من يمسح دموع ميندناو ؟ ( 4 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

اشتد التحدي الصليبي الكاثوليكي بعد الاستقلال بشن هجمات إبادة جماعية على المسلمين، فقتل وجرح ما لا يقل عن 100ألف مسلم، وشرد نصف مليون، واغتصب مليون هكتار من أرض المسلمين، وحرقت البيوت والمساجد-علماً بأن بمناطق المسلمين قرابة 2500 مسجد- والمدارس، بينما بلغ عدد المذابح والحوادث الدامية التي ارتكبت ضد المسلمين في الجنوب الفلبيني قرابة 417 واقعة خلال 3 سنوات حتى عام1956م، وفي مقابل كل ما تعرض له المسلمين اشتد وعيهم وشعورهم بالانتماء إلى الأمة الإسلامية الكبيرة.

 

وعقب مأساة 1967م التي تعرض لها العالم العربي والتي أظهر فيها مسلمي الجنوب الفلبيني مؤازرتهم التامة لإخوانهم المسلمين في العالم العربي-والتي تمثلت في إعدادهم كتائب خاصة للجهاد ضد اليهود- اشتدت الهجمة الصهيونية عنفاً، وعمل الكاثوليك بمساعدة البابا على تنصيرهم وتهجيرهم، وكان ذلك بمشاركة ومساندة الدول الغربية وخاصة أمريكا، بل وزحف نصارى الشمال نحو أراضي المسلمين في جزر ميندناو وصولو وما جاورهما من جزر تضم مسلمين بغية طردهم واحتلال أراضيهم.

 

وهكذا بدأت قضية شعب المورو المسلم تأخذ الطابع الدولي منذ عام 1967م حينما حلت النكسة بالدول العربية باحتلال إسرائيل لأراض من الأردن وسوريا ومصر، واستغلت حكومة الفلبين انشغال العالم الإسلامي بمشكلة الشرق الأوسط فعملت على تصفية قضية شعب المورو المسلم نهائيًا، ووضعت العالم الإسلامي والعالم كله أمام الأمر الواقع، والمعروف أن سياسة الأمر الواقع سياسية إسرائيلية تتبعها في القضية الفلسطينية منذ بداية الاحتلال وحتى اليوم.

 

وبعد ذلك نشأت منظمات صليبية محظورة في ظاهرها، إلا أنها كانت تلقى التعاطف والـتأييد من قبل السلطات الحكومية من الأبواب الخلفية، على سبيل المثال منظمة " إيلاجا " التي نفذت العديد من عمليات اغتيال المسلمين، وقد وجدت هذه المنظمات تأييداً من الكيان الصهيوني بتزويدها بالخبراء والأسلحة بهدف التصدي للمسلمين.

 

وأخذت هذه المنظمة الإرهابية وأمثالها منذ عام 1971م تهدد دائمًا باغتيال رجال الدعوة لإسلامية، وتطالبهم باعتناق المسيحية، ورفع الصليب فوق المساجد، وإلا تعرضوا للاغتيال، كما تقوم بتدبير المؤامرات ضد المسلمين حيث قامت بتدريب عدة فرق من المسلمين على أعمال القوات الخاصة بحجة حماية ولاية "صباح" الماليزية المجاورة، ثم اكتشف المسلمون أنها تريد العدوان على الولاية الماليزية، فرفضوا الاشتراك في هذه المؤامرة، فقامت القوات المسلحة الفلبينية باغتيال جميع المسلمين في هذه الفرق، ولم ينج منهم سوى جندي واحد، وهو الذي فضح هذه المؤامرة التي لم يسمع بها أحد.

 

وما زالت القوات الصليبية الحاقدة تقتل المسلمين وتحرق بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم، بل وتهدد زعماءهم ليجبروا المسلمين على الدخول في النصرانية وكذلك ليوافقوا على نشاط الصليب التنصيري هناك.

 

ونتيجة لتعرض المسلمين للقهر والاعتداء والتنصير قاموا بتأسيس العديد من الجمعيات الإسلامية، مثل جمعية أنصار الإسلام وجمعية النهضة الإسلامية، وهناك أيضاً جمعية مسلمي صولو، وذلك ليتسنى لهم مواجهة الغزو الصليبي الذي يتعرضون له.

 

وفي عام 1392ه-1972م أخذت حكومة ماركوس -التي كانت رغبتها دائما تتمثل في إخضاع مسلمي الجنوب- تستخدم طريق تهجير المسلمين بالقوة وإحلال النصارى بدل المسلمين، وإقامة الحكم النصراني في مناطق المسلمين، فأدى ذلك إلى خروج جبهة " تحرير بنجاسا مورو الإسلامية الوطنية" للوجود وكان يرأسها نور ميسواري، ولعل أحدا يتساءل ما معنى بنجاسا مورو؟ " بنجاسا مورو: هو الاسم الذي أطلقه المسلمون على المناطق التي يعيشون فيها بجنوب الفلبين"، وكان من أهم أهداف هذه الجبهة العمل من أجل استعادة حقوق سكان جنوب الفلبين ووقف عمليات استغلال ونهب ثروات المنطقة من طرف المسيحيين 83% من الكاثوليك و9%من البروتستانت، وكذلك إقامة دولة إسلامية مستقلة عن باقي جزر الفلبين الصليبية، وكانت النواة الأولى لهذه الجبهة قد تكونت عام 1962م باسم "جبهة تحرير مورو".

 

وهكذا أصبحت المواجهة بين الطرفين المسلم والصليبي علنية، وقام ماركوس- رئيس الفلبين حينها- بإعلان الأحكام العرفية في الجنوب، وتدفقت الجيوش على الأقاليم المسلمة حيث بلغ تعداد جيش الحكومة ربع مليون جندي، بينما قدر عدد جيش المسلمين الذي نال قسطاً من التدريبات قرابة 30 ألف، وارتكب النصارى أفظع الجرائم من قتل جماعي وإحراق الأحياء، وانتهاك الأعراض والحرمات، ومع كل ذلك صمد المسلمون بقوة في وجه الفظائع وتحصنوا في الغابات والجبال.

 

ثم عرضت القضية الفلبينية على مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الأول عام 1392هـ-1972م، وتم تنبيه العالم إلى خطورة الوضع وما يتعرض له المسلمون في جنوب الفلبين من إرهاب وقمع واضطهاد، وبعد بذل الكثير من الجهود الدبلوماسية عقدت مفاوضات بين الحكومة وجبهة التحرير الإسلامية نيابة عن المسلمين، وترتب على ذلك وقف إطلاق النار، وتم منح المسلمين حكماً ذاتياً في 13 ولاية، وتم انضمام الجبهة لمنظمة المؤتمر الإسلامي 1394ه-1974م.

 

ومما يؤسف له أن هذا الاتفاق في واقع الأمر سوى مؤامرة استهدفت كسب الوقت حتى تستطيع الحكومة ترتيب أوراقها، ولم شمل جيشها، حتى يتسنى لهم بعد ذلك الانقضاض على الجبهة والقضاء عليها.

 

أعقب هذا الاتفاق تنظيم استفتاء عام 1977م عن طريق الحكومة لإقرار وضع معين في الجزر المسلمة، إلا أن الجبهة فطنت لهذا المخطط الذي لا يعطي للمسلمين نفوذاً حقيقياً، وقامت بمقاطعة الانتخابات، ثم عاد الصراع العسكري من جديد.

 

ومنذ التسعينات استعرت حملة الحكومة الصليبية ضد المسلمين في مينداناو حيث كثفت حملتها وأصبح جيش الدولة بأكمله موجه للقضاء على المسلمين، وبعد أحداث 11 سبتمبر زعمت الحكومة أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المسلمين المجاهدين في ميندناو وما جاورها من جزر مسلمة، وبين تنظيم القاعدة وأن هناك تعاون بينهما، وقررت الحكومة الفلبينية استغلال الهياج والرعونة الأمريكية في مهاجمة تنظيم القاعدة وكل ما له علاقة به، وهو ما كان إلا ستار لمحاربة كل ما يمت للإسلام بصلة.

 

وهكذا راحت أمريكا تمد الفلبين بالعتاد والخبراء لمواجهة المجاهدين المسلمين في مينداناو، وقد نقل حديث استمر 40 دقيقة في قصر الرئاسة بين الرئيس الأمريكي بوش ورئيسة الفلبين، حث فيه بوش رئيسة الفلبين على الاستمرار في حربها ضد الاتجاهات الإسلامية، والقضاء على جماعة أبوسياف الإسلامية.

 

كما أكد الرئيس الأمريكي دعم بلاده الكامل للفلبين في حربها التي تشنها ضد الجماعات الإسلامية في الجنوب الفلبيني، وقال بوش للصحفيين: "لا توجد قوانين عندما يتعلق الأمر بجماعة مثل أبو سياف الإسلامية التي تسعى لإقامة دولة تحكم بالشريعة الإسلامية"، وأضاف "هناك طريق واحد فقط للتعامل معهم وهو قتالهم" وليس أدل من هذا الكلام على الحقد الدفين الذي تنطوي عليه أحد أباطرة الصليب في الغرب.

 

من كل ما سبق يتضح لكل ذي عين بصيرة أن قضية شعب المورو المسلم بجنوب الفلبين تتطور تطورًا خطيرًا بسبب انتهاكات الحكومة الفلبينية لاتفاقية الحكم الذاتي أكثر من مرة، والشعب المسلم هناك مصمم على إعلان دولته التي أطلق عليها اسم " جمهورية بنجاسا مورو"، ومما يدعو للدهشة أن إيران قد اعترفت بها بينما لم تعترف بها الدول الإسلامية والعربية أو أي دولة في العالم، فالمجتمع الدولي يريد لهذه القضية حلاً سلميًا في نطاق وحدة الأراضي الفلبينية، ورفض أي حل يسعى لإقامة دولة مستقلة بجنوب الفلبين.

 

وإلى اللقاء مع الحلقة القادمة إن شاء لنختم الحديث عن تلك القضية الشائكة داعين الله أن يحكم فيها برحمته وعدله وهو ولي ذلك والقادر عليه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply