بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرون لا يقدرون بعد خطورة انعقاد منتدى دافوس على ضفاف البحر الميت في 15 أيار/مايو 2004. فبغض النظر عن التوقيت الاستفزازي المدروس الذي اختير لالتئام هذا المنتدى، وهو ذكرى اغتصاب فلسطين، وكان قد عقد منتدى دافوس الأردن الأول عام 2003 في 21 حزيران/يونيو، فإن كل ما يتعلق بالمنتدى من مكان انعقاده إلى جدول أعماله إلى طبيعة المشاركين فيه، مروراً بانعقاده تحت الظرف السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية جراء العدوان الأمريكي-الصهيوني عليها، لا يقل استفزازيةً عن التوقيت بالذات.
فقد اختيرت ذكرى اغتصاب فلسطين للترويج للتكامل الإقليمي، أي لإدخال الكيان الصهيوني في نسيج المنطقة وفرض هيمنتها عليها، وهو ما لا يحدث عفواً، بل يشكل أحد الأهداف المعلنة للمنتدى كما يدل الشعار الذي انعقد في ظله وهو: «من أجل مواجهة التحديات الحقيقية: المشاركة من أجل التغيير والسلام والتنمية»، حيث المقصود بكلمة المشاركة هنا طبعاً المشاركة مع الطرف الأمريكي-الصهيوني...
وبهذه المناسبة، ذكرت وسائل الإعلام في 13 أيار/مايو 2004، أي قبل انعقاد المنتدى، أن الحكومة وافقت في لقاء مع وفد من مجلس رجال الأعمال البريطاني-«الإسرائيلي» على خريطة طريق اقتصادية يقوم عليها فريق عمل مشترك يتألف من الحكومتين الأردنية و«الإسرائيلية» والقطاع الخاص، حيث مهمة فريق العمل هذا التخطيط لمجموعة من المشاريع الإقليمية، وهو ما يشي بأهمية الى نظرة خاصة الى موقع الأردن الجغرافي السياسي بين العراق وفلسطين.
ويشير التقرير نفسه أن الاردن فضل اتفاقية تجارة حرة بين الأردن و«إسرائيل» من أجل تطوير مناطق التجارة الحرة في العقبة وشمال الأردن، كما قالت نشرة غلوبس Globes الاقتصادية الصهيونية في عددها الصادر يوم 13/5/ 2004. هذا مع العلم أن الوفد «الإسرائيلي» لمنتدى دافوس ضم عدداً كبيراً من المسئولين الحكوميين ورجال الأعمال والأكاديميين، كما أن عدداً من ورشات العمل والحوارات تهدف لوضع استراتيجيات للتطبيع تحت مسمى «السلام»، ومنها ندوات تتناول البنية التحتية في الإقليم مثلاً، يشارك فيها رئيس جامعة بن غوريون في النقب أفيشاي بريفرمان. أما بالنسبة لاتفاقية التجارة الحرة مع الكيان الصهيوني، فقد ذكرت يديعوت أحرونوت يوم 16/5/2004 أن وزير الصناعة والتجارة الصهيوني يهودا أولمرت سيوقع على هامش دافوس الأردن اتفاقاً تجارياً مع نظيره الأردني لدفع التجارة بشكل جوهري بين الطرفين.
وفكرة المشاريع الإقليمية ليست وحدها على جدول أعمال منتدى دافوس الأردن، بل إن موضوع ما يسمى بالإصلاح، الذي ستطرح الولايات المتحدة برنامجاً له في قمة الثمانية الكبار، يتكرر عنوانه مراراً في الندوات التي سيعقدها المنتدى. وتقوم مبادرة الإصلاح الأمريكية هذه على إحداث تغييرات جذرية في البرامج التعليمية والسياسات والنظم في المنطقة العربية، وهو ما يعني إعادة هيكلة المنطقة بما يتلاءم مع المشاريع الأمريكية-الصهيونية. وكما قالها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي في جلسة الافتتاح: «في قمة الثمانية الكبار، سنطلق وثيقة تظهر كيف نريد أن تكون شراكتنا معكم. فكل الأمم في المنطقة بحاجة لإصلاح»! ومن الواضح أن باول يقصد بكلمة «أمم» الدول العربية. ولأن مشروع الإصلاح الأمريكي يقوم على تقرير التنمية البشرية العربي الذي أطلقته الأمم المتحدة، فإن ريما خلف الهنيدي المسئولة عن إطلاق هذا التقرير الذي يبرر التدخل الأمريكي في المنطقة سوف تتحدث في أكثر من ندوة في المنتدى.
ومن المتحدثين الآخرين في المنتدى بيتر هانسن مدير الأنروا وكالة غوث (وتوطين!!) اللاجئين الفلسطينيين، ومسئول منظمة العفو الدولية في «الشرق الأوسط»، ومحرر جريدة الحياة اللندنية جهاد الخازن وراغدة درغام من نفس الجريدة، وعماد حجاج رسام الكاريكاتور، ونبيل شعث رسام كاريكاتور السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية الذي سيتحدث في ندوة بعنوان الإرهاب، وصبيح المصري، وديفيد روزن من اللجنة الأمريكية اليهودية، وغيرهم كثر. أما الندوات المتعلقة بالعراق، فيحتكرها أعضاء مجلس الحكم الانتقالي الذي عينه الأمريكان وهوشيار زيباري وزير خارجية العراق المحتل، وهو ما لا يفاجئ أبداً حيث أن أحد أهداف المنتدى هو الترويج للمشاريع الأمريكية-الصهيونية في المنطقة، الاقتصادية والثقافية منها والسياسية.
منتدى دافوس طبعاً هو بالأساس منتدى اقتصادي لكبار مدراء الشركات متعدية الحدود، فلماذا يعنى هؤلاء لهذه الدرجة بمنطقتنا العربية، ولماذا يلقون بثقلهم خلف مشروع «الشرق الأوسط الكبير»؟ لأن «الشرق الأوسط الكبير» ليس إلا حصيلة تقاطع مشروعين، العولمة من جهة، والصهينة من جهة أخرى، وهو ما يعبر عنه في النهاية دافوس الأردن.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد