بسم الله الرحمن الرحيم
القيمة إما مطلقة، أو نسبية. فالمطلقة تكون ذاتية، أي تطلب لذاتها، لا لغيرها. فكل الناس في كل زمان وفي كل مكان يرغبون فيها، ويحبذونها ويطلبونها لحسنها الذاتي كالسعادة، والحرية، والفضيلة، والصدق...لا يختلف عن هذه القيم اثنان في كونها حسنة. أما القيمة النسبية فتطلب لغيرها لا لذاتها. فنحن حين نطلبها نريد من ورائها تحقيق شيء آخر أسمى منها. فالدواء مثلا مر، غير مستساغ، غالي الثمن، ومع ذلك نقتنيه، لا رغبة فيه، ولكن لغاية أسمى منه وهي الصحة. والمال هو الآخر يطلب لتحقيق السعادة أو المكانة الاجتماعية المرموقة... ولا يطلب لذاته. وانطلاقا من هذا التعريف التمهيدي المقتضب نستطيع أن نفهم اختلاف القيم وتناقضها من مجتمع لآخر. فما يعتبر حسنا ذو قيمة عالية في مجتمع أو في فلسفة ما قد يعتبر قبيحا في مجتمع أو فلسفة أخرى. فلحم الخنزير، والخمر مثلا يعتبر رجسا من عمل الشيطان، حرام على كل مسلم تناوله أو الاتجار فيه أو ا لتداوي به... وعلى خلاف ذلك فهو عند الإنسان الغربي العلماني طعام وشراب طيب مباح يقبل على استهلاكه بشراهة في كل المناسبات. والبقر إلاه يقدس ويعبد في الهند، إلا أنه يذبح ويؤكل في غير الهند. والدين عندنا له قيمة قدسية يرفع صاحبه إلى أعلى المراتب الاجتماعية أما عند الغربي العلماني فهو رجعية وظلامي وأفيون مخدر يجب تجاوزه والثورة عليه. وإذا كان المال في المنظور الإسلامي وسيلة لا غاية لا بد من مراعاة طهارته فلا يكون من كسب حرام كالقمار والربا والسرقة والغش والنصب... فهو عند الآخر غاية في حد ذاته لا فرق بين ما هو حلال وما هو حرام، المهم هو الحصول على المال ولو عن طريق الغصب والتأميم وقد يرتكب بسببه سفكك الدماء. والإسلام يدعوا إلى العفة وصيانة الأعراض من القذف والتشهير ووضع لذالك حدودا، وعقوبات. أما العلماني فلا مكان في قاموسه المعرفي للعفة، فهو يرى أن من حقه أن يمارس كل ما يحلو له من شذوذ جنسي أو من زنا ولو كان من المحارم. وقد يرى الفاحشة في أهله ولا يحرك ساكنا. والعقل في الإسلام له مرتبة عليا ومن ثم حرم الإسلام كل ما من شأنه أن يلغيه، ويغيبه كالخمر والمخدرات فالمحافظة عليه واجبة يعاقب كل من تهاون فيها. أما الاتجاه العلماني فيضلل العقل مستخدما مناهج تعليمية مضللة. انطلاقا من هذه القيم النسبية نستطيع فهم الحكمة الإلهة من التشريع لأن الإنسان حين يترك لهواه يضل ويضل، فعقله محدود بحدود الزمان والمكان، ويحتاج إلى عناية ربانية تساعده على التمييز بين الفعل القبيح والفعل الحسن خصوصا وأن للشيطان مكائد لا تحصى تزين للإنسان كل فعل قبيح. وللماديات بريقها الذي لا يقاوم. إن الإسلام كعقيدة وشريعة، جاء بأخلاق وقيم كلية شاملة تستغرق حياة المسلم، وسلوكياته الفردية، وعلاقاته الاجتماعية ووضع لذالك أحكاما وتشريعات تنظم كل أنماط الحياة حتى يضمن حماية الفرد، والمجتمع من كل انحراف قد يكون له انعكاس سلبي مدمر للفرد والمجتمع الإسلامي. والواقع أن مجتمعنا الإسلامي ظل زمانا طويلا في منأى عن كل الانحرافات الأخلاقية، والسلوكيات الشاذة، حتى اجتاحته العلمانية الغربية، باسم الحرية، والديمقراطية، والعولمة، والتجارة الحرة، وحقوق الإنسان... فبدأت قيمنا الأخلاقية تنهار الواحدة تلوى الأخرى بل تسارع الهدم الأخلاقي حتى أصبحنا نتساءل هل نحن مسلمون؟ ونعيش في مجتمع إسلامي؟ أيحدث مثل هذه الانحرافات الشاذة، كزنا المحارم مثلا في مجتمعنا الطاهر إلى عهد قريب؟. كل ذلك تم بفعل مكائد الغرب العلماني، والصهيونية العالمية، ونشرهما، وترويجهما لكل فكر وثقافة إباحية، لا أخلاقية مسخرين لذلك وسائلهم الإعلامية من فضائيات وإنترنيت وصحف ومجلات، ولم يتركوا وسيلة من وسائل الاتصال إلا واستخدموها. أضف إلى ذلك ضغوطاتهم السياسية تحت ذريعة حرية التعبير والفكر، وحقوق الإنسان... دون أن ننسى الطابور الخامس الذي يلجئون إليه كلما فشلت وسائلهم المذكورة آنفا. فهو الضامن لاستمرار فكرهم وثقافتهم وسياستهم في تصدير كل ما هم انحرافي لا أخلاقي متعارض مع ديننا الحنيف إلى مستعمراتهم السابقة التي شملت كل بلاد الإسلام لأنهم يعلمون أن قوتنا في قيمنا التي هي من ديننا ولا سبيل لهم إلى احتوائنا إلا بتجريدنا من هويتنا ومسخ شخصيتنا الإسلامية إن الغرب العلماني فرض على كل بلاد المسلمين قانونا وضعيا، يرى فيه الإنسان المنتمي إلى بلاد الإسلام طاغوتا يجب الكفر به فهو معارض ومناقض للشريعة. ومن ثم فالناس عندنا لا يعترفون به ولا يحترمونه ويتحايلون عليه. في ظل غياب شريعة إسلامية يؤمن بها الفرد والمجتمع، وفي ظل قانون وضعي غير معترف به ولا محترم كانت الطامة الكبرى فظهرت عندنا جرائم الرشوة، ونهب المال العام، والتفنن في السرقة، والكذب، والتحرش الجنسي على مرأى ومسمع من المارة ولا أحد يستنكر وكأن الأمر طبيعي، أما ما يحدث داخل وسائل النقل العمومي المختلطة بسبب الازدحام، وأمام الإعداديات والثانويات والجامعات وأحيائها السكنية المختلطة من فواحش ورذائل فحدث ولا حرج نهيك عن جرائم الاغتصاب والسكر العلني وتعاطي المخدرات والعري الشاطئي، والمهرجانات الصيفية... صحيح هناك عوامل أخرى تكرس الانحلال الخلقي عندنا كالأزمات الاقتصادية والبطالة والفاقة والطبقية الصارخة التي ما عاهدناها يوم كان المجتمع الإسلامي يحكمه التكافل الاجتماعي، وكان أفراده يؤدون زكاة أموالهم عن رضا وطواعية لا يحاسبهم في ذلك غير وازعهم الديني لا كما يتهربون اليوم من دفع الضرائب ويتحايلون على مصالحها. بل هناك من يجد مبررا دينيا يعفيه من دفع الضرائب، وهو أن المجتمع الذي يعيش فيه مجتمع غير إسلامي فلا يجوز أن يدفع له الضرائب. إنه لمن الصعب أن نطالب الجائع، والعاجز والمتشرد أن يلتزم بالقيم الاجتماعية العليا في غياب توفير أدنى شروط الحياة الكريمة. ولله در عمر ابن الخطاب الذي عطل حد القطع عام الرماد لشبهة الجوع. إن تدهور القيم وتحللها وما نتج عن ذلك من تشويه لشخصية الفرد والمجتمع معا ومن تنام للمعاصي والمنكرات لا علاج له إلا بالرجوع إلى الإسلام عقيدة وتشريعا وحكما وتنظيما. ولنا عبرة في نموذج طالبان التي استطاعت أن تقضي على زراعة المخدرات والاتجار فيها، وتطهير المجتمع من كل الجرائم السلوكية في وقت قياسي وذلك بشهادة أعدائها قبل أصدقائها. إن مجتمعاتنا الإسلامية تنهار يوميا أمام أعيننا بفعل المد ألانحرافي الإباحية الذي يصدره إلينا الغرب، ولولا الصحوة الإسلامية لكانت الكارثة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد