بسم الله الرحمن الرحيم
هناك متغيرات سريعة سترسم ملامح العلاقة بين العراق والكيان الصهيوني في ظل الاحتلال الراهن للعراق، خاصة على صعيد العلاقات الدينية والتاريخية، والجوانب الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الميدان السياسي..هذا ما استخلصه الباحث العراقي الاستراتيجي حميد فاضل حسن في دراسة أعدها تحت عنوان (الرؤية الإسرائيلية للعراق في ظل المتغيرات الجديدة) في مركز الدراسات الفلسطينية بجامعة بغداد.
يرى الباحث أن مفهوم أرض (إسرائيل) الذي تتبناه الحركة الصهيونية يشمل أيضاً العراق في المنطقة الممتدة من البصرة في جنوب العراق مروراً بمناطق الفرات الأوسط وصعوداً إلى مناطق الفرات الأعلى حتى الحدود السورية.مشيراً إلى أن التغيرات الأخيرة في العراق قد تكون عاملاً مساعداً في اتجاه تحقيق شعار أرض (إسرائيل) التوارتية (المحرفة)، فالوجود الأمريكي سيمكِّن اليهود من اختراق العراق، وبالتالي السيطرة على الفرات، ليست السيطرة العسكرية أو السياسية فحسب، وإنما السيطرة البشرية والسيطرة الاقتصادية، حيث يتحول الشعار من (إسرائيل) الكبرى جغرافياً إلى (إسرائيل) العظمى اقتصادياً على حد تحذيره.
فقد أحدث الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق وما ترتب عليه من نتائج، جملة من المتغيرات الاقتصادية بخصوص علاقات العراق الاقتصادية الدولية، وبشكل خاص العلاقة مع الكيان الصهيوني. جاءت أبرز هذه التغيرات في شكل إحياء لمشروع السوق شرق الأوسطية، باعتباره أحد الترتيبات المتفرعة عن النظام الإقليمي الجديد، الذي طرحته تل أبيب بعد انطلاق عملية التسوية السلمية، ابتداء من مؤتمر مدريد عام 1991م. وهو نظام يقوم على ربط شرايين الحياة الاقتصادية العربية بالاقتصاد الصهيوني، وينهض المنطق الصهيوني من هذا الصدد على مقولة مؤداها أن تنمية شبكة واسعة ومتنامية من العلاقات القوية بين الاقتصاد الصهيوني والاقتصادات العربيةº من شأنه أن يجعل كلفة الانفصال عالية جداً بالنسبة للأطراف العربية التي تود الانسحاب أو الفكاك من أسر تلك الترتيبات الإقليمية الجديدة.
وفي إطار هذه الترتيباتº يدخل العراق طرفاً مهماً في المعادلة التي يأمل الجانب الصهيوني أن تحكم (الشرق الأوسط الجديد)، والتي تشتمل بنظر شيمون بيريز على العناصر التالية: الأموال الخليجية، الأيدي العاملة المصرية، المياه التركية والسورية والعراقية، مضافاً إليها العقول والخبرة الإسرائيلية.. !!
وإذا كان إنجاح التسوية السياسية في نسختها الإسرائيلية هو الأداة الأساسية للوصول إلى إقرار هذا النظام، فإنّه علاوة على التطورات على الصعيد الفلسطيني، جاء تعثر المفاوضات على المحور السوري ليحول دون تنفيذه، وذلك لأن ركناً أساسياً من المعادلة أصبح خارجها وهو المياه.. فبدون سوريا والعراق يصبح مشرع أنابيب السلام التركية الذي يُعد أحد أهم مستلزمات المشروع، غير ذي جدوى. وهكذا أرجئ تنفيذ مشروع السوق شرق الأوسطية بانتظار حدوث (تغييرات جذرية) تساعد على إعادة طرحه، ويبدو أن احتلال العراق، كان المناسبة التي ينتظرها الكيان الصهيوني، فوقوع العراق تحت السيطرة الأمريكية أضعف سوريا كثيراً، لأنها فقدت عمقها الاستراتيجي، بالإضافة إلى أنها أصبحت وحيدة بين المطرقة الإسرائيلية، والسندان الأمريكي. ولهذا يحذر الباحث حميد حسن في دراسته من أن تجد سوريا نفسها مضطرة إلى الدخول في مفاوضات غير متكافئة مع الكيان الصهيوني، سوف ينتج عنها بدون شك مزيداً من التنازلات العربية. ومن بين المشروعات الاقتصادية المهمة تتحدث الأوساط الإسرائيلية عمّا تسميه (مشروعات تعاونية بين الكيان الصهيوني والعراق) في مجال تصدير النفط، إذ يحاول الكيان الصهيوني إعادة تصدير النفط العراقي عبر فلسطين المحتلة، وذلك عن طريق ضخ النفط من حقول كركوك إلى ميناء حيفا على الساحل الفلسطيني على البحر الأبيض المتوسط مروراً بالأراضي الأردنية. ويسعى الكيان الصهيوني إلى الترويج لهذا المشروع من خلال الإشارة إلى التكلفة الاقتصادية المنخفضة لنقل النفط عبر هذه الأنابيب، قياساً على الوسائل الأخرى، فعلى سبيل المثال تشير مصادر صهيونية إلى أن رسوم تصدير طن واحد من النفط إلى غرب أوروبا عن طريق قناة السويس تبلغ نحو 18 دولاراً أمريكياً، بينما إذا تم النقل بواسطة أنابيب تمر عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، وتصب في موانئ حيفا وأشدود، فإن الترتيب الجديد سوف ينتج عنه توفير من ست إلى ثلاث دولارات للطن الواحد.
وعلى صعيد العلاقات الدينية والتاريخية يأمل الجانب الصهيوني في أن يجدل له موطئ قدم على الأرض العراقية تحت ستار (السياحة الدينية) لتحول العراق إلى قبلة للزائرين اليهود، بذريعة احتوائه عدداً كبيراً من المواقع الدينية والتاريخية التي يعتقد اليهود بقدسيتها وأهميته. وأشهر هذه المواقع، قبر عزرا الكاهن أو العزير، ومدفن النبي حزقيال أو (ذو الكفل)، ومرقد يوشع كوهين كاوول، ومرقد الشيخ إسحاق القاووتي، وقبر ناحوم الألقوشي... !! ويبدو أن الظروف الجديدة التي ترتبت على الاحتلال الأمريكي للعراق قد شجعت الكيان الصهيوني على طرح الشعار الذي يراه ملائماً لهذه المرحلة ألا وهو شعار التفتيت، وهذا ما حذر منه مؤخراً وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، فالمخططون الإستراتيجيون الصهاينة يرون أن الواقع العربي عموماً والعراقي خصوصاً تتنازعه الانقسامات الطائفية بالدرجة الأولى، وانطلاقاً من هذا الواقع، فإن على الكيان الصهيوني العمل بكل طاقاته العسكرية والسياسية على إنهاء الدول العربية وتجزئتها إلى دويلات طائفية لا حول لها ولا قوة، تدور في فلك المشروع الإسرائيلي... !!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد