العنف لدى الجماعات الإسلامية


بسم الله الرحمن الرحيم

 

تحاول الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جورج بوش، إلصاق صفة العنف والإرهاب بالمنظمات الإسلامية، فاللجان الفرعية في مجلس الشيوخ الأمريكي في تقاريرها للمجلس تزعم أن المنظمات الإسلامية أو الأصوليين الإسلاميين لهم شبكة ضخمة من النشطاء عبر الدول، تمتد من القاهرة والخرطوم حتى بروكلين، ومن غزة إلى واشنطن، كما أعلن إمرسون في المجلة الشهرية "وول ستريت جورنال"، أن الأصوليين الإسلاميين يستخدمون مساجدهم وزعماءهم ليكونوا نواة للإرهاب.

لقد قيل ذلك فور الإعلان عن الانفجار المروع يوم 20-4-1999م في مبنى أوكلاهوما سيتي، وربطوا بين الانفجار وبين الإسلام نفسه، وأعلنوا ذلك في الصحف ومحطات التلفاز، ولكن شرطي المرور تشارلز هانفر أثناء دوريته على الطريق السريع الممتد إلى شمال منطقة الانفجار أوقف سائقاً اسمه ماك فاي، فلم يجد لديه رخصة قيادة، واكتشف سلاحاً مخبأً في سيارته، وكانت هذه هي الخطوة الأولى لاكتشاف الجاني الحقيقي للتفجيرات، وبراءة المسلمين من ذلك، وقد نشرت ذلك صحيفة "القبس" الكويتية يوم 8-9-2001م.

وبعد الاعتداءات التي وقعت في منهاتن يوم 11-9-2001م، واتهمت فيها الإدارة الأمريكية تنظيم القاعدة برئاسة أسامة بن لادن، قامت هذه الإدارة بالتخطيط لإعادة تنظيم خريطة البلاد العربية والإسلامية، بما يضمن الهيمنة الأمريكية والصهيونية، فاحتلت أفغانستان وأنشأت فيها قواعد عسكرية، ثم احتلت بعد ذلك العراق، وهي تبني فيه حتى اليوم قواعد عسكرية تمهيداً لأن تتولى الحكم حكومة عراقية تابعة لهذه الإدارة، وتكون مستعدة لتوقيع اتفاقية تعطي أمريكا الحق في استمرار هذه القواعد وفي الحصول على البترول بالثمن الذي تريده.

ولقد اتخذت الإدارة الأمريكية لها حلفاء من العرب والمسلمين يساندونها فيما تسميه الحرب على الإرهاب، وهي حرب تصنف المقاومة للاحتلال الأمريكي والصهيوني ضمن المنظمات الإرهابية، رغم أن قرار الأمم المتحدة رقم 3314 لعام 1974م، اعتبر احتلال الأقاليم عملاً عدوانياً، ومن ثمَّ فإن مقاومة ذلك من الأعمال المشروعة وليست إرهاباً، بل إن قرار الأمم المتحدة 3034 لسنة 1972م نص في البند الثالث على حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في النضال للتحرر من هذا الاحتلال.

لهذا، فإن ما تقوم به أمريكا من إضفاء الشرعية على جرائم الكيان الصهيوني ومن وصم مقاومة الاحتلال بالإرهاب هو من أكبر الأدلة على انتهاك الشرعية الدولية.

 

السمة الغالبة للجماعات الإسلامية

والإدارة الأمريكية لا تجهل أن السمة الغالبة للجماعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي هي الدعوة إلى الإسلام والقيم الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة، ومع هذا، تساند الإدارة الأمريكية الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية لقمع هذه الجماعات، وإلصاق التهم الكاذبة بها، وفتح السجون والمعتقلات باستمرار لها، الأمر الذي أدى إلى ظهور بعض الجماعات القليلة العدد لتمارس العنف في مواجهة هذه الاعتداءات مما خلق عداءً بينها وبين الكثير من الأنظمة والسلطات، تجاوز فيه بعض الأنظمة القوانين وقواعد العدالة، كما تجاوزت فيه بعض هذه الجماعات قواعد الإسلام، فاعتدت على المسالمين والمدنيين.

وقد استغلت الإدارة الأمريكية هذا في مساندة كل من يعتدي على الجماعات الإسلامية المسالمة. وللأسف الشديد، فإن بعض الشيوعيين الذين كانوا يملأون الدنيا صياحاً ضد الإمبريالية الأمريكية، أصبحوا أبواقاً لخدمة أهداف الإدارة الأمريكية ضد التيار الإسلامي، فوصموا التيار المعتدل والذي يمثل الغالبية الساحقة من الجماعات الإسلامية بالعنف والإرهاب.

وليس أدل على كذب هؤلاء من أن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام نشر تقريراً عن الحالة الدينية في مصر سنة 1995م ورد به أن تيار العنف ليس له أي علاقة بالجماعات الإسلامية المعتدلة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وحصر التقرير العنف في أفراد في الجماعة الإسلامية الذي أرجع تاريخ نشأتها لعام 1958م بمعرفة نبيل البرعي، الذي انضم إليه أيمن الظواهري وآخرون، كما حصرت العنف أيضاً في جماعة الجهاد.

ونظراً لأن الإسلام قد حرَّم الغلو والتطرف والعنف، فإنه بعد ربع قرن من هذا العنف الذي ظهر على يد هذه الفئة القليلة، عدلت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد عن هذا العنف، وأصدروا بيانات بإدانتهم وإدانة العنف الذي ارتكبوه، ثم أصدروا أربعة كتب في يناير 2002م، بعنوان: "المبادرة السلمية لوقف العنف"، وهذه الكتب عن القادة التاريخيين لزعماء العنف، وقد تضمنت هذه الكتب أن أمريكا وإسرائيل المستفيد الأول من هذا العنف، وتضمنت الكتب الأدلة الشرعية على عدم جواز العنف.

ولقد شذَّ الدكتور أيمن الظواهري عن جماعته، ورفض مبادرتهم هذه، ومازال يحبذ استخدام القوة المسلحة داخل المجتمعات العربية والإسلامية، لكن القاصي والداني والصغير والكبير من المسلمين يعلم أن هذا فكر شاذ ولن يكون له بقاء في المستقبل.

 

إزالة شبهات ومغالطات

لا يجادل منصف في أن الجماعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي لم تستخدم العنف إلا في مواجهة الاحتلال الأجنبي الذي مارسته الدول الغربية.

وقد انفردت الحركة الوطنية في مصر بتصفية أعوان هذا الاحتلال، لكن خصوم الحركة الإسلامية يغالطون ويستدلون على هذا بنسبة العنف إلى التيار المعتدل، فزعم البعض أن جماعات العنف خرجت من عباءة الإخوان المسلمين.

وهو قول بعض الشيوعيين، وقد كذَّب ذلك الخبراء والوزراء المختصون في مصر، فعلى سبيل المثال:

1 تقرير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام المنشور عام 1995م، ورد به في ص 182 184 أن جماعات العنف وهم جماعة الجهاد، والجماعة الإسلامية يرجع تكوينهم إلى عام 1958م، وكان الإخوان المسلمون بالسجون ومنهم سيد قطب، الذي لم يكن قد وضع كتابه "معالم على الطريق" الذي نشر سنة 1964م.

2 نشرت صحيفة "الأهرام" يوم 14-8-1995م، حديث وزير الداخلية السابق اللواء حسن الألفي، وجاء فيه: أنه لا توجد صلة بين الإخوان المسلمين وجماعات العنف، والإخوان لا يستخدمون العنف ولا يلجؤون إليه.

3 نشرت صحيفة "الأنباء" الكويتية يوم 14-12-1995م، تحقيقاً صحفياً عن العنف الديني، وجاء به قول وزيري الداخلية الأسبقين اللواء النبوي إسماعيل واللواء حسن أبوباشا، أن الإخوان المسلمين يمثلون الجناح المعتدل في الجماعات الإسلامية، وأن تشكيل الجناح العسكري قبل الثورة كان بسبب الاحتلال البريطاني، وهذا ليس خاصاً بالإخوان المسلمين وحدهم، فالأحزاب كان لها منظمات عسكرية، فحزب الوفد شكل "القمصان الزرق"، وحزب مصر الفتاة شكل "القمصان الخضر".

4 كتب الدكتور سعد الدين إبراهيم في مجلة "المنار الجديد" عدد أكتوبر 2003 أن الاغتيالات السياسية لحكام ومسئولين في تلك الفترة بمثابة حكم وطني.

وقد دلل على ذلك باعتراف الشيخ محمد عبده الوارد في كتابه "تاريخ عرابي" ص 354، حيث كتب أن الشيخ جمال الدين الأفغاني اقترح عليه أن يقتل حاكم مصر الخديوي إسماعيل، كما نقل عن جمال عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة" ص 33، 35 أن الاغتيالات السياسية توهَّجت في خياله على أنها العمل الإيجابي لإنقاذ مستقبل الوطن، و"فكرت في اغتيال كثيرين وجدت أنهم العقبات التي تقف بين وطننا وبين مستقبله، كنا نسير بالظلام، ونرص المسدسات بجوار القنابل، وكانت طلقات الرصاص هي الأمل الذي نحلم به، وقمنا بمحاولات كثيرة في هذا الاتجاه، واخترنا واحداً ليزول من الطريق، ووضعنا الخطة والتفاصيل، وفي الليلة الموعودة خرجت بنفسي مع جماعات التنفيذ، وأقبل الشخص الذي يجب أن يزول، وانطلق نحوه الرصاص، وانسحبت فرقة القنص، وأدرت محرك سيارتي وانطلقت أغادر المكان الذي شهد عملنا الإيجابي".

كما استدل الدكتور سعد الدين إبراهيم بأقوال أنور السادات، في كتابه "البحث عن الذات" ص 70 و71 أنه قام بتكوين جمعية سرية في سبتمبر 1945، و"تعرفت على شاب اسمه حسين توفيق، كان يمارس قتل الإنجليز، وربما كان هذا العمل مجرد تدريب، لكن المهم أن نتخلص ممن كانوا يساندون الإنجليز في ذلك الوقت، وعلى رأسهم في نظرنا مصطفى النحاس باشا، الذي فرضه الإنجليز بقوة السلاح في 4-2-1942م.

وفي يوم 6-9-1945م تولت الجمعية السرية عن طريق حسين توفيق إلقاء قنبلة على موكب النحاس، وبعد انفجارها تبين أن سائقه كان يتفادى عربة الترام، فانحرف عن الطريق خارج منطقة الانفجار، ونجا النحاس باشا.

فما كان من هذه المجموعة إلا أن قررت التخلص من وزير المالية أمين عثمان، لأنه قد صرح للصحف أن مصر قد تزوجت بريطانيا زواجاً كاثوليكياً، وهذا يعني أبدية الاحتلال البريطاني".

لهذا فما نسب إلى بعض الأطراف في الجهاز الخاص للإخوان المسلمين والمسمى "بالتنظيم السري"، والذي كوَّنه الشيخ حسن البنا لمقاومة الاحتلال البريطاني لمصر، ومساعدة الفلسطينيين في التخلص من سيطرة اليهود. ما نسب إليهم من اغتيالات لبعض الأفراد يدخل ضمن هذا الاتجاه الوطني العام في مصر للتخلص من الاستعمار وأعوانه من المصريين، ومن هذا القبيل، اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، حيث أذعن للإنجليز واليهود، ووقع هدنة رودس التي أوقفت الحرب في فلسطين ضد اليهود، ليستعدوا بعد أن هُزموا، فضلاً عن أنه أمر بفتح الكوبري على الطلبة، فأغرق الكثييرين منهم وأمر بالقبض على المجاهدين من الإخوان في فلسطين وترحيلهم إلى معتقل الهايكستب.

وأما حادث المنشية المنسوب إلى الإخوان لمحاولة اغتيال عبد الناصر، فإن اللواء حسن التهامي نائب رئيس الجمهورية الأسبق نشر في 16-4-1989م في "الأنباء" الكويتية والأهرام المصرية أن هذا الحادث دبره جمال عبد الناصر بالتخطيط مع المخابرات الأمريكية، للتخلص من الإخوان المسلمين.

والتاريخ الذي سجله الدكتور سعد الدين إبراهيم يمثل المفاهيم والمعتقدات التي كانت سائدة لدى الشعوب العربية لمقاومة الاحتلال الأجنبي وأعوانه من المواطنين.

وقد سجل هذا المؤرخون الأوروبيون، ففي كتاب "النزعات الأصولية" للبروفيسور كارين أرمسترونج الصادر عام 2005م عن دار الكلمة في سورية كتب في الصفحة 246 "بعد أن أقال الملك فاروق بطلب من الإنجليز الحكومة المصرية الموالية للألمان وعين مصطفى النحاس رئيساً للوزراء ساد في القاهرة جو من اليأس والعنف، واعتقد البعض أن العنف هو السبيل الوحيد للتخلص من الاستعمار وأعوانه، فأنشأ أنور السادات جمعية لقتل البريطانيين والمصريين الموالين لهم، واتبعت جماعات برلمانية منهج العنف كطريق وحيد، فنشأ تنظيم "القمصان الزرقاء" المرتبط بالوفد وتنظيم "القمصان الخضراء" المرتبط بالقصر، وكان لابد أن يكون للإخوان المسلمين تنظيم مماثل فكان النظام الخاص المسمى ب (الجهاز السري)".

ولقد غاب عن أرمسترونج أن حزب مصر الفتاة برئاسة أحمد حسين كان له أيضاً تنظيم مسلح، وهاجم بعض الأماكن التي يرتادها الإنجليز وأعوانهم، كما هاجم بعض حانات الخمر.

وقد انتهى هذا العنف برحيل الاحتلال عن مصر والبلاد العربية، وبالتالي فمن الافتراء على الوطنيين وعلى التاريخ اعتبار هذه الفترة منهجاً دائماً للأحزاب الوطنية أو الإسلامية.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply