بسم الله الرحمن الرحيم
عنف الكنيسة المقنن:
"عمل جماعتنا على سلق الوثنيين ـ يقصد المسلمين ـ البالغين في الطناجر، وثبتوا جثث الأطفال على الأسياخ والتهموها مشوية"!
هكذا وصف المؤرخ الصليبي، راول دي كين، بعض فضائح الحملة الصليبية التي أعطى انطلاقتها البابا أوربان الثاني II Urban سنة 1095، وهي شهادة ميدانية حية، مادام ناقلها كان مرافقا لتلك الحملة، وقد رآها رأي العين.
عندما تلمس ناظري هذه العبارات وغيرها من العبارات الكثيرة التي تنضح بالفضاعة والرهبة والقرف، تداعى خاطري إلى الضجة المباغتة والعارمة التي أحدثها بابا الفاتيكان الجديد (بينديكتس السادس عشر) عقب المحاضرة التي ألقاها بجامعة ريجنسبورج الألمانية، وذلك يوم 13 سبتمبر 2006، وهي ضجة ترتبت عن الإساءة الملموسة، التي تضمنها خطابه، للإسلامº عقيدة وحضارة ونبيا، حيث راح يشرّح بمبضعه الكنيسي جسد الإسلام، عاملا فيه يد التشويه والمسخ، دونما تمحيص أو ترو أو رزانة، وهو تشريح مؤذ حتى النخاع، يذكرنا بأجسام الأطفال البريئة وهي تطهى في الطناجر، وتشوى على الأعواد، ليلتهمها برابرة القرون الوسطى، الذين عاثوا في الأرض فسادا باسم الصليب، وباسم المسيح! هذا ناهيك عن المجازر الكثيرة الشنيعة، التي ما انفكت تحتفظ بها ذاكرة التاريخ، وهي تصور لنا مشاهد الحملات الصليبية، حيث دم المسلمين الأباة يلطخ جدران المسجد الأقصى، بل وأن الصليبيين، كما ينقل المؤرخ الانويم، يمشون في الدم حتى عراقيب أرجلهم، وأن أكوام الرؤوس والأيدي، كما يصف مؤرخ آخر، ترى من بعيد في الساحات والشوارع! وغير ذلك من المشاهد الرهيبة التي لا نعهد رؤيتها إلا في السينما الهوليودية.
هذه هي الحقائق التاريخية الحية المروية في كتب الصليبيين، بألسنة أحبارهم وأقلام مؤرخيهم، التي دعت بشدة الكنيسة الكاثوليكية، ولأول مرة في تاريخها، أثناء (يوم الغفران) لسنة2000 لـ "طلب الصفح عن أخطائها وخطاياها بحق المسيحيين أنفسهم وبحق أتباع الديانات والثقافات الأخرى"، وذلك بغرض التطهير وغسل الأرواح من الذنوب والكراهية التي أدت عبر القرون إلى أنهار من الدماء والخراب والمآسي وغير ذلك، كما جاء على لسان البابا يوحنا بولس الثاني.
يمكن أن نستشف من هذا التمهيد المقتضب أمرين، قد يشكلان المدخل النظري لفهم حقيقة الضجة الأخيرة التي أحدثها بابا الفاتيكان، عندما أدلى بتصريحات كاذبة، يعلوها صدأ الزيف، حول الدين الإسلامي، هذان الأمران هما:
1- إن المجازر التي مورست أثناء الحروب الصليبية على المسلمين الأبرياء، تحت راية المسيحية، حقيقة مؤكدة تثبتها مختلف المؤلفات والكتب التاريخية الغربية، التي ارتأينا أن نتريث عند بعض ما ورد فيها، دون أن نعرج على ما جاء في الكتب التاريخية العربية والإسلامية، حتى نفهم الحدث من خلال الأدلة والمعطيات التي يوفرها لنا صانع هذا الحدث نفسه، لا من خلال أدلتنا أو معطياتنا التي قد تجانب الموضوعية وتفتقد المصداقية، تأثرا بفضاعة تلك الوقائع الرهيبة. على هذا الأساس فإن كل ما مورس أثناء الحروب الصليبية من جرائم ومجازر على المسلمين من قبل النصارى، حقائق لا غبار عليها، مادام التاريخ الكنيسي نفسه يثبت ذلك على ألسنة مؤرخيه الصليبيين، هذا إن عبر عن شئ، فإنه يعبر عن أن جذور العنف تطلع من تربة الكنيسة، أو بالأحرى من تربة البلاد التي كانت محكومة بإرادة البابا، وهي جذور أثمرت أشواكا، امتدت لتجرح الآخرين، الذين كانت أغلبيتهم مسلمة، في حين كانت تعيش أقليات مسيحية بين ظهراني تلك الأغلبية المسلمة، دون أن يكتنفها عنف، أو تمسها إساءة. وهي مفارقة عجيبة انفرد بها التاريخ الإسلامي، حيث كانت الدولة الإسلامية، داخليا، توفر الأمن لأهل الذمة من النصارى واليهود، وخارجيا تجابه أعداءها النصرانيين!
2- نفس الخلاصة التي أثبتناها في العنصر السابق، والتي فحواها أن الكنيسة، تاريخيا، هي التي بدأت بممارسة العنف والتحفيز عليه، سوف يؤكدها البابا يوحنا بولس الثاني سنة2000، عندما سيعترف بأخطاء الكنيسة الكاثوليكية وخطاياها، في حق الجميع، مسيحيين أو أتباع الديانات والثقافات الأخرى، ومنهم المسلمون. هكذا يبوح صانع الحدث بجريمته العظمى، فلا يدع مجالا للشك، غير أن هذا البوح لا يعدو أن يكون إلا حبرا على ورق، يعوزه التنفيذ الواقعي على سائر الأصعدة، سياسية كانت أو إعلامية أو فكرية أو تربوية أو غير ذلك. عقدة العداء للإسلام "فقط أرني ما أتى به محمد وجاء جديدا، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمره نشر الدين الذي نادى به بالسيف".
لم يجد بابا الفاتيكان الحالي (بينديكتس السادس عشر) إلا هذه الجمل ليستشهد بها في محاضرة علمية، ألقاها في جامعة ريجنسبورج الألمانية، أمام نخبة من المثقفين والأكاديميين، وهذا أمر جد عادي، لأن الكنيسة مجبولة على مثل هذا السلوك، الذي يعبر عن انفصام عميق في شخصيتها المتقلبة الأطوار، فهي تبدي غير ما تخفي، وتعلن عكس ما تُكنّ! وهذا ما يظهر بوضوح في أغلب مقاطع المحاضرة التي ألقاها البابا، وهي تعقد مقارنة ضمنية بين الإسلام والمسيحية، لا تنكشف للقارئ إلا من خلال القراءة العميقة، ليخلص من ذلك، بشكل أو بآخر، إلى إثبات أفضلية المسيحية على الإسلام، وهذا ما يستجلى منذ البداية من تهجمه على الإسلام، وقدحه الظاهر في جملة من الأمور التي تعتبر مسلمات وبديهيات في العقيدة الإسلامية.
ولئن كان واضحا بالمنطق العقلي المنظور، والدليل الواقعي الملموس لدى الكنيسة، أن الدين الإسلامي يشمل كل تلك السلوكات والمعاملات والأخلاق والقيم التي من شأنها أن تخلق عالما سمحا (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا فِي السِّلمِ كَافَّةً) البقرة/208، تنتفي فيه الفوارق الطبقية، وتتلاشى فيه العنصرية العرقية أو الدينية أو غيرهما، إلى درجة أن قوانين الشريعة الإسلامية تسمح لرعايا الدول الأجنبية المعادية للإسلام بحق المواطنة على تراب الدولة الإسلامية، ولئن كان الأمر كذلك، فإن الكنيسة طالما تجاهلت هذا الوجه السمح للإسلام، وصنفته في لائحة الأديان أو الثقافات المنبوذة، ليس لأنه يستحق النبذ، ولكن لأنه يملك الحقيقة التي تخشى منها الكنيسة، هذه الحقيقة التي سعت بكل ما ملكته من قوة وجبروت ونفوذ إلى طمسها (يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِن بَعدِ مَوَاضِعِهِ) المائدة/41، والترويج لها بالأسلوب الذي يلائم مصالحها الأيديولوجية والسياسية والمادية، وقد انبثقت عن سلوك النبذ هذا عقدة العداء الشرس لكل ما تشتم منه رائحة الإسلام، وقد اختلفت أشكال هذا العداء، بين مادي من حروب ومواجهات واستعمارات، ومعنوي أو رمزي من تحريف للمعطيات وتشويه للحقائق وإفشاء للأكاذيب وإحداث للأراجيف.
إن العداء المادي يمس المجتمع في أرواحه ومرافقه ومعماره، ويترتب عن ذلك شرخ نفسي بليغ، لكنه ومع ذلك فقد تتبدد تلك الآثار مع مرور الأيام، لأنه بدوران التاريخ يتحول ذلك المجتمع إلى طور آخر من الحياة، ويلج مرحلة تاريخية تختلف عن التي سبقتها، فيصبح الحديث عن العداء المادي، إما من باب التذكير أو من باب البكاء على الأطلال، غير أنه في علاقة الإسلام بالمسيحية يتخذ الأمر مسارا مغايرا، يبدو فيه الصراع بين الطرفين مستمرا إلى ما لا نهاية، يتلبس بمختلف التسميات والمصطلحات (حروب صليبية، استعمار، صراع الغرب والشرق، مواجهة الإرهاب، صراع الإسلام والغرب... ). حتى أنك تشعر بأن المستقبل يعد بمواجهة عظمى بينهما! أما العداء المعنوي أو الرمزي فيعتري المجتمع في معارفه وأفكاره وحقائقه ومعتقداته، فهو بذلك أشد وطأ من العداء المادي.
حقا إن أثر العداء الأول يبدو جليا للعين، التي تشهد القتل والتنكيل والدمار والتخريب، ويحز بشكل عميق في النفس، التي تحذوها الجراحات والأورام، لكن ومع ذلك، فإن كل تلك الملمات والويلات التي تصيب البدن والنفس والمال، لا تعادل طمس حقيقة واحدة من حقائق العقيدة الإسلامية، التي تجد أصلها في كلام الله - تعالى -(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ) البقرة/105 (وَبِالحَقِّ أَنزَلنَاهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) الإسراء/176، أو سنة رسوله الكريم ? (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى) النجم/3، وفي هذا الإطار يمكن إدراج خطاب البابا بنيديكتس، الذي يكشف عن عداء معنوي سافر للإسلام، حيث ينسب في أكثر من موضع من محاضرته سلوكا ما إلى الإسلام، وإن كانت الحقيقة غير ذلك، وهذا لعمري نابع من النظرة العدائية التي تطغى على علاقة الكنيسة بالإسلام، وهي نظرة تحاول أغلب المؤسسات المسيحية تعميمها بين أوساط أنصارها ومريديها في شتى أنحاء العالم، مطعمة إياها بنشر حقائق مغلوطة حول الإسلام، تسري في عقولهم الجاهلة سريان السم في الدم!
ثم إن هذا العداء بصنفيهº المادي والمعنوي، يُسعى من خلاله إلى التنقيص من شأن الدين الإسلامي، بأسلوب يوحي بأنه عقلاني، مادام أنه ينطلق من جملة من المعطيات التي يحسبها المسيحي العادي أمورا حقيقية، فيسلم بها دون تشكيك أو تردد، على هذا الأساس يمكن رد الرأي الشائع الذي يقول بأن الإساءات التي تمارس من فينة لأخرى، من لدن الغرب على الإسلام، إنما ناجمة عن جهل أولئك المسيئين بحقيقة وطبيعة هذا الدين، وهذا رأي يعبر إما عن استخفاف الغرب بنا واستحماره لنا، وإما عن سذاجة من يأخذ به وقلة إلمامه بعلاقة الغرب بالإسلام، لأن هذا الغرب الذي استعمرنا أمدا طويلا، واستحوذ على طاقاتنا البشرية والطبيعية، ومكاسبنا التراثية والثقافية، مكنته هذه التجربة التي كانت علينا وبالا، وكانت له فتحا، (مصائب قوم عند قوم فوائد)، من أن يتعلم الكثير عن الدين والثقافة الإسلامية، بل ويدرك طبيعة الهوية والشخصية الإسلامية، حتى أن مستشرقيه ومبشريه كانوا يدونون كل صغيرة وكبيرة عن الإسلام، ويأتي اليوم من يبرر ما قاله البابا، معتبرا إياه يجهل حقيقة الإسلام عقيدة وحضارة، وهم يعلمون أن البابا ليس شخصا عاديا، وإنما هو مثقف كبير، سبق له وأن درس علم اللاهوت وتاريخ العقيدة في جامعة بون وغيرها منذ سنة 1959، وهذا يعبر عن أنه يملك معرفة كافية عن الدين الإسلامي. وإلا فما هي الدلالات العميقة لهذه العبارات التي ضمنها بيانه الشخصي، الذي تلا الضجة العارمة التي أحدثتها محاضرته، وهو يقول فيه: "إنني أشعر بأسف عميق لردود الفعل في بعض البلدان لفقرات قليلة من خطابي بجامعة ريغينسبورغ، والتي اعتبرت مسيئة لمشاعر المسلمين. لقد كانت هذه في الواقع اقتباسا من نص يرجع للعصور الوسطى، ولا يعبر بأي صورة عن فكري الخاص". غير أن هذا الأسف الموسوم بالعميق، ليس عميقا إلا على المستوى الشكلي..
وإلا فلماذا يظل البابا متمسكا بالمقارنة المجحفة التي عقدها في محاضرته بين الإسلام والمسيحية؟
وماذا يمكن أن نعتبر هذه الازدواجية في الخطابº تناقضا غير مقصود، أم انفصاما مرضيا، أم عداء مقننا ضد الإسلام؟!
بناء على ما سلف، نخلص إلى أن تصريحات البابا حول الإسلام غير نابعة من جهله أو عدم معرفته بهذا الدين، ربما يسري هذا على الإنسان الغربي العادي، الذي لا يدرك الإسلام إلا من خلال تلك الصورة المقزمة التي يقدمها له الإعلام، وإنما تُفسر تلك التصريحات بالنظرة العدائية التي يُقيّم بها البابا الإسلام، وهي نظرة تقتضي منه نهج أسلوب الطمس والتزييف، وقد اعتبر د. يوسف القرضاوي أن القول الذي اقتبسه البابا من الإمبراطور البيزنطي، مبني على الجهل المحض، أو الكذب المحض، فنحن نستبعد الشق الأول من كلام القرضاوي، لأن البابا ليس جاهلا بالإسلام، وإنما كاذب، كما جاء في الشق الثاني، سوّل له عداؤه أن يقول ما قال! و "إن لم تستحي فاصنع ما شئت" كما قال الرسول الكريم محمد ?.
بعيداً عن النص والسياق:
تجدر الإشارة إلى أنه تم اختيار زمن إلقاء محاضرة البابا بنيديكتس السادس عشر بجامعة ريجنسبورج الألمانية بدقة كبيرة، وهو الثالث عشر من سبتمبر 2006، الذي يتزامن، تقريبا، مع ذكرى هجمات الحادي عشر على نيويورك وواشنطن، وكأنه يسعى من خلال ذلك إلى تأكيد خطر الإسلام على الغرب، وهذا ما يحيل عليه أكثر من موضع في محاضرته، التي استدعت قراءات متعددة، تختلف من فرد إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، ومن ثقافة إلى أخرى، فإذا كانت القراءات العربية والإسلامية لخطاب البابا تتفق، بشكل كثيف، حول أن البابا أساء إلى الإسلام بوعي تام، وأن ما ورد في المحاضرة يعبر عن موقف الفاتيكان المعادي للإسلام، ذلك نفسه ما وجد له صدى عارما عبر الشارع العربي والإسلامي، فإن القراءات الغربية تلتقي أغلبها في فكرة أن كلام البابا أسئ فهمه، وأنه لم يقصد إساءة الإسلام كما ورد في صحيفة (التراو) الهولندية، وأن ذلك سوف يترتب عنه ضرر ديبلوماسي في علاقة الفاتيكان بالإسلام، وعلى هذا المنوال تمضي معظم وسائل الإعلام الغربية، وقلما نجد رأيا يعارض ما تفوه به البابا، ولو كان صادرا عن رجل فكر، كالمفكر الفرنسي (جيل كيبيل) المعروف المتخصص في قضايا الإسلام والغرب، الذي رأى أن كلام البابا ينطوي على مجازفة، قد تحمل جزءا من المسلمين على التطرف.
- إن معاملة الإسلام لغير المسلمين، انبنت على نهج الآية الكريمة "لا إكراه في الدين" البقرة/256، والدليل القاطع على ذلك هو حرية التدين التي تمتع بها أهل الذمة داخل الدولة الإسلامية، على مر العصور، وعبر شتى البقاع، والبابا على علم أكيد بهذه الحقيقة التي انفرد بها الإسلام، واقعيا وتاريخيا، عن سائر الأديان، لكنه ماض في غيه، الذي زين له أن يقول أن محمدا - صلى الله عليه وسلم- حض على نشر الإسلام بالسيف، وبأسلوب المراوغة وازدواجية الخطاب يريد أن يتملص مما قاله، مبررا بأن ذلك ليس كلامه، ونحن نعلم أن الإنسان لا يقول إلا ما يعتقد به، وإنما هو كلام مقتبس من حوار جرى في القرون الوسطى، بين الإمبراطور البيزنطي واسع العلم مانويل باليولوغوس الثاني وفارسي متعلم حول المسيحية والإسلام، وتبريرا لاقتباس الإمبراطور حول أن الإسلام نشر بالسيف، يعززه بشرح ينسبه كذلك إلى الإمبراطور، وهو يتساءلº "لماذا إن نشر الإيمان بالعنف أمر مناف للعقل والمنطق، فالعنف لا يتفق وطبيعة الله ولا يتفق وطبيعة الروح". وهو يغض الطرف عن عنف الكنيسة الذي استغرق قرونا عدة، وهو عنف أثبته البابا السابق بأسلوب مخجل، يطلب فيه الصفح والغفران.
- وفيما يتعلق بحديث البابا حول العقل في الإسلام على أن "الله جل عن كل شيء، فعال لما يريد منزه عن أي من قوالبنا، بما في ذلك العقل والمنطق". فإن خير رد على ذلك هو ما تضمنه بيان الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي ورد فيه: "ولو رجع (يقصد البابا) إلى قول أئمة الإسلام، (... ) لوجدهم يقولون: إن العقل أساس النقل، ولولا العقل ما قام النقل، ولا ثبت الوحيº لأن ثبوت النبوة لا يتم إلا بالعقل، وثبوت النبوة لشخص معين لا يتم أيضًا إلا بالعقل. ولا يقبل المحققون من علماء الإسلام من آمن بالإسلام تقليدًا لآبائه، دون إعمال للعقل، ونظر في الأدلة، ولو بالإجمال".
يقينا.. إن البابا سقط في مأزق لم يكن في حسبانه، وهو مأزق كان من السهولة بمكان الانفلات منه، عن طريق اعتذار لا يقتضي منه إلا دقائق معدودات، لكنه لم يفعل ذلك، وإنما اكتفى بالأسف الشكلي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.
- ترى لماذا يركب البابا صهوة العناد والكبرياء، ولا يستفيد من مواقف البابا السابق الذي كان يعرف كيف يداهن خصومه؟
- ترى ما هي الخلفيات التي تدعوه لشن هذه الحملة الجديدة على الإسلام وهو الذي سبق له واستنكر رسوم الجريدة الدنماركية التي أساءت إلى الرسول ?؟
- ألا ينطوي نص خطابه على تناقض صارخ؟
كما تمت الإشارة في أكثر من موطن من هذا المقال، ثمة عداء دفين للإسلام من لدن الدعاة الغربيين إلى حوار الأديان، هذا العداء يطفو من حين إلى آخر على سطح الواقع، وهذا ما يسري على حالة البابا، وإن كانت بعض المصادر الإعلامية تقول "أن صقور الفاتيكان وعلى رأسهم الكاردينال الألماني فالتر كاسبير هم من أعدوا نص المحاضرة التي ألقاها البابا بالجامعة الألمانية، وذلك من أجل إقناع المسيحيين بأن الفاتيكان تعيش نفس الهموم التي يعيشها المسيحيون عبر العالم، وأن موقفها من الإسلام واضح ومخالف للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني"، مما يشير إلى أن الحرب الجديدة ضد الإسلام سلسلة ذات حلقات مترابطة، ولو اختلفت توجهات ومشارب الذين يقودونها أو يدعون إليها، من رجال سياسة ودين وفكر وفن وغير ذلك.
خلاصة القول:
- كيف كان رد فعل المسلمين قادة وعلماء ومثقفين وشعوبا، على حملة البابا على الإسلام؟
- هل ثمة من جديد في مواقفهم أم أن دار لقمان بقيت على حالها؟
فيما يتعلق بقادة العالم العربي والإسلامي لم نسمع إلا بعض الأصوات المحتشمة الخافتة، التي عبرت في شكل عشوائي عن استيائها الأبيض من تصريحات البابا، في الوقت الذي كنا ننتظر منها أن تنهض بقوة، وتقف وقفة رجل واحد ضد هذه الإساءة، وتصدر قرارات سياسية جادة وصارمة تضع الفاتيكان أمام أمر الواقع، عن طريق المقاطعة الديبلوماسية والاقتصادية، التي دعا إليها الكثير من علماء ومفكري ومثقفي الأمة الإسلامية، لكن أينتظر ذلك من أولئك الذين سبق لهم في إحدى قمم الجامعة العربية، التي عقدت في تسعينيات القرن المنصرم، أن أجمعوا على الضعف العربي أمام إسرائيل والعالم الغربي.
فإلى متى يستمر هذا الضعف الفوقي الذي تقابلة قوة شعبية تحتية عارمة على وشك الانفجار؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد