بسم الله الرحمن الرحيم
مرة أخرى تثبت الدولة ومؤسساتها وأجهزتها أنها غير أمينة على دستور البلاد الذي يحمي الحرية في أعز ما فيها ، حرية الاعتقاد وحرية الدين ، مرة أخرى تقدم الدولة وأجهزتها ومؤسساتها دعمها المطلق للتطرف الديني الذي تمارسه قلة من المتطرفين الأقباط مدعومين من المؤسسة الكنسية في أعلى سلطاتها ، مرة أخرى تعلن الدولة لمواطنيها كافة بأنها غير مسؤولة عن تطبيق القانون أو نصب الدستور الذي من المفترض أن يحكم البلاد ويوجه دفة الحكم فيها ويحدد العلاقة بين المواطن وبين مؤسسات الدولة ، مرة أخرى تثبت الدولة لمواطنيها أنها غير معنية أصلا بحمايته أو الدفاع عن حقوقه الأولية بل وتؤكد للمواطنين بأنه يمكن أن تتواطأ مع البلطجة أو التطرف إذا كان ذلك يخدم مصالح بعض الأشخاص حتى وإن كان ينطوي على جريمة صريحة يعاقب عليها القانون ، مرة أخرى تثبت الدولة في مصر أنها دولة بلا مؤسسات وبلا قانون وبلا عدالة وبلا نيابة عامة ، دولة فقدت مبررات وجودها كدولة ، عندما نامت كل مؤسساتها وأجهزتها عمدا أمام صرخات مواطنتين مضطهدتين في دينهن فارتين بعقيدتهن التي اختاروها من القمع والاضطهاد ، فإذا بالشريان الوحيد في الدولة الذي يعمل ، وهو شريان الأمن فيها ، يقبض على فتاتين لجأتا إليه للحماية ، بوصفه يمثل دولة وقانونا ، وإذا به يقوم بتسليم " تيريزا إبراهيم " و" ماريان عياد " إلى المتطرفين الذين يطاردونهن واللاتي فررن منهم أصلا ، وأمام الدولة المستخزية الفاقدة للأهلية كدولة ، وأمام أعين الأجهزة التي تستأسد على قوى المعارضة السياسية ، يقوم المتطرفون بحلق شعر رأس الفتاتين تماما " على الصفر " ويتم ترحيلهن قسرا إلى أحد الأديرة للخضوع لحكم الاعتقال الذي حكمت به الدولة الموازية / الكنيسة ، عقابا لهن على تفكيرهن في ممارسة حق كفله لهم دستور دولة لم تعد قائمة فيما يبدو ، ولكي يؤكدوا أمام كافة المواطنين بأنه لا دولة للأقباط في مصر إلا دولة الكنيسة ، بإرادتها السياسية وبقانونها الخاص ومحاكمها الخاصة وبأجهزتها ومعتقلاتها .
إن هذا الذي يحدث جريمة أخلاقية ، وجريمة قانونية ، وجريمة دستورية أيضا ، وليس الأمر كما يروج بعض الحمقى بأنه لا يفيد البلد تحول مسلم إلى المسيحية أم تحول مسيحي إلى الإسلام ، وإنما الأمر في صميمه هو إهدار متعمد للدستور والقانون ، بل وتواطؤ من الدولة وأجهزتها الرسمية على إهدار دستور البلاد ، والاتفاق الجنائي بين الدولة وبعض المتطرفين على ارتكاب جريمة صريحة في حق مواطنين ، وتخلي الدولة وأجهزتها عن مسؤوليتها التي من أجلها قامت ، وهي حماية المواطن في حقوقه المكتسبة وفي أعلاها حقه في حرية الدين والاعتقاد ، هذه هي القضية في صلبها وجوهرها .
إن هذا الذي يحدث ويتكرر كل عدة أيام في مصر هو نذير شؤم على البلاد والعباد ، وإذا وقعت الواقعة ، ولا نظنها بعيدة ، إذ يستشعرها الكافة في احتقان النفوس في عموم مصر هذه الأيام ، فإن أحدا لن يمكنه أن يطفئ نيرانها ، ووقتها نعض أصابع الندم على تواطأنا جميعا على إهدار القانون والدستور وتغييب الدولة عن ممارسة دورها كدولة ، مقابل تعزيز وتعميق دور دولة الكنيسة .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد