بسم الله الرحمن الرحيم
"... ويشاء الله أن يصدر حكم المحكمة النمساوية بحبس المؤرخ البريطاني ديفد إيرفينغ لتشكيكه في أرقام المحرقة اليهودية المزعومة، فتخرس عن التعليق على هذا الحكم الجائر جميع الألسن الأوربية التي كانت تتشدق بوجوب حق الفرد الأوربي بالتعبير عن رأيه دون قيود... "
عند ما دعت الجماهير الإسلامية إلى مقاطعة المنتجات الدانمركية احتجاجا على الرسوم المسيئة لشخص نبينا - صلى الله عليه وسلم - ثارت ثائرة أوربا على جميع المستويات الرسمي منها والإعلامي والشعبي.
فعلى المستوى الرسمي هددت المفوضية الأوربية بمقاطعة الدول التي قاطع مواطنوها المنتجات الدانمركية معللين ذلك بأن الدانمرك عضوا في منظومة السوق الأوربية المشتركة، وهذا يعني أن المقاطعة تعتبر مقاطعة لكل ما تنتجه أوربا.
أما فيما يخص الرسوم حتى وإن كانت تمس شخص أهم رمز لمليار وخمسمائة مليون مسلم، فهي تقع تحت طائلة قانون الحرية الشخصية التي لا يجوز المساس بها، فالصحيفة الدانمركية عندما نشرتها لم تخالف حسب رأيهم بنود دساتيرهم الديمقراطية، وكأن لسان حالهم يقول لنا ما أنتم أيها المسلمون إلا أمة متخلفة لا تؤمن بمبدأ حرية الرأي، فيجب عليكم قمع شعوبكم وإرغامها على شراء المنتج الدانمركي بغض النظر عن الإساءة التي ألحقت بشخص نبيكم، فالجبنة الدانمركية أهم في نظرهم من شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أما وسائل الإعلام فما فتئت تعيد تلك الرسوم تضامنا مع سابقتها.
وعلى المستوى الشعبي فقد سيّرت المظاهرات في أنحاء أوربا للتنديد بالمسلمين ومطالبة حكام الأنظمة الأوربية بمعاقبة الدول الإسلامية التي تجرأت شعوبها على مقاطعة الدانمرك، ولم تنتهي غوغائية هذه الجماهير الحاقدة عند حد المظاهرات الاحتجاجية بل تعدت ذلك إلى العبث بمقابر المسلمين بتلويثها بالقاذورات ورمي علاماتها ومما يؤسف له أن هذه الأعمال المشينة وجدت من أبناء جلدتنا من يبررها، فاتفق رأي أصحاب الأهواء المشبوهة مع رأي البسطاء على اعتبار أن هذا العمل عملا فرديا يعبر عن رأي أصحابه حسب قوانين النشر الحرة بتلك الديار.
ويشاء الله أن يصدر حكم المحكمة النمساوية بحبس المؤرخ البريطاني ديفد إيرفينغ لتشكيكه في أرقام المحرقة اليهودية المزعومة، فتخرس عن التعليق على هذا الحكم الجائر جميع الألسن الأوربية التي كانت تتشدق بوجوب حق الفرد الأوربي بالتعبير عن رأيه دون قيود، فالمورخ المعني ينتمي لأعرق حضارة أوربية ومع ذلك لم تشفع له الديمقراطيات الأوربية، فما أقدم عليه هذا الشقي يمس مصالح الصهيونية العالمية التي يعتبرها المشرّع الأوربي خط أحمر لا يمكن تجاوزه فحرية الرأي والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والمبادئ وغيرها من الشعارات التي ترفع في بلاد الغرب تذهب جميعها أدراج الرياح إذا كان الأمر يمس إحدى دوائر الضغط السياسية لديهم.
فلا نستغرب إذا رأيناهم يطلقون العنان باسم حرية الرأي للأقلام الحاقدة في مطبوعاتهم للقدح في نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ويلجمون كل صوت ينتقد العصابة اليهودية، فحرية الرأي عندهم منقوصة توجهها ديمقراطية حمقاء، تبيح لهم أن يغزوا بلاد المسلمين ويعيثوا فيها فسادا بحجة تحقيق العدالة الاجتماعية لأهلها... فأي عدالة زعموا يتم تحقيقها للضحية بعد ذبحها؟
وإذا تحجبت المسلمة في بلادهم حرموها من حقوقها الاجتماعية بحجة مخالفتها للقانون العلماني، أما أزياء الرهبانية والحاخامية فتعتبر من الحريات الدينية التي يكفلها القانون الديمقراطي، وأي مبادئ عندهم تحفظ حق الكلب لحيوانيته وتهدر حق الإنسان لإسلامه؟
عجبا لبني قومي الذين لا زالوا مبهورين بعدالة ديمقراطية الغرب وصداقتهم المزعومة. ألم يقرأوا قول الله-تعالى-(ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) "البقرة 19". وقوله - سبحانه -: (يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قدبيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) "آل عمران 118". فهؤلاء القوم عداوتهم أزلية لن تمحها السنون ولن يرضوا عن المسلمين حتى يتخلوا عن دينهم كما قال الحق- تبارك وتعالى-(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) "البقرة12".
في المراحل الأخيرة من سقوط الأندلس كان النصارى يدخلون في اتفاقيات مع المسلمين يدفع بموجبها الأخيرين الجزية، ثم يطلبون منهم بعد ذلك التخلي عن السيادة على بلادهم مقابل أن يبقى لهم حق المواطنة بالمملكة النصرانية وإعطائهم حرية ممارسة شعائرهم الإسلامية والإبقاء على مساجدهم، وعندما أحكم الصليبيون قبضتهم على البلاد حولوا المساجد إلى كنائس وأرغموا المسلمين على اعتناق الديانة النصرانية ومن لم يتنصر فمصيره القتل أو النفي إلى بلاد المغرب العربي حسب قانون محاكم التفتيش، فخلف هؤلاء الصليبيون أسوأ من سلفهم إن هم مكنوا من فرض سيطرتهم على بلاد المسلمين، فلن يرضوا بما رضي به أسلافهم بالأندلس بمحو الهوية الإسلامية من إقليم واحد فحسب ولكن طموحاتهم تتعدى ذلك إلى محو هوية المسلمين واستباحة بيضتهم في جميع أنحاء العالم.
وليس بالضرورة أن ينصروهم وإنما يخرجوهم من دينهم ويجعلوهم يعيشون دون عقيدة أي يحيون حياة البهائم بالفلاة حتى يذوبوا مع الأجناس الأخرى وتنقرض هويتهم كما انقرضت هوية الهنود الحمر بأمريكا، وهذا ما صرح به كبير المنصرين - الأسقف زويمر - " لن يكون هدفنا إدخال المسلمين بالدين المسيحي فهذا شرف لا يستحقونه وإنما إخراجهم من دين الإسلام وتركهم بدون عقيدة دينية".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد