بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تزداد الحملات العدائية الموجهة ضد الإسلام يوماً بعد يوم، وذلك من أجل التأثير على أفكار معتنقيه وتنفير الآخرين منه. ولا يعدو الأمر أن يكون محاولة لإبعاد الإسلام والمسلمين عن الحياة العملية، لان الإسلام دين مؤثر عملياً، وسبق أن حكم به المسلمون الدنيا فترة طويلة، ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه التجربة مرة أخرى.
تتركز المحاولات بشراسة من أجل محاولة النفاذ إلى الإسلام من خلال المرأة فالمرأة مقتل لأية أمة يمكن الوصول إليها من خلالها، وذلك لِما للمرأة من أدوار فعالة لا تقوم الحياة بدونها. كما أن أعداد النساء الداخلات في الإسلام في ازدياد لا سيما في بلاد الغرب، مما يشجع على تصويب السهام تجاه الأفكار الخاصة بالمرأة. لذلك تجد الهجوم يتركز على عقل المرأة وأن الإسلام ينتقص منه، وعلى الحجاب، وعلى التعدد، وغير ذلك من الأفكار الإسلامية.
فلسفة الإسلام في النظرة إلى الرجل والمرأة:
يسلط الإسلام النظر في العلاقة ما بين المرأة والرجل على التكاثر وبناء الأسرة السعيدة، في علاقة متكاملة ما بين الفرد والجماعة فتراه يُسهل كل ما يؤدي إلى ذلك، ويحد من كل ما يعيق تحقيق هذه المهمة.
وهو بهذا يخالف الحضارة الغربية التي تجعل من الجنس هدفاً، فتسهل كل ما يحقق هذا الهدف، في حين أن الإسلام يعتبره وسيلة لتحقيق الهدف المنشود، وانه يأتي بشكل تلقائي في سعينا لتحقيق ذلك الهدف.
فالإسلام يحصر العلاقة ما بين الرجل والمرأة في الزواج ويحث عليه ويسهل كل ما يؤدي إليه، ويحث على تكثير النسل. كما انه يمنع الاختلاط لغير سبب، ويمنع التبرج والخلوة، ويدعو إلى ستر العورات، كما انه يمنع شيوع الأفكار الجنسية والمثيرة من قصص وكتابات وأفلام ومسلسلات يمكن أن تؤدي إلى تسهيل شيوع الفاحشة والدعوة إليها.
كما أن الإسلام يراعي الفطرة والتكوين الجسدي لكل من المرأة والرجل من الناحية الإنسانية، ويراعى الفروق بينهما. فهو لا يُغفل أمر الغرائز في الإنسان، ولا يطلق لها العنان ولا يكبتها كل الكبت، بل يراعي العوامل المؤثرة فيها، ويضبطها بضوابط تكفل لها السير الحسن، ويهذبها ويسيرها في اتجاه السعادة. ويجعل التعاون أساسا للعلاقة ما بين الرجل والمرأة من اجل أن يتحقق الهدف المنشود، ويدعو إلى عدم النظر إلى الآخر بنظرة الحسد وتمنى ما لم يحصل عليه. كما انه يجعل للعقل سلطاناً ليدرك به صاحبه عاقبة الأمور ولينظر فيما يضمن تحقيق الهدف. وبغير ذلك تستوي الأمور بين الإنسان والبهائم، لأن هذه تسير وفق الغرائز المبرمجة فيها، والإنسان له عقل يميز به الأشياء ويدرك به عاقبة الأمور.
وهذا يعني أن المسلم إذا نظر إلى المرأة فإن نظرته تكون لأجل الزوجية أي التكاثر، والمرأة المسلمة إذا نظرت إلى الرجل تكون نظرتها لأجل ذلك أيضا. ولا بد من غض البصر على مبدأ أن النظرة الأولى لك والثانية عليك، فلا ينظر أي منهما للآخر نظرة شهوة إلا على أساس من الحلال الذي هدفه التكاثر. وبناء عليه فان للرجل أن يطلب أكثر من امرأة للزواج إلى الحد الأقصى وهو أربع نسوة، في حين أن المرأة لا يمكنها أن تعدد لان ذلك يتنافى مع مبدأ التكاثر الذي أشرنا إليه. فالرجل يمكنه أن ينجب من اكثر من واحدة، أما المرأة فلا يمكنها أن تنجب إلا من واحد مهما كثر عدد المجتمعين عليها.
لماذا لا يتحجب الرجل؟
الحجاب شعار متحرك في الطرقات والمحال والمؤسسات وأماكن العمل، فهو وسيلة دعوية متحركة وفاعلة حتى لو لم تدعُ صاحبته إلى ذلك، أو لم تكن هي نفسها قدوة تحترم هذا الزي الذي ترتديه. فمجرد وجود هذا الحجاب أو اللباس الشرعي كاف لإثارة أعداء الإسلام والعمل على محاربته. وقد تنوعت أساليب العمل على خلع الحجاب والتخلص منه، ومنها المناداة بحجاب للرجل مثل حجاب المرأة. وبما إنهم يعلمون تماما انه لا حجاب على الرجل في الإسلام، فإنهم اتخذوا ذلك منفذا للتخفيف من حجاب المرأة. والحجة في ذلك أن ما يثير الرجل من المرأة هو نفسه ما يثير المرأة من الرجل، فلا بد أن يتساوى الاثنان في اللباس.
فإذا لم يحصل وكان الرجل له الحق في التخفيف من اللبس كالقميص والبنطلون وغير ذلك، فلا اقل أن يُسمح للمرأة بذلك.
لكن الإسلام يوجب ستر العورة لكل من الرجل والمرأة، على اختلاف في المذاهب على مستوى الستر فيتراوح عند المرأة ما بين جميع الجسد أو الوجه والكفين، وما بين السرة والركبة عند الرجل.
كما يُشترط في اللباس ألا يصف، ولا يشف ما تحته، ولا يكون مثيراً أو ملفتاً للنظر، مع مطالبة الطرفين بغض البصر. فهل يعني الاختلاف في اللباس ما بين المرأة والرجل وجود اختلاف أيضا في طبيعة الإثارة وطبيعة الجسد عند كل منهما؟ هذا مع العلم أن كلا من المرأة والرجل إنسان بالدرجة الأولى، وما عند هذا من الغرائز هو ما عند تلك، فأين الفرق؟
المرأة بحكم طبيعة تكوينها الجسدي مثيرة، لذلك جاء التركيز على لباسها لمنع الإثارة والأذى. فالمرأة مطلوبة، وذلك على الرغم من أن لها نفس غرائز الرجل وما يثيرها يثيره، لكن الاختلاف يكمن في المستوى ونقطة البدء. فإذا كان الرجل مُثاراً ومهيئاً أي تغلب عليه الشهوة لأي سبب فانه يطلب المرأة، وقد يلجا إلى العنف، وإذا لم يكن هناك ما يردعه فسيقضي شهوته منها رغماً عنها. لكن لننظر إلى العكس، لو أن المرأة هي التي تشتهي الرجل وطلبته، فانه يلزمها في هذه الحالة أن تثيره أولاً، ثم بعد ذلك تقضي منه شهوتها. أما إذا لم يتهيج فمن العسير عليها أن تأخذ منه شيئا، ومن هنا كانت الإثارة من قبل المرأة سواء كانت طالبة أم مطلوبة.
ومما يؤكد أن المرأة هي المطلوبة وأنها عرضة للأذى، ما يحصل في الحروب وفي حالات الاغتصاب فنرى كيف ينقض الجنود المحتلون على النساء مثل الكلاب المسعورة. أما ما يقال من أن الاغتصاب انعكاس لمرض نفسي فغير صحيح، بل هو دليل على شدة طلب الرجل للمرأة، وانه يحصل على ما يريد منها بالقوة لأنها تقاوم بطبيعتها فيبادل المقاومة بأخرى.
شبهات أخرى:
• الحجاب لا يمنع الرجل من أن يهاجم المرأة لا في الحرب ولا في السلم، والدليل ما حصل في البوسنة والهرسك وحالات الاغتصاب للمحجبات وغيرهن. نقول أن هذا لا يمنعه البتة ولكنه يخففه، كما انه يؤكد أن المرأة مطلوبة سواء كانت محجبة أم لا، لكن الحجاب يضع في طريقه عقبات كثيرة.
• المرأة تتحجب خوفا من الرجال. الحجاب فرض من الله ويجب أن يكون طاعة لله وخوفا من عقوبته. لأنه إذا كان اللباس بسبب معين فانه يمكن أن يزول بزوال هذا السبب، وهذا غير صحيح، بل لان الله فرضه وهذا دائم. ولباس المرأة فرض سواء حدثت إثارة أم لم تحدث، وسواء تعرضت لاعتداء الرجال أم لا، وسواء فتنت الرجال أم لا، وسواء افتتن بها الرجال أم لا.
• التركيز على الحجاب يعني أن المرأة سلعة جنسية، وأن المقصود هو حماية الرجل. وهل هناك من ينكر أن المرأة فيها غريزة الجنس وأن الرجل فيه نفس الغريزة؟ ثم إنها حماية لكل منهما وليس لواحد على حساب الآخر، لكننا بيّنا أن المرأة لها وضعية تختلف عن الرجل من حيث إثارته، فهي المطلوبة وهي العرضة للأذى في النهاية. والوضع إجمالا هو حماية لكل منهما على حد سواء، لان الحياة لا تستقيم والشهوات مثارة، فمصير ذلك القلق الدائم.
هل لنا أن نتساءل؟
هناك من يتساءل: إذا كان الإسلام دين الله فكيف يستطيع هؤلاء أن يشككوا فيه ويعملوا على تفكيك عراه الواحدة تلو الأخرى؟ وبدلاً من الحديث عن تقاعس أهله عن القيام به، أو عزو الأمر إلى شدة بأس أعدائه وما إلى ذلك، لا بد من إظهار الجانب الفكري في الموضوع. فنقول إن الذي يسهل مهاجمة أفكار الإسلام هو النظر إليه مجزءاً وغير مُطبَّق فالإسلام بطبيعته متكامل وينبع من أصول لا بد من مراعاتها في النظر إلى أحكامه. وهذه الأحكام يرتبط بعضها ببعض من حيث التطبيق الشامل لها والتعاون ما بين الفرد والجماعة، لذلك من الصعب أن نلمس أثرها وهي غير مطبقة بهذا الشكل. أضف إلى ذلك أن كثيراً من الاجتهادات ليست عملية، ولم تجرِ مراجعتها على مر الزمن، كما أن هناك الكثير من الأحكام التي يجهل المسلمون واقعها والحِكَم المستفادة منها، لا سيما ما يمكن أن نخاطب به الناس بلغة العصر الحاضر.
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد