعاب الكمبيوتر قد يواجه صعوبة كبيرة في الاعتياد على الحياة اليومية الطبيعية التي تكون فيها درجة السرعة أقل بكثير مما يعرض الطفل إلى نمط الوحدة والفراغ النفسي سواء في المدرسة أو في المنزل.
كما أثبتت البحوث العلمية للأطباء في اليابان أن الومضات الضوئية المنبعثة من الفيديو والتلفاز تسبب نوعًا نادرًا من الصرع، وأن الأطفال أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض.
ختاما:
أذكر كل أب بقول مولانا- تبارك وتعالى -في كتابه العزيز(يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ) وأقول له الله الله في أبنائك الذين هم ثمرة قلبك، وفلذة كبدك، وهديةُ الله إليك، وزينةُ حياتك، والأثرُ الصالح من بعدك، ((إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاَثَةٍ,:إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ, جَارِيَةٍ,، أَو عِلمٍ, يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ, صَالِحٍ, يَدعُو لَهُ))
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد