مبادرة كارتر أسلوب جديد للتنصير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 يبدو أن مشاغل جيمي كارتر هذه الأيام أكثر بمرات عديدة منها أيام فترته الرئاسية لأمريكا.

هذه حقيقة مع فارق بسيط.

فمع كثرة المشاغل والمتاعب إلا أنه وزوجته روزالين يجدان متعة عظيمة فيما يقومان به، لأنهما - كما يقول - يؤديان ما يؤمنان به وقد نذر بقية عمره لأجله، فالتنصير أو ما يسمى تدليساً التبشير هو الهدف الرئيس الذي أنشأ من أجله مركز كارتر في أتلانتا بولاية جورجيا.

هذا المركز والذي لاقت أعماله نجاحاً ودعماً كبيراً من جمعيات التنصير العالمية، تكون ابتداءً من قسم واحد يعمل من أجل السلام في العالم!، يتفرع اليوم إلى أقسام عديدةº أهمها مركز كارتر للديموقراطية (CCD)، وشبكة كارتر الدولية للتفاوض (CINN).

 لقد استفاد المنصرون من تجاربهم والتي عانت من الفشل مرات كثيرة خاصة في بلاد المسلمين فتغيرت بعض أساليبهم وبشكل ملحوظ خلال العقد الماضي.

فلم يعد التنصير اليوم حكراً على القسس والرهبان بل أصبح المنصر مهندساً أو طبيباً أو قائداً لثوار ورئيساً سابقاً لدولة عظمى داعية للديموقراطية والسلام! ؟ ويدعي كارتر أن شبكة التفاوض الدولية التابعة لمركزه تتابع أكثر من 104 نزاعات في العالم، صنفت اثنتان وثلاثون منها على أنها حروب كبيرة بعد أن سقط فيها أكثر من 1000 قتيل.

تقع ثمانية من هذه الحروب الكبيرة في أفريقياº القارة الأقرب إلى قلب كارتر والتي سعى ويسعى فيها لدعم المسيحيين في القرن الإفريقي، والذين يشكلون أقليات في كل دول المنطقة حتى في أثيوبيا خلافاً لما يعتقده كثيرون.

 ويعرف من يتابع مجريات الأحداث في شرق أفريقيا والاجتماعات التي عقدت خلال الأعوام الماضية في أتلانتا ونيروبي وأديس أبابا، أن تبني كارتر لجورج قرنق في جنوب السودان وجبهة أسياس أفورقي النصراني في أرتيريا إنما كان لينفصل الأول عن السودان وتندمج الثانية بشكل نهائي في أثيوبيا كخطوة نحو إيجاد دولة أو كيان يضم كل المسيحيين في القرن الأفريقي، تحقيقاً لحلم يراود النصارى منذ زمن بعيد، حيث لم يفتأوا يصرون على أن المنطقة كانت ويجب أن تظل مسيحية.

 وضمن جهود كارتر المتواصلة للتغلغل في المنطقة، زار خلال شهر تشرين الثاني الماضي زامبيا للإشراف على سير الانتخابات الرئاسية الأخيرة فيها وذلك في إطار برنامج مركزه للديموقراطية المذكور سالفاً.

هناك أطلق كارتر - وفي بعض الدول الأخرى التي زارها - مجموعة من النداءات أراد لها أن تكون مبادرة تستهدف إنهاء النزاعات في القارة وتساهم في حل مشاكلها الصحية والاقتصادية.

ونستعرض فيما يلي طرفاً مما قام به في رحلته هذه إضافة إلى مراقبة الانتخابات في زامبيا:  * قضى عطلة نهاية الأسبوع السابقة للانتخابات في محادثات مع طرفي النزاع في ليبيرياº الرئيس الانتقالي آموس سوير، وقائد المتمردين تشارلس تايلرº في لاغوس، العاصمة النيجيرية، حيث التقى بالرئيس إبراهيم بابنجيدا من أجل الجلسة القادمة في سلسلة لقاءات سوير وتايلور والتي تعقد في باموس سكرو تحت إشراف الحكومة النيجيرية من أجل حل سلمي للنزاع الدامي الذي شغل ليبيريا لأكثر من 22 شهراً.

وبدا كارتر متعاطفاً مع زعيم المتمردين في تصريحاته التي ذكر فيها أن تايلر أصبح أكثر استعداداً للسلام والديموقراطية [1].

كما تعهد كارتر بمساعدات سيقدمها مركزه لإقامة انتخابات خلال العام المقبل في حالة حصول اتفاق بين الطرفين وإنهاء تقسيم ليبيريا.

وجدير بالذكر أن الجبهة الوطنية الليبيرية قد أثارت فتنة عظيمة في البلاد بقيادة تشارلس تايلر النصراني المتعصب، راح ضحيتها آلاف المسلمين وتعرضت فيها ممتلكاتهم وأراضيهم للنهب والتخريب.

 * بالإضافة إلى الإشراف على الانتخابات، يقدم المركز خدمات أخرى.

فقد أعلن ممثل المركز أنه قد تم تنظيم مجموعات محلية هدفها حماية الأطفال وتعليمهم، وأعلن أن الجهود الأولى ستصرف في حملة تطعيم - ضد أمراض الحصبة والدفتيريا والتيفود والسعال الديكي.

 * حرص كارتر على تنظيم لقاءات مع القيادات السياسية والفكرية لتلك الدول، كان أهمها اللقاء الأكاديمي الذي تم في المعهد النيجيري للشؤون الدولية وذلك ضمن حلقة علمية عن (دور ومشاركة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في نشوء النزاعات الأفريقية).

وقد حرص كارتر في ذلك اللقاء على دعوة مجموعة من الأساتذة الأفارقة لزيارة مركزه في أتلانتا لإلقاء المحاضرات فيه عن العلاقات الدولية كما كان حريصاً على طرح بعض النقاط التي تمس الواقع المتخلف لأفريقيا جنوب الصحراء والتي يمكن تلخيصها بالتالي:  1- إن أفريقيا لم تحصل على نصيب مكافئ من الثروة العالمية وأنها لا تزال تعاني من آثار النظم الاستعمارية التي اغتصبت شعوبها وثرواتها.

وهذا بالتالي - كما يقول - أدى إلى وقوع أفريقيا في الديون التي ترزح تحتها اليوم.

 2- إن أمريكا لا بد أن تفعل كما فعلت أوروبا واليابان في إعفاء أفريقيا من بعض الديون وتخفيض معدلات الربا عليها.

كما أن عليها أن تشتري المنتجات الأفريقية - طبيعية وصناعية - بأسعار جيدة يكون من شأنها رفع مقدرة أفريقيا على دفع ديونها.

 3- إن سقوط الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة يتيحان لنا فرصة عظيمة للاهتمام بالعالم النامي وقال: إن النظام العالمي الجديد ليس حقيقة قائمة.

 وقد يكون فرصة جيدة لكنها لم توجد بعد؟ ! وقال: إنه يتمنى أن يتجاوز النظام العالمي الجديد كونه مجرد تغيير في التركيز من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط وأن يستطيع الوصول إلى أفريقيا المحرومة من حقها الطبيعي تحت الشمس السياسية! وأضاف أن الرؤساء والمسئولين الأفارقة يقع عليهم عبء الإنتاج بمستوى الاقتصاد للقارة وعدم الاعتماد على المساعدات العالمية.

  ولا نشك في أن كارتر قد استطاع لمس وجدان سامعيه بمثل هذه الطروحات.

لكننا لا نشك أيضاً أن هدفه من وراء ذلك إنما هو محاولة إقناع الأفارقة بأنه مهتم وساع في حل مشاكل القارة على اختلافها ليحتل مكاناً في قلوبهم يمكنه من تنفيذ برامجه في التغلغل في القارة دونما شكوك أو معارضة.

 ولا يخفى على كل من عرف كارتر ومراكزه أن التنصير هو غايته الأولى، وليراجع من شاء تصريحاته وكتبه ومنشورات مركزه.

 وحق لنا أن نتساءل، وقد تباكى كارتر على حرمان أفريقيا من حقها ووقوعها ضحية الاستغلال الغربي: لماذا لم يقدم لها كارتر شيئاً يذكر عندما كان رئيساً لأمريكا وكان بإمكانه أن يفعل الكثير؟ ففي فترة حكمه لم يزد مجموع المساعدات للقارة - جنوب الصحراء - على 250 مليوناً من الدولارات كانت تضيع في أحسن أحوالها - وكارتر يعلم ذلك - بين قلة من الذين يسيطرون على مقاليد الأمور هناك.

 لا أحسب أن تاريخ العالم يحفظ أسوأ من صورة مدنية الغرب في معاملة الآخرين وإنكار مصالحهم وتجاهل حقوقهم.

وهذه السخائم الوبيلة ليست في طبيعة الغرب سجية محدثة، بل كانت المدنية الغربية ولا تزال تفرض إثمها على أنه شرف ورفعة وتنشر نزواتها وأهواءها على أنها قوانين عادلة.

 وفي بداية الحملات الاستعمارية الحديثة على القارة الأفريقية، شكلت بعثات التنصير الكنسية طلائع هذا الغزو، وكانت أداة فعالة في ترسيخ الاستغلال الذي تحدث عنه - مستنكراً - كارتر!.

لكن اليوم وقد اختلفت العوامل التي تربط الغرب بمصالحه في أفريقيا فقد تغيرت وسائله وانقلبت أولوياته، وأصبح الاستعمار الجديد والاستغلال الاقتصادي أدوات طيعة موجهة لخدمة أهداف الكنيسة.

هذا ما كتبه النصارى أنفسهم وناقشوه في مؤتمر من أهم مؤتمراتهم في هذا القرن اجتمعت له أعداد كبيرة من الهيئات والمنظمات المسيحية التي تستهدف المسلمين في ولاية كولورادو في 15/10/1978م أم واشتهر بعدها بمؤتمر المنصرين.

ثم جمعت مادة هذا المؤتمر في كتاب حرره القس دونالد ماكوري تحت عنوان (الإنجيل والإسلام)..

  ليس أقصد من وراء هذا السرد إثارة الحسرة والأسى ولا التباكي على واقعنا الذي اعتراه ضعف وعجز في نواح كثيرة لكنها ذكرى لعل الدعاة إلى الله يستفيدون من مثل هذه التجارب والأساليب.

فمثل هذه الأساليب قدمت خدمات تنصيرية فاقت إلى حد بعيد كل جهود القسس والرهبان والدعوة التقليدية.

 إن المسلمين اليوم وإن كانوا في أعقاب فترة كلية، ولا زالوا ينفضون غبار الذل الذي أصابهم بعد أن طُويَ لواءهم، إلا أنهم يتهيأون - كما يرى كل ذي عينين - لانتفاضة مرموقة بإذن الله، وهم يستعدون لحمل رسالة الحق من جديد.

 ولا بد لهم في ذلك من وسائل ناجعة وصالحة، فإن دعائم الدعوة الموفقة الناجحة تلتقي كلها في الأخذ بكتاب الله - سبحانه - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

 نعم إن مستقبلنا في هذه الدنيا ثم مصيرنا يوم المعاد، كلاهما لا يضمنه إلا هذا المنهج الوثيق.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply