بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تولاه، وبعد:
فالكلام عن هذا الكتاب الموسوم بالفرقان الحق، وبيان ما فيه من ضلال ربما يطول، غير أني أختصر ذلك في الفقرات الآتية راجياً أن تكون أساسا لدراسة شاملة للكتاب:
وصف الكتاب:
هو: عبارة كتاب يقع في ثمانية وستين وثلاثمائة ورقة (368)، ويتألف من عدد من الموضوعات، كل موضع جعل تحت اسم خاص، كهيئة سور القرآن الكريم، وبلغت تلك الموضوعات (أو السور): سبعا وسبعين، مع مقدمة وخاتمة، ومن الأمثلة على أسماء تلك الموضوعات(أو السور) التي تضمنها هذا الكتاب: الفاتحة، المحبة، المسيح، الثالوث، المارقين، الصَّلب، الزنا، الماكرين، الرعاة، الإنجيل، الأساطير، الكافرين، التنزيل، التحريف، الجنة، الأضحى، العبس، الشهيد، الأنبياء،....
كما أن الموضوعات (أو السور) مقسمة إلى مقاطع مرقمة، كهيئة الآيات القرآنية.
ومن الملفت للنظر أن محاولة مشابهة القرآن الكريم واضحة تماما، حتى طريقة خط الكتاب، تشابه رسم المصحف العثماني، ولذا قال د. أنيس شورش: "إن الكتاب مشابه للقرآن من حيث الأسلوب والجوهر... لكنه يحتوي على رسالة الإنجيل".
وقد سماه الواضعون له باسم: الفرقان الحق، وكتب باللغة العربية، وترجم إلى اللغة الانجليزية.
ويزعم واضعوه أن هذا الكتاب وحي من الله - تعالى -إلى من دعوه بالصفي، كما ورد ذلك نصا في الكتب: "ولقد أنزلنا الفرقان الحق وحيا، وألقيناه نورا في قلب صفينا ليبلغه قولا معجزا بلسان عربي مبين، مصدقا لما بين يديه من الإنجيل الحق صنوا فاروقا محقا للحق، ومزهقا للباطل، وبشيرا ونذيرا للكافرين" (التنزيل: 5، 4/ ص: 325).
وقد صدر علنا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1999م.، عن دار "واين بريس" و "أوميجا"، واستغرق العمل عليه سبع سنوات من عام 1991م.
القائمون عليه:
ينسب هذا الكتاب بشكل صريح وعلني إلى جماعة إنجيلية (بروتستانتية) تقع في ولاية تكساس الأمريكية، ولهم موقع الكتروني باسم: مركز المحبة الإلهية.
وأما الواضع الحقيقي لهذا الكتاب فهو د. أنيس شورش، أحد نصارى العرب من فلسطين، وكان ممن هاجر إلى أمريكا للعيش فيها، وله جهود كبيرة في التنصير، ومحاربة الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم -.
ويقال: إن الإدارة الأمريكية تدعم هذا المشروع وتقف وراءه، على أن وزارة الخارجية الأمريكية قد نفت ذلك، على موقعها الالكتروني في الشبكة العالمية.
أهداف الكتاب:
هذا الكتاب جزء من مشروع، بعيد المدى، هادف إلى صرف المسلمين ـ خصوصا ـ عن دينهم، وإخراجهم من ملتهم، مع دعوة صريحة لعقيدة النصارى المحرفة، وقد جاء هذا صريحا على لسان د. أنيس شورش، حيث يصف الكتاب بأنه: "أداة لتنصير المسلمين".، وهذا من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تقرير، فالكتاب دعوة إلى النصرانية بشكل صريح تماما، جاء في الكتاب: " إنا أنزلناه فرقانا حقا مصدقا لقولنا في الإنجيل الحق ومذكرا للكافرين فسنتنا واحدة وآيتنا واحدة لا نبدلها في إنجيل حق أو في فرقان حق ولا يغيرها زمان أو مكان ولا ينسخها الثقلان ولا أهل الضلال والبهتان" (المعجزات: 7).
ولهذا رأينا حرصه الشديد على مشابهة أسلوب القرآن، وطريقته في ذكر السور والآيات، بل ورأينا منهم اقتباسا كثيرا لبعض الكلمات والجمل القرآنية، بل وحتى بعض الأساليب القرآنية، تأمل ما ورد في هذا الكتاب: " ومثل الذين كفروا وكذبوا بالإنجيل الحق أعمالهم كرماد، اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال الأكيد) (الثالوث: 18، ص: 66) وقارن هذا بما في القرآن الكريم إذ يقول - تعالى -: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم أَعمَالُهُم كَرَمَادٍ, اشتَدَّت بِهِ الرِّيحُ فِي يَومٍ, عَاصِفٍ, لاَّ يَقدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيءٍ, ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ البَعِيدُ) (سورة إبراهيم أية: 18)، وهذا أمر مقصود من واضعي هذا الكتاب للتلبيس على الناس، وخداع الجهال من عامة المسلمين، آملين أن يبلغ بالمسلمين الجهل درجة يظنون معها أن هذا الكتاب هو القرآن المنزل من عند الله - عز وجل -.
والحقيقة أن الكتاب يأتي حلقة في سلسلة الحملة الصليبية المعاصرة، على الإسلام وأهله، هذه الحملة التي جيش لها الصليبيون، كل طاقاتهم وإمكاناتهمº العسكرية، والفكرية، والإعلامية، والتقنية.
ويأتي هذا الاستهداف المباشر للقرآن الكريم، لما علمه أهل الصليب من أثره على المسلمين، فمنه يستمدون قوتهم، وبه بقاؤهم وذكرهم، فعلموا ـ بعد طول تجارب ـ أنه لن يتحقق لهم ما يتمنونه من القضاء على الإسلام باعتباره دينا، ولا على المسلمين باعتبارهم أمة ذات هوية، إلا بإبعادهم عن هذا المصدر.
وفي هذا السياقº ما نراه من دعوات متزايدة من دول الغرب، المطالبة بتهذيب القرآن الكريم ـ زعموا ـ وذلك بحذف آيات منه، ولا سيما تلك التي تؤصل مبدأ الولاء والبراء، وتدعوا إلى جهاد الأعداء.
والقائمون على هذا الكتاب، يعلمون مدى الحساسية عند المسلمين تجاه هذه الدعوات وأمثالها، وهذا ما جعلهم يتدرجون في نشره بين الناس والدعوة إليه، حيث بدأ ظهوره على نطاق ضيق في العالم الإسلامي، في بعض المدارس الخاصة المنتمية في مناهجها للغرب، كما تم إرساله على بعض العناوين البريدية الإلكترونية، ونشره ككتاب على موقع إلكتروني.
بعض ما يدعو إليه الكتاب:
تضمن الكتاب كثيرا من الدعوات، إلا أنها تلتقي في محورين، هما:
الأول: الدعوة إلى النصرانية.
الثاني: الطعن في دين الإسلام.
فأما الدعوة إلى النصرانية فالكتاب طافح بها، فهو في الحقيقة كتاب يدعو إلى النصرانية، بكل عقائدها ومفاهيمها ونظرتها للحياة والإنسان، والثناء على المنتسبين إليها، وبيان أنها الملة الحقة التي لا يقبل الله غيرها، وأن المنتسبين إلى هذه الملة، هم أهل الجنة، وهاك مثالا على بعض هذا: جاء في الكتاب: "يا أيها الذين ظلموا من عبادنا لقد جاءكم الفرقان الحق يبين لكم كثيراً مما كنتم تجهلون من الإنجيل الحق، ومما كنتم تكتمون" (الصلب: 1، ص: 44)، وفيه أيضا جاء: "فرقان أنزلناه نوراً ورحمة للعالمين، وما يزيد الذين كفروا إلا نفوراً، إذ جعل الشيطان على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، وفي آذانهم وقرا، ويزيد الذين آمنوا بالإنجيل الحق من قبله نوراً وإيماناً فوق إيمانهم، فهم لا يعثرون) (الفرقان: 13، ص: 56).
ويظهر في الكتاب جهد واضح لتبرير عقيدة التثليث وتسويغها في العقول، من ذلك قوله: " وما كان لكم أن تجادلوا عبادنا المؤمنين في إيمانهم وتكفروهم بكفركم فسواء تجلينا واحدا أو ثلاثة أو تسعة وتسعين فلا تقولوا ما ليس لكم به من علم وأنا أعلم من ضل عن السبيل"(التوحيد: 2).
وأما الطعن في دين الإسلام، فكثير على نحو يدعو إلى الاستغراب من هذه المبالغة، ففيه طعن في الإسلام، والنبي الذي جاء به، والقرآن الذي أنزل عليه، والشريعة التي دعا إليها، والمسلمين الذي اتبعوا هذه الملة واعتنقوها، وهاك أمثلة على بعض هذا:
* في الكتب تأكيد على أن الله - تعالى -لم ينزل القرآن الكريم، وإنما هو وحي الشيطان وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقاه من الشيطان، والتأكيد على هذا الأمر في أكثر من موضع من هذا الكتاب، ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكذب والزور والبهتان، وسوى ذلك من الألفاظ البذيئة النابية، جاء في الكتاب: "إن الشيطان إذا أراد أن يضل قوما استحوذ على أميِّ منهم فأغواه فأغوى قومه وزين لهم سوء أعمالهم فأضلهم وهم بضلالهم فرحون وأوردهم نارا تلظى وهم لا يشعرون" (الإفك: 3، 4) وكقوله: "يا أيها الذين كفروا من عبادنا لقد ضل رائدكم وقد غوى.. إن هو إلا وحي إفك يوحى علمه مريد القوى.. فرأى من مكائد الشيطان الكبرى... كلما مسه طائف من الشيطان زجره صحبه فأخفى ما أبدى.... وإذا خلا به قال إني معك، فقد اتخذ الشيطان ولياً من دوننا... فلا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس إذ ينزل عليه رجزاً "(الغرانيق: 1، 11).
* الطعن في المسلمين وثلبهم ووصفهم بكل نقيصة، جاء في الكتاب: " فسيماؤكم كفر وشرك وزنى وغزو وسلب وسبي وجهل وعصيان" (الكبائر 3- 259-260)، وفي موضع آخر: " ولا تغلوا في دين لقيط، ولا تقولوا علينا غير الحق المبين" (الفرقان" 29، ص: 69).
* إثارة الشبه حول شرائع الإسلام وأحكامه، والتشكيك فيها.
ومما يجدر لفت النظر إليهº أن غالب الشبهات التي أثاروها، هي شبه قديمة، قد قال بها المستشرقون قديما، ولاكتها ألسنتهم حتى ملتهاº كموقف الإسلام من المرأة، ومشروعية الصلاة والصوم، وهذا أمر كثير يطول تتبعه، جاء في الكتاب المزعوم: " وما كان النجسُ والطمثُ والمحيضُ والغائطُ والتيممُ والنكاحُ والهجرُ والضربُ والطلاقُ إلا كومةُ رِكسٍ, لفظها الشيطان بلسانكم " (الطهر: 6).
ومما يدعو إلى التأمل: هذه المحاولة المبالغ فيها، للنيل من شريعة الجهاد خصوصا، فقد كانت حاضرا بشكل ملفت في الكتاب، ومن الأمثلة على ذلك: " وافتريتم علينا الكذب إذ زعمتم بأنا أوحينا إليكم بشرعة الكفر والقتل والضلال. ألا إنا لا نوحي بقتل عبادنا ولو كانوا كافرين. لكنها شرعة الكفر من وحي شيطان عنيد" (الهدى: 5، 6) وفي موضع آخر: " وزعمتم بأنا قلنا قاتلوا في سبيل الله وحرضوا المؤمنين على القتال وما كان القتال سبيلنا وما كنا لنحرض المؤمنين على القتال إن ذلك إلا تحريض شيطان رجيم لقوم مجرمين"(الموعظة: 2) وفي موضع آخرها: " فلا تطيعوا أمر الشيطان ولا تصدقوه إن قال لكم: كلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم".
بعض النقد الموجه لكتاب الفرقان الحق:
مع ما يدركه الناظر في هذا الكتاب، من الوهلة الأولى، من سيما الضعف وعلامات التهافت فيه، وفيما يدعو إليه، فمن الواجب أن يدرس دراسة شاملة له تأتي على جوانبه المختلفة، كمصدره، وموضوعاته التي يعالجها، ومضمونه الذي يدعو إليه، قياما بالحجة ودفاعا عن كتاب الله، ولكي تستبين سبيل المجرمين.
ويمكن أن تقوم دراسة الكتاب وبيان ما فيه من ضلال على محورين اثنين:
أولهما: النقد العام للكتاب، كالكلام عن مصدره، ونبيه الذي جاء به، ومعارضته لما علم من دين النصارى، ونحو ذلك، مما سأشير إليه قريبا بإذن الله - تعالى -.
ثانيهما: النقد التفصيلي، وهو النقد الذي يوجه إلى الكتاب تفصيلا، وذلك باستعراض الكتاب كاملا، وبيان ما فيه من ضلال على التفصيل، وهذا مما يطول بمثله المقام هنا، ولفضيلة الدكتور صلاح الخالدي كتاب صدر في عام 1426هـ، باسم: الانتصار للقرآن، تهافت فرقان متنبئ الأمريكان أمام حقائق القرآن" اعتنى فيه بهذه الناحية التفصيلية.
وفيما يلي إشارات مختصرة إلى عدد من الجوانب العامة التي يمكن الطعن في الكتاب من خلالها:
* إن أول ما يجب أن يتوجه له في بيان ضلال هذا الكتب، بيان ما في الملة التي يدعو إليها من تهافت وتعارض وتبديل، وهذا مجال واسع وميدان كبير، ولم يزل أهل الإسلام على مر التاريخ يقيمون الحجج والبراهين على ضلال هذه الملة وتبديل أهلها، ولو لم يكن في ذلك إلا نقض أصل عقيدة التثليث، وفكرة الصلب التي تقوم عليها النصرانية المحرفة لكفى.
* ثم إن رد الطعون والشبه التي أثارها هذا الكتاب على الإسلام وشرائعه، جانب آخر، يُؤكد به بطلان ذلك الكتاب وتهافته، وقد سبقت الإشارة إلى أن تلك الشبه قد أثارها المستشرقون قديما وأجاب على أكثرها الدارسون والباحثون.
* يُزعم في هذا الكتاب أنه وحي من الله - تعالى -، نزل على نبي يقال له: الصفي ـ كما تقدم ـ غير أن لا شيء يعرف عن هذا النبي، لا عن سيرته ولا دعوته ولا جهاده، فلا يعرف من هو؟ ولا إلى من ينتمي؟ ولا أين ظهر؟ ولا متى كان ظهوره؟ كل ما هنالك أن هذا الوحي نزل في سبعة أيام كما جاء في الكتاب نفسه: " واصطفيناه وشرحنا صدره للإيمان وجعلنا له عينا تبصر وأذنا تسمع وقلبا يعقل، ولسانا ينطق، وأوحينا إليه بالفرقان الحق، فخطه في سبعة أيام وسبع ليال جليدا" (الشهيد: 2، ص: 360-361) ومبالغة في الإيهام والتلبيس على الناس يقتل هذا " الصفي " على يد أعدائه المسلمين كما جاء في الكتاب "لقد طوعت لكم أنفسكم قتل صفينا شاهدين على أنفسكم بالكفر، أفتقتلون نفسا زكية، وتطمعون برحمتنا وأنتم المجرمون، لا جرم أنكم في الدنيا والآخرة أنتم الأخسرون، وختمتم بدمه آية تكوى بها جباهكم وتشهد عليكم بأنكم كفرة مجرمون، وأنه الصفي الأمين، وأن الفرقان الحق هو كلمتنا وهو الحق اليقين، ولو كره الكافرون " (الشهيد: 7، ص: 363)، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن هذا النبي، الذي خرج وبعث، فلم يسمع به أحد، ثم قتل ولم يدر به بشر، هذا كله في هذا الوقت الذي تقارب فيه العالم، وتطورت فيه وسائل الاتصال وتقنيات التواصل بين البشر، فلو وقعت أدنى الحوادث وأقلهاº لتسامع بها العالم، وتنادى بها البشر.
- حقيقة - هذا الكتاب ومن زعم أنه جاء به مثل الزنيم، لا يعرف له أصل ولا منبت، كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
* وأمر آخر يدل على تناقض من وضع هذا الكتاب مع اعتقاد النصارى، ووجه ذلك: أنا نعلم أن النصارى بملتهم المحرفة لا يؤمنون بنبي يأتي بعد عيسى - عليه السلام -، وإنما يؤمنون بعودته مرة أخرى، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يزعمون في هذا الكتاب الداعي إلى ملتهمº أنه وحي الله النازل على نبي يقال له: "الصفي".
ومما يثير السخرية أن ذات الكتاب يقرر ـ في معرض تكذيبهم لنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه لا نبي بعد عيسى - عليه السلام -، جاء في الكتاب" وما بشرنا بني إسرائيل برسول يأتي من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له نَسخا ولا تبديلا إلى يوم يُبعَثون " (الأنبياء: 16) فكيف يدعي واضعو هذا الكتاب بأنه وحي من الله لنبي يقال له الصفي.
* وفي الوقت الذي يقرر هذا الكتاب أن القرآن الكريم، إنما هو وحي الشياطين ورجسهم، نجده وبشكل فاضح ومخز، يحاكي القرآن الكريم، في ترتيبه، وأسلوبه، وطريقة تأليفه، بل ويقتبس من ألفاظه، وجمله، وتراكيبه ـ وفي الأمثلة التي سقناها من هذا الكتاب ما يدل على هذا ـ بل يصح أن يقال: إن هذا الكتاب تلفيق وتحوير لآيات القرآن الكريم، إذ رأيناه كثيرا ما يقتطع بعض الآيات من القرآن والمعاني فيسوقها يقرر بها باطله، ويحرف فيها ويغير، يدرك هذا من قرأ القرآن الكريم بدون أدنى مشقة، وإذاº فكيف يجوز لوحي الله ـ الذي زعموا ـ أن يحاكي مقلدا وحي الشياطين، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
وإن السبب الحقيقي وراء هذه المحاكاة لأسلوب القرآن الكريم شعورهم الباطني بمدى التميز والإعجاز في القرآن الكريم نظما ومعنى.
* غير أن ما يثير السخرية حقا أن تلك المحاولة لمحاكاة القرآن الكريم ومشابهته، جاءت ركيكة على نحو مخجل، في نظم الكلام وألفاظه، وأساليبه ومعانيه، مع الأخطاء في اللغة والاشتقاق، مما يدل على أن من ألف هذا الكتاب، ليس له معرفة بأساليب العرب وبيانهم، يشعر بذلك أدنى من له تذوق للسان العربي، فضلا عن الضعف المخزي في بلاغة النظم، وبديع البيان، فسبحان من خذل أعداء الله - تعالى -مع ما عندهم من وسائل القوة وأسبابها، ومع ما نعرفه من تمكن نصارى العرب في اللغة، وصدق الله القائل: {قُل لَّئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنٌّ عَلَى أَن يَأتُوا بِمِثلِ هَـذَا القُرآنِ لاَ يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ, ظَهِيراً}.
* ومما يلاحظ في الكتاب، أنه موجه للمسلمين خصوصا، وهذا أمر غريب حقا، فالدعوة فيه إلى النصرانية، لم تستهدف أحدا سوى المسلمين، فلم تخاطب الأمم الوثنية، أو تلك الملحدة، مع أن تلك الأمم ـ بكل حال ـ أشد كفرا بالله - تعالى -وبعدا عن ملته، إذ هي لا تؤمن بالله، ولا كتبه، ولا رسله، ولا ملائكته، ولا اليوم الأخر، فهي أحق أن تدعى، أو على أقل تقدير أن يوجه لهم من الدعوة بقدر ما وجه للمسلمين، وأن يبين ضلال عقائدهم كما فعلوا مع المسلمين.
وأغرب من هذا أن الكتاب وهو موجه لدعوة المسلمين، فإنه يصدر أحكاما نهائية عليهم، بأنهم خاسرون، وأنهم من أهل النار، جاء في الكتاب: " وأوردكم جهنم جميعا وإن منكم إلا واردها وكان عليه أمرا مقضيا..... وطبع الشيطان على قلوبكم وسمعكم وأبصاركم فأنتم قوم لا تفقهون. لا جَرَمَ أنكم في الآخرة أنتم الخاسرون " (المنافقون: 3، 6) فكيف يصح بعد هذا كله أن يكون كتاب دعوة للمسلمين.
* هذا الكتب ليس فيه أي أثارة من تسامح، على ما يزعم النصارى في دينهم، فهو كتاب قائم على البذاءة والشتيمة والوقيعة بفحش وإقذاع، على نحو مبالغ فيه، ينزه عن مثله الوحي الإلهي، ولا تكون مثل هذا البذاءة إلا من السوقة وسفلة الناس، ومن نظر في الكتاب ولو على عجل لن يخطئه هذا الشعور بتلك البذاءات الواردة فيه، فالكتاب يفيض بالبذاءات في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهو ـ في زعمهم ـ كافر ومنافق وضال، وسارق وقاتل، ومرجعه النار، وأتباعه منافقون كفرة ضالون، قتلة، ومصيرهم النار، جاء في هذا الكتاب وهو يصف شريعة المسلمين: " فشرعة أهل الكفر شرعة قومٍ, حفاة، عراة، غزاة، زناة، أميين مفترين ومعتدين ضالين ظالمين" (سورة الجنة 14-266)، وأما الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين كما في القرآن الكريم فقد وصفها بالآتي: "فهم في كهوف تعج بالقتلة والكفرة والزناة يتمرغون في حمأة الفجور، تلفحهم زفرات الغرائز، وتسوطهم شهوة البهائم، فهم في الرجس والموبقات غارقون وفي شغل فاكهون، متكئون على سرر مصفوفة، والمسافحات مسجورات في المواخر يطوف عليهم ولدان اللواط بأكواب الرجس والخمر الحرام، يلغُون فيها، فلا هم يطفئون أوارهم ولا هم يرتوون" (الجنة 3، 4-262-263) فهل يجوز أن تكون هذه البذاءات والفحش في الكلام وحيا إلهيا يخاطب الناس ويدعوهم إلى الإيمان والهدى، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
* وفضلا عن هذا فالكتاب المزعوم يسلب عن محمد - صلى الله عليه وسلم - ودينه وأتباعه، أي أثارة من حق، وأي بقية من خير، وهذا ليس من العدل والإنصاف الذي هو من صفة الوحي الإلهي، القائم على العدل حتى مع كفار المشركين وأهل الكتاب، ومن المقطوع به أن عقلاء العالم على مر التاريخ ـ مهما كانت درجة مخالفتهم للإسلام ـ لم يزالوا يعرفون للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضله وفضل شرائعه التي جاء بها، ومنكر هذا كمن يحجب الشمس بيده، لقد زُعم في هذا الكتاب أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم تكن له أي حسنة ولم يدع إلى أي فضيلة وبر وعدل وإنصاف، وهذه كذبة كبرى لا يجرؤ عليها حتى الشيطان الرجيم، ذلك أننا نعلم يقينا أن كثيرا من الفضائل التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتضمنها القرآن الكريم مما تتفق عليه الملل الإلهية جميعا، ومنها النصرانية على ما فيها من تحريف
وفي هذا السياق قارن ذلك بما تضمنه القرآن الكريم من عدل مع أهل الكتاب والملل السابقة، ففرق بين الحق والباطل، وذكر الذي لهم من الحق، الذي لا تحملنا مخالفتهم لنا على جحده، وتكذيبه، وهاك مثالا على ذلك يقول- تعالى -: (لَيسُوا سَوَاء مِّن أَهلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيلِ وَهُم يَسجُدُونَ يُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ وَأُولَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَمَا يَفعَلُوا مِن خَيرٍ, فَلَن يُكفَرُوهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ) (سورة آل عمران: 113، 114)
الواجب تجاه هذا الكتاب وأمثاله:
إن هذا الكتاب وما يرمي إليه من أطماع، لا يستهدف فئة بعينها، ولا يوجه إلى دولة دون أخرى، إنه استهداف للإسلام باعتباره دين مليار مسلم، وللمسلمين باعتبارهم أمة تميزت بهويتها وملتها، وهذا الاستهداف العام يجعل المسؤولية عامة للأمة جميعها، كل بحسبه:
فعلى مستوى الدول، يجب أن يعلم قادة المسلمينº أن أهل الصليب هم الأعداء، ما بقي إيمان وكفر، ولن يرضوا بأقل من أن نكون شعوبا مغلوبة على أمرها، مستذلة لهم، مأسورة لسلطانهم، ولن يألوا ـ ما وسعهم ـ أن يبقونا على ما نحن فيه من تخلف وبعد عن التأثير في العالم، فليتقوا الله وليكونوا في مستوى الأمانة والمسؤولية، ولا تكن دنياهم أعظم عندهم من دينهم.
وعلى مستوى العلماء وأهل الرأي وقادة الفكر، فالمسؤولية عظيمة، في الوقوف سدا منيعا، أمام هذه المشاريع الصليبية، ببيان الحق والدعوة إليه، وكشف الباطل والتحذير منه، وهنا لا بد من إنشاء المراكز العلمية المختصة التي ترصد حراك أعداء الإسلام، وتحذر الأمة منهم وتكشف خططهم ووسائلهم.
وعلى مستوى الأفراد وعامة الأمة، يجب عليهم من الدفاع عن الإسلام والتحذير من خطط الأعداء بحسب جهدهم وقدرتهم، وما يبلغه علمهم.
ومما يجب أن يُعلم يقينا أن الخطورة ـ في حقيقة الأمر ـ ليست من أمثال هذا الكتاب المتهافت المبطل، وإنما الخشية كلها فيما تخطط له الدوائر الصليبية وترمي إليه من خلال هذه المشاريع وأمثالها، ونحن نعلم مدى تأثير تلك الدوائر الصليبية على القرار في العالم الإسلامي، سياسيا وإعلاميا، بل حتى على الصعيد التعليمي، فجيب أن تتضافر جهود أهل الإسلام عموما لصد غارات المبطلين، وفضح أهدافهم، وهتك أستارهم.
وبعد، فالله - تعالى - قد تكفل بحفظ كتابه، ورد كيد المفسدين، وانتحال المبطلين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نسأل الله - تعالى - أن ينصر دينه وكتابه وسنت نبيه وعباده الصالحين، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد