بسم الله الرحمن الرحيم
أهي معركة؟ نعم.
ألها استراتيجية وخطط هجوم ومواجهات؟ نعم.
ما نراه ونسمعه ونعيش في أجوائه هذه الأيام هي حرب - بمعنى الكلمة - موجهة إلى أمتنا الإسلامية، وهي حرب كان الناس يختلفون في حقيقة وجودها، وكان هناك من يشكك ويقول إنها وهم، ومنهم من يقول إنها تصريحات تعصبية لبعض قادة الغرب لا تمثل الواقع، لكن في السنوات الأخيرة تطورت الأمور وانكشف كثير مما كان مخفياً في الماضي، وصار العلن سمة واضحة وظاهرة لهذه الحرب التي لا ينكرها إلا أعمى البصيرة، حرب على ديننا وأخلاقنا وقيمنا وعاداتنا، حرب هدفها مسخ الأمة بعد هدم العامل الأول لوجودها وهو الإسلام.
وإليك بعض ما يجري في ساحة المعركة وآخر أخبارها:
- "مكتبتي العربية" مشروع أمريكي سيتم من خلاله توزيع كتب أمريكية مترجمة بين تلاميذ الصفين الثالث والرابع بالمرحلة الابتدائية، تتبنى قيماً غربية وتناقش الكتب الموضوعات الجنسية!! (آفاق عربية جريدة مصرية- 19/ 3 / 26).
- مؤتمر بالجامعة الأمريكية بمصر يروج للشذوذ عنوانه (مؤتمر الشباب العربي الرابع) تحت رعاية شركات "كنتاكي" و"أمريكانا" و"تكا"، خصص لمناقشة قضايا الشباب ثم تحول المؤتمر إلى دعاية للشواذ، حيث ظهر أحد الطلبة في أولى جلسات المؤتمر وقدم نفسه على أنه شاذ جنسياً، وأنه مستعد لتلقي جميع الأسئلة من زملائه والإجابة عنها، وفي النهاية خرج المؤتمر بالموافقة على إقرار حقوق الشواذ، وطالبوا بوضع مواد دراسية لتثقيف الشباب جنسيا!! (المصدر السابق).
- نظمت شركة "أولويز" لإنتاج الفوط الصحية محاضرات للطالبات حول التثقيف الصحي في فندق "شبرد" بالقاهرة على مدار شهر أبريل، حيث حضر يومياً طالبات المرحلة الإعدادية من مختلف الإدارات التعليمية بالقاهرة والمحافظات، موضوع المؤتمر تنظيم النسل. (المصدر السابق).
- أقيمت حفلة للموسيقى والرقص والغناء في إحدى الجامعات الكبيرة، واستمرت حتى الساعة الرابعة والنصف ليلاً، حضرها أعضاء من هيئة التدريس، وكانت الحفلة في الليلة نفسها التي يُحتفل فيها بالمولد النبوي. (المصدر السابق).
هذه بعض خطوات فيما يشبه منظومة استراتيجية، تتلاقى فيها أهداف جهات تسعى إلى تفكيك النظام الاجتماعي الأسري في مجتمعات المسلمين، وهي منظومة كبيرة متنوعة الصور والأشكال، فهناك تشريع لقوانين موجهة لخلخلة العلاقة الزوجية المتينة التي أقامها الإسلام، كقوانين الخلع الجديدة في بعض بلاد المسلمين، وسفر المرأة دون إذن الزوج، وتغيير صيغة عقد الزواج.
وهناك إجراءات اجتماعية لتهميش دور الأسرة في السيطرة على الأبناء، وإبعادهم عن الجو الأسري المترابط والبيئة التربوية التي كونها الإسلام عبر عدد من التشريعات، كمحاولة التدخل في شأن الأسرة الخاص وإلغاء الختان كلية وتجريمه دون تمييز بين من يلزمهن ذلك ومن لا يلزمهن، وفي هذا ما فيه مما هو معروف من علاقة بضبط الشهوة لدى المرأة، وهناك القنوات الفضائية التي تقدم للشباب الحياة الغربية في صورة جذابة تتلاعب بأحلام المراهقين وشهواتهم، فيما يمثل دعوة واضحة لهم لتقليد الحياة الغربية بكل ما فيها من عادات وتقاليد منحرفة وشاذة، تشجعه على الخروج عن سيطرة الأسرة وسياجها.
وإذا نظرت إلى نماذج الأخبار التي أوردتها قبل سطورº فحاول أن تبحث عن الآباء والأمهات فيما حدث، أين هم؟ أين دور الأسرة؟ أين أبو هذا الشاب الذي خرج في المؤتمر يدعو إلى الشذوذ؟ أين أمهات البنات اللاتي ذهبن إلى مؤتمر مشبوه يعلم أطفالاً في سن الثالثة الابتدائية والرابعة الابتدائية تنظيم النسل؟ أين آباء هؤلاء الشباب الذين حضروا الحفل الراقص حتى وقت الفجر؟ ثم ألم يكن الأجدى بالجامعة التي تخرج الأجيال أن تجمع هؤلاء الشباب لتوعيتهم وحمايتهم من حملات التغريب والفساد.. ثم يخرجون لصلاة الفجر؟
حال كثير من الآباء والأمهات اليوم يدعو إلى التساؤل والدهشة، حيث تجري على أولادهم عمليات التغريب، ويقعون فريسة لموجات الانحلال، ولا تجد الآن للأسرة دوراً يذكر في حماية أولادها، وإلا فما معنى وجود آلاف الاتصالات من شباب في سن المراهقة لبرنامج ستار أكاديمي، وغيره من برامج الفساد والفجور، وما تفسير وجود تفاعل قوي مع هذه الأنواع من البرامج؟
وما معنى انتشار التبرج والسفور بين كثير من الشابات وانتشار عادات فاسدة بينهن؟ وما معنى انتساب شبان في بعض مجتمعات المسلمين إلى عبدة الشيطان؟ وما معنى وجود التحلل الأخلاقي الذي نسمع عنه في أوساط الشباب في المدارس والجامعات؟ وما معنى ما يروى ويحكى عن الانحلال الأخلاقي عبر وسائل التقنيات الحديثة لوسائل الاتصال؟
لا معنى لذلك كله إلا أن دور الأسرة في حماية أولادها في طريقه إلى الزوال إن لم يكن قد زال فعلاً في بعض الأوساط الاجتماعية.
إذاً هذه نماذج لفقدان دور الأسرة وضياعهº إما بسبب الجهل أو الانحراف، وإما بسبب ما وقع فيه الآباء أنفسهم من ضلال تحت مسمى ترك الحرية لأولادهم لممارسة الحياة العصرية.
هذه بعض أخبار جبهة من جبهات المعركة الدائرة على مجتمعات المسلمين، من جريدة واحدة، وإلا فمن حاول رصد كل أخبار ما يدور على الساحة من تطورات لهذه المعركة فسوف يصاب بصدمة فاجعة.
خطوط الدفاع:
وبإلقاء نظرة على تلك الحرب وما وصلت إليه نجد أن أعداءنا تقدموا فيها خطوات كبيرة، بل استطاعوا أن يسيطروا على بعض خطوط الدفاع في مجتمعاتنا المسلمة، ويتركز الدور الآن على خط الدفاع الأخير وهو الأسرة.
لقد أحكم الإسلام بناء المجتمع المسلم، ووضع له عدداً من خطوط الحماية والدفاع، والتي تصون المجتمع من توارد التقاليد والعادات المنحلة والفاسدة، وكذلك تصونه وتحميه من الحملات الموجهة إليه. وأبرز هذه الخطوط مؤسسات الدولة الرسمية، وهناك التشريعات الإسلامية من حدود وتعزيرات وأحكام وآداب شرعت لصيانة المجتمع وحفظه وتطهيره من الشذوذ والانحراف، وهناك العلماء والدعاة الذين ينبهون المجتمع ويبينون له الحق من الباطل، ومن أبرز خطوط الحماية والدفاع: الأسرة، حيث أحكم الإسلام بناءها، وحمّلها المسؤولية أمام الله تعالى كاملة عن حفظ الأولاد وحمايتهم.
خط الدفاع الأول.. والأخير:
وإذا كانت الأسرة تمثل خط الدفاع الأول من حيث بدء تربية الأولاد ومنشئهمº فهي في الوقت نفسه تمثل خط الدفاع الأخير من حيث وصول الهجمات الانحلالية على المجتمع، فقد تم اختراق كثير من الجهات الرسمية في بعض بلاد المسلمين، والتي يفترض أنها هي خط الدفاع الأول للمجتمع، وصارت هي نفسها عامل هدم أخلاقي، فكثير من وسائل الإعلام في بلاد المسلمين، من قنوات فضائية ومجلات ومواقع إنترنت، سخرت نفسها لبث الانحلال والفجور في الناس ولا سيما الشباب، وكذلك أنشئت مؤسسات وجمعيات داخل مجتمعات المسلمين لإتمام جهود المؤتمرات الدولية والخطط الخارجية والإشراف على تنفيذها.
وإذا كانت أصوات الناصحين تذهب سدى ولا يستمع لها أحد في بعض الجهات فلتوجه الجهود نحو الأسرة، نحو الآباء والأمهات، فالأسرة أمام تلك الحملات الانحلالية هي خط الدفاع الأخير الذي ينبغي لنا أن نعيد ترميمه وإصلاحه، بل قد تكون هي خط الدفاع الذي ينبغي لنا أن نهيئه ليكون هو الصخرة التي تندحر عندها تلك الحملة التغريبية الانحلالية الشرسة.
فلو حصل ولم يفلح خط الدفاع الأول وهو الجهات المسؤولة عن حماية المجتمع، أو حدث تقصير فيها أو اختراق لها من قبل بعض أهل الفساد، ولم تفلح كذلك خطوط الدفاع التالية، أو تعطل دورهاº فلن يبقى في النهاية إلا خط الآباء والأمهات، فإذا كان هذا الخط غير موجود أو ضعيفاً نجحت حملة الهدم الأخلاقي في تحقيق أهدافها والوصول إلى ما تريد من تدمير الشباب الذين هم مادة نماء المجتمع وقوته، وهو ما نرى بعضه قد تحقق على مستوى كثير من مجتمعات المسلمين، حيث ينتشر الانحلال والفساد وانعدام الأخلاق.
عودة دور الأسرة.. خطوة مهمة في حماية الشباب:
إن كثرة الانحرافات وشيوعها بين الشباب قد تدفع الشباب إلى ما هو أكبر من مجرد تدهور الأخلاق، حيث ستتحول فورة الشباب تحت ضغط الإعلام الفاسد والحملات المنحرفة إلى ثورة ضاغطة تكسر باب المحرمات من الفاحشة والمخدرات وغيرها، كما كُسر فعلاً باب الشذوذ في بعض الأوساط الاجتماعية، وظهرت جماعات منظمة للشذوذ فيها، وكما كسر وظهر في بعض مجتمعات المسلمين الموحدين مجموعات تابعة لعبدة الشيطان.. فهل سيقف العقلاء حتى تُكسر سائر الأبواب؟
- فلنبدأ في إعادة دور الأسرة والآباء والأمهات وتنشيطه، وتوعية الآباء والأمهات بمدى دورهم في حماية المجتمع والشباب، وبيان مدى مسؤوليتهم أمام الله تعالى يوم الحساب، عبر العلماء والدعاة والمتخصصين الإسلاميين في العلوم النفسية والاجتماعية.
- إقامة مؤتمرات وندوات اجتماعية مضادة لتلك المؤتمرات المنحرفة، تعمل على تنمية دور الأسرة ودعمه.
- إقامة جمعيات لحماية الشباب تبحث في مشكلاتهم وتقدم لهم الحلول المناسبة القائمة على ديننا وأخلاقنا، كما يحدث على مستوى حماية البيئة مثلاً، لحماية شبابنا من التلوث والسموم الأخلاقية.
- وليتذكر كل أب ولتتذكر كل أم.. أن كل واحد سيسأله الله تعالى عن أولاده أحفظهم في دينهم وأخلاقهم أم تركهم للفساد والانحراف، قال تعالى: "يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُون" التحريم: 6.
وأخرج البخاري عن نافع عن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلكم راع فمسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، حديث رقم 2554، ومسلم رقم 1829، وغيرهما. قال في فيض القدير: ("كلكم راع": أي حافظ ملتزم بصلاح ما قام عليه، وهو ما تحت نظره، من الرعاية وهي الحفظ... "وكل" راع "مسؤول عن رعيته" في الآخرة، فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك، فإن وفّى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر، وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة... ). انظر: فيض القدير، الجزء الخامس، شرح الحديث رقم 6370.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد