بسم الله الرحمن الرحيم
أنقل لكم من كتاب الأستاذ أنور الجندي - رحمه الله -: " الإسلام والثقافة العربية " (ص 196-198) - شيئًا عن " لورنس " الإنجليزي الماكر الذي استطاع خديعة " طوال الشوارب "! من القوميين العرب، وسخرهم لخدمة بلاده. ولا تعجب فإذا ما نُحي الإسلام وأحكامه عن قضايا المسلمين، أصبحوا - وإن ادعى بعضهم الفهم - كمن يمشي مُكبًا على وجهه، يتلاعب به أعداؤه، (ومن يُهن الله فما له من مُكرم)، وفي نقل التاريخ عبرة لكي لا نُلدغ مرة ثانية بأسلوب مُشابه.
لورنس.. الأعمدة السبعة
إن الجانب الذي يهمنا من دراسة هذا المغامر البريطاني في هذا المجال هو كتاباته عن العرب في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) فقد كشف في كتابه عن حقد وكراهية للعرب والمسلمين ولتاريخهم، وحاول التقليل من شأنهم ورميهم بالجهل والتخلف. فضلاً عن مغالطاته المتعددة وأخطائه التاريخية.
وأبرز ما يؤكد ذلك قوله بالنص:
" لقد كنت أعلم أننا إذا كسبنا الحرب فإن عهودنا للعرب ستصبح (أوراقا ميتة) غير أن الاندفاع العربي كان وسيلتنا الرئيسية في كسب الحرب الشرقية، وعلى ذلك فقد أكدت لهم أن بريطانيا سوف تحافظ على عهودها نصاً روحاً فاطمأنوا إلى هذا القول وقاموا بالكثير من الأعمال المدهشة، ولكني في الواقع بدلاً من أن أشعر بالفخر لهذا الذي فعلته، كنت أشعر دائماً بنوع من المرارة والخجل، لقد ذهبت إلى الصحراء غربياً لا أملك أن أفكر على طريقة أهلها ولا أن أشاركهم معتقداتهم، ولكنه كان علي أن أقود العرب وأن استخدم حركتهم إلى أقصى حد لصالح بريطانيا في الحرب وإذا لم أكن أقدر على التطبع بطباعهم فعلى على الأقل أن أخفي ما عندي وأن أتسلل بنفوذي بينهم، إن الرجل إذا ألقت به الظروف إلى من لا يماثلونه عاش بينهم ولا ضمير له، لأنه قد يعمل ضد صالحهم أو يستميلهم إلى غير ما يحبون لأنفسهم، وهو يتحايل بدهائه لتغلب دهاءهم، وهكذا كنت مع العرب، كنت أقلد أحوالهم فيقلدونني حكاية واقتداء، وكنت أخرج على مألوفي وأتظاهر بمألوفهم.
لقد كان بعض الإنجليز وعلى رأسهم كتشنر يعتقدون أن ثورة يقوم بها العرب على الأتراك تساعد انكلترا وهي تحارب ألمانيا على دحر خليفتها تركيا، إنني لم أبلغ درجة من الحمق تجعلني لا أدرك أنه لو قضي للخلفاء أن ينتصروا وأننا لو كسبنا الحرب فإن هذه الوعود سوف تكون حبراً على ورق، ولو كنت مناصحاً شريفاً للعرب لنصحتهم بالعود إلى بيوتهم وسرحت جيشهم وجنبتهم التضحية بأرواحهم ودعوتهم إلى عدم المخاطرة بحياتهم في مثل هذه الحرب، أما الشرف فقد فقدته يوم أن أكدت للعرب بأن بريطانيا ستحافظ على وعدها.
لقد كان قواد الحركة العربية يفهمون السياسية الخارجية فهماً عشائرياً بدوياً، وكانت طبيعة قلبهم وصفاء نيتهم وانعزالهم عن العالم الغربي تخفي عليهم ملتويات السياسة وأخطاءها وتشجع البريطانيين والفرنسيين على القيام بمناورات جريئة يعتمدون في نجاحها على سذاجة العرب وضعفهم وبساطة قلوبهم، وكانت لهم بساطة في التفكير وثقة في العدو.
إنني أكثر ما أكون فخراً إن الدم الإنجليزي لم يسفك في المعارك الثلاثين التي خضتها لأن جميع الأقطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت إنجليزي واحد، لقد جازفت بخديعة العرب لاعتقادي أن مساعدتهم كانت ضرورية لانتصارنا القليل الثمن في الشرق، ولاعتقادي أن كسبنا للحرب مع الحنث بوعودنا أفضل من عدم الانتصار". اهـ.
وأعتقد أن هذه النصوص كافية لكي تكشف حقيقة لورنس والدور الذي قام به في العالم العربي، وآية خداع لورنس وتآمره على العرب ما سجله (وايزمان) في كتابه "التجربة والخطأ" قوله: وأود أن أعلن في هذا المجال تقديري للخدمات الجليلة التي أسداها لقضيتنا الكولونيل لورنس، لقد اجتمعت به في مصر وفلسطين، وقابلته فيما بعد مقابلات عدة، إن علاقته بالصهيونية علاقة إيجابية على الرغم من تظاهره بالميل للعرب.
وقد ظل اسم لورنس يدوي مصوراً تلك المغامرة السحرية الجريئة التي قام بها والعمل البطولي الذي وصف من أجله بأنه سلطان الصحراء العربية وملك العرب غير المتوج حتى توفي في 19 مايو 1935.
ثم ظهرت بعد ذلك كتابات كشفت وجهه الحقيقيº كتبها أمثال ريتشارد الدنجتون في كتابه "لورنس الدجال" وجان بيروقيلار الكاتب الفرنسي، ولويل توماس، وروبرت جرنقر، وليدل هارت، فكشفوا عن حقيقته وأظهروا مئات المغالطات التي ملأ بها كتابه، وعزوا سر اندفاعه ومحبته للظهور إلى سبب باطني، ذلك أنه كان ابنا غير شرعي لأمه، ووصفوه بأنه كان متحمساً للقضاء على الإمبراطورية العثمانية لتأكيد سطوة الاستعمار البريطاني وحده، وأن ما ادعاه من محبته للعرب ومقابلته للملك البريطاني مع فيصل بالعباءة والعقال العربي ورفضه قبول الوسام إنما كان هذا كله تغطيةً لمواقفه، وبلوغا بالمسرحية إلى غايتها.
وقد دحض ريتشارد الدنجتون في كتابه هذه الأسطورة البطولية، ليحل محلها إنسان مليء بالعقد والشذوذ، وعنده أن لورنس هو الذي عمل على اجتماع فيصل وحايم وايزمان في باريس 1919 وهو الذي كتب الاتفاقية التي وقعها كليهما، وكان لورنس يُطلق على الثورة العربية (تقطيع أوصال الدولة العثمانية)!! وهدفه إيقاع الخلاف وتعميقه بين العرب والترك.
وقد عرف أن لورنس لم يصل إبان الحرب العالمية مصادفة، ولكن العمل الذي قام به كان قد بدأ ربيع 1914 عندما وصل إلى الشرق، متخذا من (فن البناء العسكري الصليبي) موضوعاً لدراسته، وكان قبل ذلك ملتحقاً ببعثة أوفدت إلى وادي الفرات للبحث عن الآثار، وهكذا كانت خطته في دراسة الصحراء تختفي وراء عمل علمي بحت، هو دراسة البادية والمدن العربية والإلمام بطبائع سكان الأصقاع من مدن وحضر، والإلمام باللهجات التي يتكلمون بها والوقوف على عاداتهم، ثم استخدمه الإنجليز في ديوان الاستخبارات بعد ذلك حتى وصل جدة 1916 واتصل بفيصل وعمل معه).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد